هل نجح علي عبد الله صالح في توريط الحوثيين والقضاء على خصومه حتى ولو تم تدمير اليمن؟

هل نجح علي عبد الله صالح في توريط الحوثيين والقضاء على خصومه حتى ولو تم تدمير اليمن؟

عندما اشتدت المعارضة ضد الخليفة عثمان رضي الله عنه طلب الصحابة من عثمان رضي الله عنه أن يسمح لهم بالدفاع عنه، فأقسم عثمان على كل من له حق عليه أن يكف يده، وأن ينطلق إلى منزله، ثم قال لغلمانه من أغمد سيفه فهو حر، فأعتق بذلك غلمانه، وقال رضي الله عنه أنه يريد أن يأخذ موقف ابن آدم الذي قال (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين، إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار، وذلك جزاء الظالمين).

عندما سألته زوجته نائلة من أين أكلت ولم أر أحدا أتاك بطعام أو بشراب لأنه رضي الله عنه كان صائما وصام اليوم الثاني فقال لها رضي الله عنه: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال: اشرب يا عثمان، فشربت حتى رويت، ثم قال ازدد، فشربت حتى نهلت، ثم قال صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه: أما إن القوم سينكرون عليك، فإن قاتلتهم ظفرت، وإن تركن أفطرت عندنا، فاختار رضي الله عنه لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لشوقه له، وليقينه بأنه سوف يلقى الله شهيد ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم له من قبل.

قامت احتجاجات في اليمن متزامنة مع ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا في يناير 2011 إلى أن ارتكبت مجزرة جمعة الكرامة في 18 مارس، أعلن على إثرها الشيخ صادق الأحمر شيخ مشايخ قبائل حاشد دعمه لثورة الشباب بعد أحداث جمعة الكرامة.

في 3 يونيو من نفس العام حدثت محاولة تفجير جامع الرئاسة في محاولة لاغتيال الرئيس علي عبد الله صالح، رغم أن الاتهام لم يوجه رسميا لجهة معينة، فإن علي عبد الله صالح والمسؤولين الموالين له أشاروا بأصابع الاتهام إلى خصومهم في الجيش المؤيد للثورة بقيادة علي محسن الأحمر ورجال القبائل المتحالفين معه ممثلة بالشيخ صادق الأحمر.

في 23 نوفمبر بضغط إقليمي ودولي وقع الرئيس علي عبد الله صالح برعاية مجلس التعاون الخليجي وبدعم مجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بأن ينقل السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، وعد الاتفاق صالح ومساعديه بالحصانة من الملاحقة على الجرائم التي المرتكبة أثناء رئاسته.

لم يروق لعلي عبد الله صالح تخليه عن الرئاسة وتعرضه للاغتيال، رغم أن الحالة الاقتصادية لليمن منذ تسلم الرئيس علي عبد الله صالح الرئاسة 1978-2012 لا تزال نسبة السكان تحت خط الفقر 45 في المائة وقرابة 35 في المائة يعانون من البطالة وفق إحصاءات عام 2003، بل وتراجعت زراعة البن والفواكه والخضروات لصالح القات وأصبحت زراعة القات بنسبة 80 في المائة من الغذاء في اليمن عام 2010.

جعل حزب الإصلاح المحسوبية أداة سياسية وقوى شبكة محسوبية وتأمين مصالح شخصية أو قبلية لأن زعماء القبائل ليسو أيديولوجيين بل يبحثون عن مصالحهم، شكل ائتلاف معقد متشابك بأجندات أمريكية مكوناته المختلفة لم تتمكن من تكوين منصات نيابية واضحة، لأنه يوازن بين مصالح قبلية وسياسية مختلفة بعدما انضم الحزب إلى أحزاب اللقاء المشترك عام 2003 رغم تأزيم علاقته المضطربة مع الحزب الاشتراكي لكنه ظل يعقد المسائل السياسية مع حزب المؤتمر الشعبي التي تحولت إلى تنافس حول البرامج والأهداف إلى تنافس لكسب ولاءات وزعامات قبلية سخرت موارد الدولة لتحقيق أهداف ضيقة أضحت قابلة للتنافس بين مراكز القوى استخدمت الديمقراطية للوصول إلى سدة الحكم.

يدرك علي عبد الله صالح إستراتيجية الولايات المتحدة التي تعمل على تشكيل العالم وفق التشرذم والهوية؛ بسبب أن الولايات المتحدة ترى أن الخريطة التي رسمت قبل قرن من الزمان لم تعد تصف الواقع الإقليمي، وبدأت تعتمد في تشكيل منطقة الشرق الأوسط وفق ديناميكية التشرذم تمتد بعيدا إلى ما وراء الصراعات الطائفية القاتلة، مستخدمة إيران الأداة التي تنفذ إستراتيجيتها في المنطقة، وهي التي ترفض أن يبني العراق دولته الوطنية واستبدلته بالمليشيات، ودعمت مليشيات حزب الله في لبنان كأداة في لبنان وفي سوريا، وهي فرصة لها في دعم مليشيات الحوثي في اليمن كفرصة ثمينة لتكريس المجال الإستراتيجي الإيراني وتثبيت منطلقاته التوسعية تحت شعار محور المقاومة لربط تلك الاستحقاقات الوطنية بمستقبل مفاوضاتها النووية مع الغرب.

فشل التنسيق بين حزب اللقاء المشترك وحزب المؤتمر الشعبي الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح على التوصل إلى مشاريع العدالة الانتقالية والشروع في إصلاحات هيكلية ومؤسسية في بنية الدولة.

تحالف علي عبد الله صالح مع الحوثي الذي دخل معه في حروب ستة في اتفاق تكتيكي مرحلي بحت وفضفاض تحت ذريعة القضاء على شبكة المحسوبية مستثمرين ضعف الدولة في ظل أول رئيس جنوبي لا يمتلك ولاءات في الجيش، وفي ظل حكومة ركزوا على تقاسم المصالح والمغانم بدلا من تركيزهم على تقديم الخدمات واستتباب الأمن، ومناطق عانت من غياب تمام لوجود الدولة بشقيه المادي والمعنوي لسنوات طويلة سهل دخول الحوثي العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 تنبأت به مجموعة الأزمات الدولية بتاريخ 10 مايو 2014.

تمكن علي عبد الله صالح من تغيير خريطة التحالفات في اليمن بعد القضاء على مراكز قوى خصومه، والقضاء على قوة علي محسن الأحمر، وقتل اللواء القشيبي أبرز قوة الإخوان التابعة لعلي محسن الأحمر ولآل الأحمر، لكن أنصار الشريعة لم يدخلوا في صراع مفتوح مع أنصار الله حتى لا تؤجج الفتنة وتقود إلى صراع مذهبي، وتركهم لليمن الذي سيبتلعهم بسبب أنهم يفتقدون إلى الشرعية الوطنية.

انقلاب الحوثي سيدخل اليمن في نفق مظلم وهم تحت تهديد السلاح تمكنوا من إسقاط الحل اليمني بعد اتفاق جميع الكيانات والقوى السياسية على مخرجات الحوار الذي بدأ في 18 مارس 2013 والذي اختتم في 25 يناير 2014 والتوقيع على الوثيقة النهائية ولم يتبقى سوى إقرارها في الدستور الذي عطله الحوثي باختطاف مدير مكتب الرئيس هادي بعدما أقاموا اتفاق السلم والشراكة ثم انقلبوا عليه عبر الإعلان الدستوري.

اليمن بلد بموقع إستراتيجي، حولت إيران ميناء عصب الأريتيري إلى قاعدة إيرانية، وسعت مصر من القناة حتى تمر 18 ألف سفينة عبر القناة سنويا بكلفة 60 مليار جنيه، بينما جيبوتي المطلة على باب المندب في الجهة الأخرى يتواجد بها الولايات المتحدة وروسيا والصين ومصر وأريتريا والإمارات وإسرائيل.

 بينما تسعى السعودية إلى موافقة في التواجد في ميناء الضنة في حضرموت كبديل في حال أحكمت إيران قبضتها على باب المندب وهرمز وهو ما يزيد حضورها سياسيا واقتصاديا.

تريد روسيا إقامة مواقع ثابتة في جزيرة سقطري بجانب ميناء طرطوس في سوريا لاستعادة روسيا ثقلها الإستراتيجي، والغريب أن الوفد الروسي زار صعدة ولم يزر صنعاء لانتزاع الموافقة على هذا التواجد، ما يعني أن إيران وروسيا وغموض أمريكي وراء ما يحدث في اليمن.

اليمن لم يستطع أحد أن يخضعه من قبل، فابتلع العثمانيين ومزق جيش جمال عبد الناصر عام 1961 وسيبتلع الحوثيين وهم بين فكي كماشة القبائل في الشمال والجنوب وحتى الرئيس السابق علي عبد الله صالح سيتخلى عنهم، وهو ما يزال يبتز دول مجلس التعاون من أجل العودة إلى الساحة السياسية في اليمن من خلال ابنه بينما هي ترفض.

السعودية حاضرة ولكنها حذرة من التورط في الأزمة اليمنية ولا تريد أن تكون طرفا في الأزمة، وهي تدرك بأن اليمن لديه سواحل بطول 2500 كلم وحدود برية مع السعودية 1458 كلم ومع عمان 288 كلم وهي بوابة أفريقيا إلى السعودية يمكن أن تهددها الهجرة والإرهاب القادم من إفريقيا عبر اليمن.

يمتلك اليمن نحو 200 جزيرة أكبرها سقطري وحنيش التي حصلت على تبعيتها من أريتريا عام 1998، وهي خزان بشري يقدر عدد سكان اليمن قريب من 25 مليون نسمة لا يمكن أن يظل يعاني الفقر بين دول بترولية غنية.

السعودية ومصر دول معنية حول معالجة الأزمة في اليمن رغم أن دول مجلس التعاون الخليجي طلبت من مجلس الأمن أن يعالج المشكلة اليمنية تحت الفصل السابع ولكن لم يحدث ذلك، ما يجعل السعودية ومصر كقوتين عربيتين وإقليميتين، فمصر لديها قوة تدخل سريع في حال تمت السيطرة على باب المندب، والسعودية تعول على دعم القبائل خصوصا وأن اليمن يمتلك عشرة موانئ وهناك تسعة محافظات من أصل 22 محافظة تقع على سواحل البحر، وتعتبر اقتحام مأرب خطا أحمرا حتى لا تعطي الحوثي قدرة على تمويل انقلابه.

لأن الجنوب ينتج أكثر من 70 في المائة من البترول والغاز وهو السبب الذي جعل الرئيس عبد ربه هادي يرفض أن يوافق على ضرب مأرب بالطائرات من أجل أن يستكمل الحوثي السيطرة على آبار النفط من أجل أن يمتلك القوة الاقتصادية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق