وتتوالى صور الاستهداف!

بعد صدور القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2014، بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية، الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وتضمن 70 مادة حول مكافحة الإرهاب والتصدي له، وكما كان متوقعاً، قامت منظمة «هيومان رايتس ووتش» بانتقاد القانون، متدخلةً في شأن داخلي لا يخصها من قريب ولا من بعيد.

ويبدو أن هذه المنظمة لم يعد يشغلها شيء سوى الدفاع عن جماعة «الإخوان» الإرهابية ومن يدعمها، خصوصاً بعد الملايين التي تلقتها والتي فاحت رائحتها أخيراً في التقارير التي تناقلتها الصحافة. ومن المؤكد أن قانون مكافحة الإرهاب الأخير لا يروق لـ«الإخوان» وغيرهم من الجماعات الإرهابية، وهم يسعون من خلال «هيومان رايتس ووتش»، إلى الإساءة للإمارات وتشويه سمعتها، في خطة ممنهجة لاستهدافها إعلامياً. وقد دخل الاستهداف مرحلة جديدة. فالطائرات مجهولة المصدر، والتي تقول جهات الصراع إنها تنهال قتلاً وتدميراً على بعض المواقع الحيوية في ليبيا، زعمت الولايات المتحدة، أن دولة الإمارات ومصر هما مصدرها، لكن ما لبثت واشنطن أن نفت ذلك الزعم بعدما تأكّد لها عدم صحته.. وهو ما يزيد الحيرة حول نوع وطبيعة المصادر التي تستقي منها الولايات المتحدة معلوماتها، باعتبارها دولة تؤثّر قراراتها على معظم أرجاء الكرة الأرضية. ويبدو أن الاستخبارات الأميركية التي تتخذ من جماعات الإسلام السياسي مصدراً من مصادرها المتعددة، قد تم خداعها بتلك المعلومات، وابتلعت الطعم، ثم اكتشفت الحقيقة التي أحرجتها وأرغمتها على نفي «الخبر».

وقبل أن يجف الورق الذي كُتب به ذلك الزعم، تلقفته الصحف ووسائل الإعلام التابعة لجماعة الإخوان المتأسلمين وحلفائهم، وبدأت تنسج القصص الخيالية حول الكذبة المغلّفة بغلاف التهمة، ولم تتخلّف وسائل الإعلام الإيرانية، وعلى رأسها وكالة الأنباء الرسمية عن صياغة الخبر بطريقة خبيثة، وهو ما قاد باتجاه أن الدولة الإيرانية تعتقد أن كل الدول تنتهج نهجها في إعلان الشيء والعمل بعكسه.

لكن ما هي الأسباب التي تدعو الإمارات لضرب ثوار ليبيا؟ ولماذا تضربهم من قواعد مصرية بطائرات إماراتية، وكأنما مصر لا توجد بها طائرات عسكرية قادرة على أداء ذات الدور؟!

إن التدخل في شؤون الآخرين بالخراب والدمار والفتن، فعل إخواني وإيراني لا إماراتي، والشواهد لا تخطئها عين، فالإمارات لم تقم بالتدخل في لبنان وصناعة «حزب الله»، وتأليبه على لبنان والمنطقة.. ولم تقم بتحريك المحتجين الشيعة في البحرين، والوقوف معهم للانقلاب على نظام الحكم.. ولا بدعم الحوثيين في اليمن ودفعهم للضغط على الحكومة وإقامة معسكرات لإشاعة الفوضى وإسقاط الحكومة.. والإمارات لم تقم بغزو العراق وتفتيته طائفياً.. ولم تقم بالتدخل العلني والواضح في سوريا.. ولم تنفذ عمليات الذبح وقطع الرؤوس، ولا نصبت كمائن للأبرياء في مصر، ولا قامت بحملات الفساد في تونس، ولا عاثت فساداً في اليمن والصومال، ولا قامت بمحاولات نسف خيار الناخب الليبي في البرلمان.. والإمارات لم تتدخل ولم ترفض الخيار الشعبي في تونس، ولا وقفت ضدّ إرادة شعب مصر، ولا قاتلت في أدغال أفريقيا، ولم تقم بسبي الفتيات في نيجيريا.

إن الأمثلة لا تنتهي على الفعل السيئ لتدخلات التنظيمات الإرهابية، والتي تأذّت منها كل المجتمعات، المسلمة وغير المسلمة، فليس للإرهاب وطن، لكنه يملك العديد من الوسائل لتنفيذ أهدافه الخبيثة.

الاستهداف الآن أصبح واضحاً وضوح الشمس، والنموذج الإماراتي الذي أحرج الإسلام السياسي بات مصدر إزعاج وقلق للتنظيم المتأسلم، وأيضاً لنظام الحكم الإيراني.

الإمارات من أكثر دول العالم وضوحاً في مجاهرتها، حكومة وشعباً، بمحاربة التنظيم الإخواني المتأسلم، ومن تبعه من جماعات التأسلم السياسي، وهي مواجهة كان ثمنها هذا الاستهداف الواضح للدولة، وبوسائل متجددة، بدأت بدايات تقليدية وانتقلت إلى وسائل الإعلام الإخوانية المتطرفة، وبعد ذلك إلى وسائل التواصل الاجتماعي، ثم انتقلت لاستخدام المستهدفين للصحف العالمية، وبعض الفضائيات الإخوانية الكاذبة لتشويه سمعة الإمارات، قبل أن تنتقل إلى المنظمات التي تدّعي العمل في مجالات حقوق الإنسان، ثم الفتاوى التي يطوّعها أئمة الضلال وفق مخطط الاستهداف. وانتقل الأمر إلى مرحلة تضليل الدول الكبرى، والخروج بتصريحات مغلوطة كالتصريح الأميركي الغريب، الذي تجنّى على دولة الإمارات. وقد تناسى هؤلاء أن الإمارات كانت من أولى الدول التي قدّمت مساعدات لمتضرري غزة، في الوقت الذي أثار فيه نائب تركي تساؤلات علنية داخل البرلمان التركي حول تزويد أنقرة لحكومة إسرائيل بوقود الطائرات الكردي العراقي، والذي تم استخدامه في الحرب، غير أن الإخوان المتأسلمين كان لابد لهم من إبعاد التهمة عن الإخواني أردوغان وإيجاد شماعة أخرى. والطائرات الحربية في ليبيا كان لابد أيضاً من إيجاد شماعة لها، وهكذا تتعدد شماعات المتأسلمين لإبعاد التهم عن داعميهم من الجناة الحقيقيين.

أما بخصوص القانون الإماراتي حول مكافحة الإرهاب، والذي لا يروق لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، فلتعلم هذه المنظمة أن هذا القانون جاء في وقته المناسب ليشكل سياجاً للوطن والمواطن، فيما تنتشر الحركات الإرهابية في المنطقة انتشار النار في الهشيم، وقد باتت تشكل تهديداً لأمن واستقرار المنطقة بأسرها، مما دفع معظم دول الخليج، لا دولة الإمارات فحسب، إلى إصدار قوانين صارمة وحازمة لمكافحة الإرهاب والتصدي له من خلال عقوبات مشددة تطبق على من تثبت إدانته.

لقد كانت سياسة دولة الإمارات وما زالت تعتمد في مكافحة الإرهاب على التدابير التي تمنع وقوع الجريمة الإرهابية، للحيلولة دون اتخاذ أراضيها مسرحاً لتخطيط وتنظيم هذه الجرائم، أو الاشتراك فيها كما يحدث في كثير من دول المنطقة، وقد أثبتت هذه السياسة نجاعتها، مما يفرض على المشرِّع الإماراتي مواكبة الأحداث والتطورات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتصدي له والقضاء عليه في مهده.

لقد بتنا نحفظ كل انتقادات المنظمات الدولية المغرضة، فهي انتقادات متجنية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بدول تعد ثقافتها خارج منظومة القيم الغربية. فمنذ متى كانت الآراء الفاسدة والهدامة التي تنشر الفتنة بين أبناء المجتمع الواحد تندرج تحت سقف حرية الرأي؟ وهل تستطيع هذه المنظمات الغربية أو حتى السياسيون الغربيون انتقاد ممارسات الحركة الصهيونية في البلاد الغربية نفسها؟ لا يمكن، لأن سيف معاداة السامية مشهر في وجوههم دائماً، وهذا غيض من فيض.

كنا نتوقع أن يكون هذا القانون مثار قلق لمنظمات التكفير والإرهاب، ومن يساندها أو يمولها، أو يتعاطف معها بالدرجة الأولى، لا أن يكون مثار قلق لـ«هيومان رايتس ووتش» ومثيلاتها من منظمات الدجل والمتاجرة بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، بينما تتفرج على الإرهابيين في منطقتنا وهم يطحنون عظام الأبرياء!

د. سالم حميد

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق