هل ينجح الحوثيون بتمرير رؤيتهم في جنيف؟

أحرجت الحكومة اليمنية الحوثيين وإيران بحضور مؤتمر جنيف من دون أي شروط، يبدو أن الأمم المتحدة نفسها مرتبكة، وأصبح الحوثيون يعانون ارتباكا واضحا، ما يجعلهم يتجهون نحو وضع شروط تعجيزية مثل عدم الاعتراف بحكومة الرئيس هادي، ويعتبرونه هو وحكومته مستقيلين.

الحوثيون يعانون من ضغوط دولية وإقليمية ومحلية، بسبب أن المجتمع الدولي يعترف بشرعية حكومة الرئيس هادي، ويؤيد التحالف العربي الذي يقود عاصفة الحزم بقيادة السعودية ضد المليشيات الحوثية التي انقلبت على الحوار وعلى الدولة، بل يعانون ضغوطا نتيجة القرار 2216 الذي صدر من الأمم المتحدة التي ترعى المؤتمر في جنيف الآن، مما يضعهم أمام محنة في كيفية الالتفاف على القرار الأممي الذي أصدرته المؤسسة التي ترعى مؤتمر جنيف.

لا توجد أي دولة تؤيد الحوثيين سوى إيران، وهي الدولة الوحيدة التي تصر على تحويل مؤتمر جنيف إلى حوار، بدلا من التشاور، اتضح ذلك من خلال تصريح وكيل وزارة الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي حضر الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في جدة، الذي تزامن مع مؤتمر جنيف  لمناقشة الأزمة اليمنية، وفي مؤتمره الصحفي قال نحن ندعم حوارا يمنيا في جنيف بوجود أمين عام الأمم المتحدة وسندعم مخرجاته.

بينما الدبلوماسية السعودية كانت حريصة في مؤتمر الرياض التي تركت للكتل السياسية اليمنية تجدد توقيع تأكيد مخرجات الحوار اليمني الذي استمر عشرة أشهر في اليمن، ووقع عليه الجميع بمن فيهم الحوثيين وعلي عبد الله صالح، لكن انقلب عليه الحوثيون بدعم علي عبد الله صالح بقوة السلاح، وحاصروا الرئيس والحكومة، ودخل اليمن في أزمة بعد سيطرتهم على أغلب محافظات اليمن بقوة السلاح الثقيل، بدعم وتدريب مباشر من إيران ومن حزب الله اللبناني، مما هدد أمن دول الخليج، وخصوصا السعودية.

لم يكن أمام السعودية سوى قيادة عاصفة الحزم لردع الحوثيين وإيقاف تهديدهم للأمن السعودي، نجحت الدبلوماسية السعودية في استصدار قرار أممي رقم 2216 يطالب الحوثيين بالانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة الثقيلة التي استولوا عليها وتسليم مؤسسات الدولة للحكومة الشرعية مما قوى عاصفة الحزم وأعطاها مرجعية أممية.

الأمم المتحدة هي الولايات المتحدة، والولايات المتحدة تواجه ضغوطا من قبل الطرفين، إيران والسعودية، ولديها مصالح مع الطرفين، فمع الأولى يجري توقيع اتفاقية نووية، ولديها مع الطرف الثاني –السعودية- مصالح كبرى في المنطقة، لذلك تمسك الولايات المتحدة عبر الأمم المتحدة بالعصا من المنتصف.

أوباما يرى أن أحسن طريقة لتفادي الخطر الذي تشكله إيران هي الدبلوماسية، خصوصا بعدما أثبتت إيران التزامها بوعودها التي أعطتها منذ عام 2013، وهو ما يخالف توقعات الكثيرين، وأي اتفاق سيصل إليه المجتمع الدولي مع إيران كما يقول كيري فإنه يعتمد على البراهين لا الوعود، في المقابل تنشط إيران في توسيع نفوذها عبر وكلائها في المنطقة العربية كفرصة قبل توقيع الاتفاقية لأنها تعتقد أن الولايات المتحدة ستغض الطرف.

الدبلوماسية السعودية أدركت اللعبة السياسية الدولية، ولم يكن أمامها من أجل تحجيم هذا النفوذ سوى القيام بقيادة عاصفة الحزم في اليمن، وهو ما لم تتوقعه إيران ولا الأوساط الدولية، ما أربك خطط إيران. فيما لم تكتف السعودية بعاصفة الحزم، بل اتجهت نحو تعزيز عاصفة الحزم بعقد اتفاق سعودي-تركي في سوريا لدعم المعارضة السورية، نتج عنه انتصارات واسعة للمعارضة، والآن تتجه الدبلوماسية السعودية نحو موسكو من أجل الضغط على إيران خصوصا بعد تقارب المصالح بين البلدين حول استراتيجية النفط المستقبلية.

كانت المبادرة السعودية هذه المرة أسرع مما يتوقعه الآخرون، وكانت خاطفة، خالفت كافة التوقعات، وبدلا من أن تربك إيران عاصفة الحزم في اليمن، وسَّعت السعودية من ضغوطها على إيران في سوريا، فيما اكتفت السعودية وتركيا بالضغط على الولايات المتحدة من أجل تمكين ودعم سنة العراق في الدفاع عن أنفسهم ضد داعش، بدلا من ترك الساحة للحشد الشعبي المدعوم من إيران، والذي يمارس تطهيرا عرقيا من أجل تعزيز هيمنة طائفية مذهبية إيرانية وعزل العراق عن محيطه الخليجي العربي.

تصر السعودية على استسلام الحوثيين وعلي عبد الله صالح وتطبيق القرار الأممي 2216، وبالفعل بدأت المقاومة الشعبية تشتد وتقوى، وبدأ الحوثيون في الاستسلام خصوصا في كريتر في عدن، وتسليم أسلحتهم، وحتى تسليم أنفسهم، ولم تكتف المقاومة إلا باستسلام مكتوب سلمه لهم الحوثيون.

رؤية الحوثيين في انقلابهم على مخرجات الحوار التي رعتها المبادرة الخليجية  وتوصلت إلى يمن اتحادي يتكون من ستة أقاليم، يريدون تحويل مخرجات الحوار وفق رؤيتهم الأحادية،  وتقسيم اليمن إلى قسمين حتى يبقى ويستمر انقسامه، بينما يمن اتحادي يتكون من ستة أقاليم تنهي المطالب الانفصالية على أساس مناطقي ومذهبي يمكنه من الانضمام لمحيطه الخليجي وانتقال رؤوس الأموال واستثمارها داخل اليمن لتنشيط التنمية التي ظلت متوقفة خلال عقود مضت نتيجة الولاءات القبلية الضيقة والفساد الذي ضرب السلطة.

مؤتمر جنيف الأممي ليس أمامه سوى التوصل إلى هدنة إنسانية على أساس بحث الانسحاب، لكن لن تكون الهدنة الإنسانية على شاكلة سابقتها من دون ضوابط ومن دون محددات، بل ستفرض مراقبة حتى لا تسمح للحوثيين وعلي عبد الله صالح باستثمار الهدنة واستعادة قوتهم من أجل إعادة تموضوعهم.

ويود المبعوث الأممي أن يتوصل إلى تحقيق خطة توافقية تتكون من ثلاثة بنود من الهدنة الإنسانية والانسحاب، ووضع رقابة دولية، ويطالب البعض ببند رابع يتعلق بإطلاق سراح الأسرى.

بعد مؤتمر جنيف وفوضوية وتعنت الوفد الحوثي في جنيف، خصوصا حينما يراهنون على أحقيتهم في حكم اليمن أو تسليمه للقاعدة، من كان يتعاطف مع الحوثيين اكتشفوا حقيقة الحوثيين، وأنهم لا يختلفون عن أي مليشيا إرهابية صاحبة مشروع أيديولوجي، وليس سياسي، حتى وإن أظهروا أنفسهم بأنهم وفد سياسي.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق