موقف سعودي يضرب حسابات موسكو قبل اجتماع فيينا

موقف سعودي يضرب حسابات موسكو قبل اجتماع فيينا

بعد استدعاء بشار الأسد بمفرده إلى موسكو بحماية روسية وإرجاعه إلى دمشق الذي يخرج لأول مرة خارج سوريا، منذ انتفاضة الشعب السوري، واستمر الاجتماع ثلاث ساعات، كانت بمثابة إملاء شروط روسيا على الأسد، من أجل أن تضمن روسيا حصانة لبشار الأسد ولعائلته بعدما انتقلت العمليات العسكرية في سوريا من طهران إلى موسكو، إلى جانب تأهيله بعدما أنقذته من الاخطبوط الإيراني.

أولويات واشنطن في إحياء مفاوضات جنيف وتسوية، بينما موسكو تسعى إلى صفقة إقليمية ودولية خارج نطاق الأمم المتحدة، وخارج مجلس الأمن، وبعيدا عن جنيف 3، ودعوتها الأكراد لمحاربة الإرهاب مع النظام تعتبر خلطا للأوراق، من أجل كسب مصالح جيوسياسية خاصة بها.

الاتفاق السياسي قد تم، رغم أن الموقف في سوريا معقد، ولكن صيغ الحل غير واضحة، تتطلب تنازلات كبيرة من جميع الأطراف، ومن المبكر جدا التفاؤل حول أي عملية سياسية، لأن روسيا تريد أن يشارك في هذا الحوار مصر والأردن، بينما هناك مواقف أخرى للسعودية وتركيا وقطر.

هناك خطابان متعارضان بين السعودية من جهة وروسيا من جهة أخرى قبل اجتماع فيينا في 23/ 10/2015، فالجبير أعلن أن إيران جزء من المشكلة، ولا يمكن أن تكون جزءاً من الحل، والأسد مغناطيس جذب للمقاتلين من جميع أنحاء العالم، وذهابه يسبق محاربة الإرهاب، وقد يتسامح المجتمع الدولي في بقاء بشار الأسد في لفترة انتقالية، وموقف تركيا لا يختلف عن موقف السعودية، بل هناك تنسيق بين الطرفين.

أدركت روسيا أنها تخشى التورط في سوريا، وأن الاقتصاد الروسي لا يتحمل تورطاً أكبر، لأن المساحات التي تسيطر عليها المعارضة كبيرة، لا يمكن استرجاعها عبر ضربات جوية، وبعد ثلاثة أسابيع لم تحقق الضربات الجوية مكاسب كبيرة للنظام السوري، ولم تتمكن من تعديل ميزان القوى، ولا يخفي حلفاء النظام السوري في دمشق من إخفاء ملامح مأزقهم وتوترهم، وهو كان باديا على بشار الأسد أثناء لقائه بوتين في موسكو، لكن نجحت روسيا في تحقيق تموضع أقلق الغرب في إنشاء قاعدة عسكرية روسية في اللاذقية بجانب طرطوس.

هناك خطر إرهابي، وتدفق اللاجئين إلى أوروبا، ما يجبر الأطراف الدولية على الدخول في تسوية، وتريد تركيا والسعودية الحفاظ على وحدة سوريا ووقف تفككها، وطالب لافروف بأن تكون سوريا علمانية أضاف كيري وديمقراطية.

اتصال بوتين بالملك سلمان وبأردوغان بعد زيارة الأسد وإخبار الدولتين بنتائج المحادثات دليل على أن بوتين لا يستطيع أن يتجاوز هاتين الدولتين ولم يتصل بإيران، لكن لافروف أكد أنه لا يمكن استبعاد إيران من أي مفاوضات، بينما ترفض السعودية أن تشارك إيران باعتبارها جزءاً من المشكلة.

روسيا لا تستطيع التمسك بالأسد إلى النهاية، واستدعاء الأسد بمفرده دون مرافقين، بل رافقه أشخاص من وزارة الدفاع الروسية والاستخبارات، لإرسال روسيا رسائل للعالم بأن علاقة روسيا بسوريا متينة، ورؤية روسيا أن الإرهاب في سوريا والعراق يهددها أكثر من أمريكا البعيدة التي تلعب بورقة الإرهاب، كما قال بوتين بأن أمريكا تتعامل مع ورقة الإرهاب بازدواجية، خصوصا وأن في سوريا نحو أربعة ألاف روسي أغلبهم من الشيشان، يمكن أن يهددوا الأراضي الروسية عند عودتهم، وناقش الرئيس بوتين مع الأسد العملية الانتقالية ومدى تحقيق ذلك.

التدخل الروسي في سوريا خلط الأوراق الأمريكية والإيرانية، ليس فقط في سوريا بل وحتى في العراق، وتريد موسكو أن تسترجع مكانتها في طرطوس واللاذقية وسلبها من إيران بعد أن عاثت في سوريا فسادا، رغم ذلك، هي لا تريد أن تتخلى عن الورقة الإيرانية لأمريكا لقمة سائغة، بل ستستمر في التحالف مع إيران حول العديد من الملفات.

رغم اختلاف السعودية مع موسكو حول التدخل العسكري وضرب مواقع المعارضة بل هددت عبر وزير خارجية قطر العطية بالتدخل العسكري، إلا أنها سعيدة بكف موسكو يد إيران عن توجيه دفة الحرب في سوريا، بل إن بوتين فرض أوامره على الأسد بأن يمتنع نظامه عن عرقلة جهود روسيا الساعية إلى قطار التسوية، والسعودية سعيدة بوقف الاستنزاف العبثي المستمر الذي فرضته واشنطن وفرضته موسكو وإيران في الإبقاء على الأسد في الحكم عبر معادلة لا تفضي إلى تسوية، خصوصا في ظل رفض أوباما التدخل العسكري مثلما تدخلت موسكو عسكريا لفرض الحلول السلمية في سوريا.

صحيح أن الدب الروسي لا يقدم خدمات مجانية التي أثخنته العقوبات الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية، ولكنهم حولوا العجز الأمريكي الغربي لصالحهم، وتحويل مسار الحرب السورية في إطار الصراع الدولي على النفوذ، وهو التدخل الروسي الأول بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، بل وأثبت بوتين بأن روسيا ليست معزولة بسبب الأزمة الأوكرانية، بل تظهر لمنتقديها بأنها قادرة على أن تسير في الإطارين العسكري والدبلوماسي جنبا إلى جنب.

بينما ادعاء روسيا استباق التدخل في روسيا حتى لا يصل الإرهاب إلى الحديقة الخلفية لروسيا أو داخل البيت الروسي فهي مقاربة تبريرية وغطاء للتدخل لا تصمد طويلا.

تصريحات عادل الجبير في سويسرا ردا على التحرك الدبلوماسي الروسي الساعي إلى إبقاء الأسد في سدة الحكم بذريعة مكافحة الإرهاب، وأكد أن السعودية ليست مستعدة للقبول بالحلول الروسية والتماهي مع الاستعراض السياسي الذي تبديه موسكو بغية إقناع القوى الكبرى بضرورة إيجاد تسوية سياسية لا تشمل إبعاد رأس النظام السوري.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق