معضلة أوباما السورية

تمتد الحرب الأهلية الشرسة في سورية طيلة 21 شهرا كالأمواج لصالح المتمردين، لتجد إدارة أوباما أخيرا فصيلا يمكنها التعامل معه. ففي يوم الثلاثاء الماضي، صرح الرئيس أوباما بأنه وسع اعتراف الولايات المتحدة ليشمل الائتلاف الوطني الحديث لقوى الثورة السورية والمعارضة المسلحة “كممثل شرعي للشعب السوري”. وبذلك، فإنه يحذو حذو حكومات دول الخليج وتركيا وفرنسا وبريطانيا، لكنه اختار الحذر في خطوته تلك بشكل لم تفعله البلدان السابقة. فحتى مع اعتراف الولايات المتحدة بمجموعة متمردة واحدة، فقد صنفت الإدارة الأمريكية جبهة النصرة التي تعتبر من أكثر الجماعات نشاطا وفاعلية في قتال قوات الأسد، كمنظمة إرهابية إسلامية مرتبطة بتنظيم القاعدة في العراق.

تتابع الولايات المتحدة التحركات عن كثب، في أعقاب أسبوعين من النشاط المكثف في ساحة المعركة، من قبل المتمردين السوريين، حيث يبدو أنهم استطاعوا التغلب على عدد من أوجه التقصير التي كانت ترافقهم منذ فترة طويلة. حيث كانوا أكثر تسليحا من أي وقت مضى، وقدموا تكتيكات رائعة منسقة فيما بينهم، والسيطرة على عدد من القواعد العسكرية، ونقل المعركة لتقترب من وسط دمشق، عبر أداء فعال من ثلاثة محاور. كما أنها بدأت سلسلة هجمات تسعى من خلالها للسيطرة على مطار دمشق الدولي، متمركزين على بعد 15 ميلا خارج المدينة. مما أدى إلى تعليق الرحلات الجوية من وإلى هذا المطار، وفي نفس الوقت تم قطع خدمات الهاتف والإنترنت في سورية. مع ارتفاع التعتيم عما يجري مترافقا مع ارتفاع الإدراك الدولي باقتراب نهاية الأوضاع في سورية. (أخبرني صديق لي في مشق يوم الأربعاء الماضي، بأن الأجواء تشهد تفجيرات واشتباكات طيلة الوقت، وتشهد توترات دائمة، فيما تتمحور حياة الناس حاليا على تأمين أساسيات الحياة اليومية كالغذاء والوقود، فيما يعتبر الخبز والبنزين سلع نادرة جدا، وفي المناطق التي توجد فيها مخابز حكومية قد تمتد طوابير الحصول على الخبز لثلاث ساعات.

حتى من تبقى من حلفاء الأسد، يعترفون بأن نهاية سلطة الأسد باتت قريبة، اذ اعترف نائب وزير الخارجية الروسي يوم الخميس الماضي بأن مكاسب المتمردين الأخيرة ترجح بأن الأسد سيخسر الحرب، وهو أول اعتراف من مسؤول روسي رفيع المستوى (قدمت روسيا إلى جانب إيران والصين دعما دبلوماسيا لنظام الأسد في محافل الأمم المتحدة، كما قدمت روسيا دعما عسكريا للأسد)، وعلى الرغم من ذلك، فقد حذر من أن نهاية الحرب قد تكون بعيدة ودموية، لتكون ضحيتها عشرات أو مئات آلاف الأرواح السورية، مكررا الاقتراح الروسي الرسمي حول الحوار والتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض (لتصدر الخارجية الروسية يوم الجمعة بيانا أكثر تشاؤميا، تتنصل فيه من التصريحات السابقة).

في ظل هذه التطورات، كانت توقيت الولايات المتحدة في تقديم اعتراف دبلوماسي بالمتمردين في سورية مناسبا، لكنه لم يكن اعترافا معدا على عجل. حيث انشغل مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية لأشهر طويلة خلف الكواليس في جهود حثيثة لجمع أطياف المعارضة السورية الموالية للغرب للحوار معا. ولا شك أن مزيدا من المفاوضات ستتم حاليا، وقد تكون هناك بعض المشادات، عبر تحرك الولايات المتحدة لعل لعزل جهاديي جبهة النصرة، والتي اعترف بها حتى الشيخ معاذ الخطيب، الزعيم المعتدل دينيا في الائتلاف، واعتبر أن مثل هذا الجهد غير حكيم. رغم هذه النقطة العالقة، فإن العلاقة الرسمية الحديثة مع الولايات المتحدة تعني أن الأمريكيين سيكونون قادرين حاليا في المشاركة في المحادثات الجارية لتشكيل المعارضة السورية، وتحقيق هدفها في نهاية المطاف بوجود نظام صديق للولايات المتحدة بعد الأسد، أو على الأقل لها بعض النفوذ عليه، عبر مساعدات مالية حاسمة ومكثفة، أو عبر أشكال أخرى من المساعدات.

ويبقى السؤال المطروح حاليا، فيما إن كانت الولايات المتحدة ستتخذ خطوات مباشرة لتسريع تثبيت حكومة ما بعد الأسد. مع تكثيف الضغط في الأسبوع الماضي، حيث أعرب وزير الدفاع الأمريكي الأسبوع الماضي، من خشيته من لجوء نظام الأسد لاستخدام أسلحة كيميائية مخزنة كمحاولة يائسة منه، وأوضح مسؤولون أن هناك أدلة تشير إلى تحضيرات كمقدمة لاستخدام غاز السارين، وهو غاز أعصاب قاتل، من خلال قنابل جوية، فيما أنكرت الحكومة السورية عبر مسؤوليها ذلك بشدة، وأشارت إلى احتمال أن الجماعات الإسلامية المتطرفة قد وضعت يدها على أسلحة من هذا النوع (ويشار إلى أن بانيتا أوضح هذا الأسبوع بأن خطر استخدام هذه الأسلحة قد خفت على ما يبدو).

إذ أن استخدام هذه الأسلحة (السارين) ما زال في يد قوات الأسد، كنوع من زرع الذعر في أوساط الشعب، لمحاولة أخيرة لفرض مفاوضات تبقى الأسد في السلطة، فهناك العديد من التقارير التي تفيد بأن القوات الأمريكية تتمركز في الأردن منذ عدة أشهر للتدريب على تأمين عشرات مواقع الأسلحة الكيميائية السورية، في حال انهيار النظام، لكن هذه التقارير نقلت خشية مسؤولين أمريكيين في شكوكهم بإمكانية الولايات المتحدة في تأمين جميع المواقع.

في ظل هذه التحفظات، وتصريحات الرئيس أوباما أن استخدام سورية للأسلحة الكيميائية “خط أحمر”، فإن الأسد قد يراهن على هذه الأسلحة ليس لمنع سقوطه، بل لنجاته.

بالنسبة للأسد، فإن الإقدام على فعل ما لجر تدخل أمريكي، ولو كان محدودا، ربما تكون زلة أو خطوة قاتلة، تنجيه من وضعه. فالجهاديون الذين يقاتلونه حاليا، قد يحولون سلاحهم صوب القوات الأمريكية كما حصل في العراق.
أما بالنسبة للرئيس أوباما، فإن استخدام القوات الأمريكية ينبغي أن يكون أخر ما يرغبه، من خلال الإقدام على كل الاحتمالات الممكنة قبل ذلك، تحسبا لعواقب من غير الممكن التنبؤ بها، بما في ذلك خطر الوقوع في مستنقع جديد ذات أبعاد صراعية متعددة في الشرق الأوسط. لذلك، فإن العتبة التي قد تدفع الولايات المتحدة للتحرك ما تزال غير واضحة، مفسحة المجال أمام مزيد من الوقت للولايات المتحدة وسورية في اختبار نوايا بعضهما، وبشكل وثيق أكثر من ذي قبل، من خلال لعبة الجبان على الطراز القديم ذات المخاطر العالية  (game of chicken).

جون لي أنديرسون

ترجمة: عبد القادر نعناع

 

لمراجعة النص الأصلي:


JON LEE ANDERSON, OBAMA’S SYRIA PROBLEM, 14/12/2012, THE NEW YORKER:

http://www.newyorker.com/news/daily-comment/obamas-syria-problem

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق