هل تنجح روسيا في جرّ الولايات المتحدة إلى حرب باردة جديدة؟

كتب معهد دراسات الحرب، وهي مؤسسة فكرية أمريكية في تقرير لها في 20/8/2016 بأن روسيا مستعدة للصراع التقليدي بين روسيا وأوكرانيا التي تتسارع، وهناك احتمال حرب مفتوحة تتزايد بسرعة، خاصة بعدما تعهد سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا بأنه سيتم اتخاذ تدابير شاملة ضد كييف انتقاما لما دعته روسيا أنه محاولة هجوم إرهابي من قبل وزارة الدفاع الأوكرانية.

ووفقا لوكالة الاستخبارات الأوكرانية فإن هناك فوج كامل من الدفاع الجوي الروسي في دونباس، كما تم نشر قاذفات صواريخ بوك، التي أسقطت طائرة ماليزية، حيث تؤكد كاثلين واينبرجر مختصة روسيا وأوكرانيا في معهد دراسات الحرب تقول بأن هذه إشارات مهمة جدا من روسيا بأنها على استعداد للتصعيد والذهاب إلى أقصى حد.

كما أن سماح إيران لروسيا باحتلال قواعد في عربستان يهدد الأمن الإقليمي، وينذر بصدام أميركي روسي في المنطقة، يتساءل البعض هل تضحي سوريا كوبا الشرق الأوسط، خصوصا بعدما اتجهت روسيا إلى تحويل قاعدة حميميم الجوية إلى قاعدة استراتيجية روسية، ويجري العمل على قدم وساق لتهيئتها، لاستقبال قاذفات استراتيجية روسية ثقيلة قادرة على حمل قنابل نووية، ردا على تحركات الأطلسي بالقرب من حدود روسيا.

 ومن مصلحة روسيا نقل المعركة من جوارها إلى سوريا بالإضافة إلى تجهيز مواقع لنشر منظومات صواريخ بانتيسر الحديثة التي ستحمي القاعدة، لكن الرد الأمريكي لم يتأخر كثيرا رغم تردده في الأزمة السورية وفي عدد من ملفات المنطقة وبالفعل الآن المعارضة السورية تستهدف مواقع نشر منظومات الصواريخ الروسية في عدد من المواقع في سوريا، بل تمكنت المعارضة السورية من إسقاط طائرة روسية في ريف حماة بصاروخ تاو.

هناك فارق بين سياسات روسيا الآنية في سوريا التي تعتمد الدوغمائية على غرار سياسات بوش الابن تستغل مرحلة تراخي الصقر الأمريكي وقد تكون سياسة استدراجية لتوريط الدب الروسي في المستنقع السوري، بينما سياسة أمريكا توسعية براغماتية في أنحاء متفرقة من العالم.

أكثر التهديدات العسكرية التي تثير قلق كبار مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية ترتبط بروسيا وحتى الصين لكن لكل منهما مواجهة خاصة، يدفعان الولايات المتحدة نحو سباق تسلح جديد أطلق عليه أسم ( استراتيجية المعدل الثالث ) الذي يعزز التفوق التكنولوجي الأميركي من خلال الابتكار، أسلحة تزيد من تعقيد خطط الهجوم من جانب الخصم، لردع التمرد الروسي بشكل خاص، وهناك مساعي أمريكية لبناء نسخ جديدة من أسلحة تقليدية، وهي السبيل الوحيد لتجنب التصعيد إلى استخدام الأسلحة النووية حال اندلاع حرب مع موسكو، رغم أن الولايات المتحدة لن تدخل في مواجهة مباشرة، بل في مواجهة بالوكالة وهو ما يطيل أمد الأزمة السورية.

هذا المعادل الجديد يرمي لاستعادة الولايات المتحدة هيمنتها العسكرية المفقودة، ورغم التمرد الروسي، فإن الولايات المتحدة هي أكثر قلقا من الصين بناء على تقرير صادر من مؤسسة راند كورب بعنوان الحرب مع الصين إعادة التفكير في المستحيل.

 بسبب أن الصين أدخلت تطورات على قدراتها العسكرية، بل إن مسؤولين أمريكيين بارزين في البنتاغون حذروا من أن التطور العسكري الروسي والصيني تسببا في انحسار التفوق العسكري الأمريكي، ما جعلهم يتمكنون من الكشف عن بعض برامج الأسلحة التي كانت بالغ السرية في 2015، لكن في المقابل تعمدوا في إخفاء برامج أخرى للحفاظ على الفاعلية القتالية في أي صراع مستقبلي، خصوصا وأن الولايات المتحدة تمتلك الطائرة الجديدة إف35 حيث أنفقت عليها نحو 400 مليار دولار وهي الطائرة الأغلى في العالم وهو سلاح أمريكا الجديد لمواجهة روسيا والصين.

كما أعلنت أمريكا عن وصول المدمرة العملاقة بي-52 إلى قاعدة العديد بقطر للانضمام إلى العمليات العسكرية مثلها مثل روسيا التي تدعي أنها تستخدم أسلحتها الاستراتيجية في مواجهة داعش، وهي أول مرة تصل هذه القاذفة الاستراتيجية إلى الشرق الأوسط منذ نهاية حرب الخليج 1991، ولم تعلن الولايات المتحدة عدد الطائرات المعنية بالانتشار الجديد، وهي طائرات لديها قدرة على حمل قنابل نووية.

توسع الناتو يقلق بوتين الذي جعله يقدم على غزو جورجيا عان 2008، وفي القرم وشرق أوكرانيا والآن في سوريا، أي يستعرض بوتين عضلاته العسكرية، لكنه يفتقر إلى القوة الاقتصادية والقوة بمعناها الواسع للدخول في مواجهة علنية مع الناتو حيث نجد أن اقتصاد روسيا انخفض من 2.26 تريليون دولار عام 2008 إلى 1.850 تريليون دولار عام 2011 ثم إلى 1.23 تريليون دولار في عام 2015 بمعدل نمو سالب 3.8 في المائة، أي يساوي اقتصاد اسبانيا، بل إن اقتصاد كوريا الجنوبية أعلى منه، ويأتي اقتصاد روسيا في المركز 13 بعد أن كان في المركز الثامن عام 2012.

وينسحب ذلك أيضا على إيران حليف روسيا حيث انخفض الناتج المحلي الإيراني من 587 مليار دولار عام 2012 إلى 425 مليار دولار عام 2014، وهو أكثر انخفاضا الآن، ولكن لا توجد إحصائيات منشورة لإيران، بينما نجد الناتج المحلي السعودي ارتفع من 591 مليار دولار عام 2008 إلى 632 مليار دولار عام 2015 وهي في المركز ال19.

اتبع بوتين استراتيجية قديمة تتبعها إسرائيل وهي استراتيجية الهجوم الوقائي، عندما ضربت إسرائيل المفاعل النووي العراقي عام 1981، وكذلك قصفت مصنع اليرموك في السودان عام 2012.

يتبع بوتين نفس الاستراتيجية التي تتبعها إسرائيل الكائنة في تضخيم القوة الذاتية، ويحركه إيمانه بنظرية تومس هوبز الذي يعزز روح الأنانية، ويتبع نهج تضخيم القوة الهجومية وليس الدفاعية في صراعه مع الغرب، تجعله يتجه نحو التصرف بعنجهية، كما يتبع نظرية العالم السياسي الواقعي لجون ميرشيمار الذي طرح نظرية الواقعية الهجومية التي ترسم السياسات الواقعية للكثير من الدول التي تنتهج تضخيم القوة الهجومية وليس الدفاعية، حيث تعتبر هذه النظرية توازن القوى من أهم الأسس الواقعية التي تستند إليه روسيا وكذلك إسرائيل.

يبدو أن بوتين يعول كثيرا على الصين كحليف استراتيجي، ويعول بشكل خاص على بيانات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي التي حملت مفاجأة لجميع المراقبين عندما استخدمت مدخل تعادل القوة الشرائية، وجدت أن الاقتصاد الصيني يتحول أكبر اقتصاد في العالم في عام 2019 ويبلغ نحو 26.867 تريليون دولار مقابل 22.174 تريليون دولار للولايات المتحدة، أي أن حجم الاقتصاد الصيني يفوق الاقتصاد الأمريكي بنحو 21 في المائة.

 لكن وفق الأسعار الجارية يصل الناتج المحلي الإجمالي الصيني عام 2019 نحو 15.518 تريليون دولار مقابل 22.174 تريليون دولار للولايات المتحدة، رغم ذلك فإن الصين لن تنساق إلى جانب التهور الروسي وستحافظ على مصالحها، وهو ما جعل الدبلوماسية السعودية تدرك مثل هذا الواقع، واتجهت نحو إقامة شراكات اقتصادية مع كل من الصين واليابان وحتى مع الولايات المتحدة بعيدا عن التحالفات العسكرية يمكن أن يجعل انتصارات روسيا في سوريا استعراضية، وسيكون رحيلها مؤكدا، ولن تقبل الولايات المتحدة أن تقاسمها روسيا في سوريا أو في أي منطقة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق