“محاربة الإرهاب” .. دور أمريكي للأسد

يتصاعد الجدل الدائر حول هوية الثورة السورية، والتوجهات العقائدية للجيش الحر، منذ أشهر عديدة، سبقت خروج جبهة النصرة إلى العلن، وبيان زعيم تنظيم القاعدة في العراق “أبو عمر البغدادي”، حيث روّج النظام منذ الأسابيع الأولى للثورة، وقبل أن تتخذ أشكالاً مسلحة، لفكرة التطرف والأصولية والإرهاب التي تنطوي عليها الثورة السورية، كخطاب لجأ إليه كافة الزعماء العرب، سواء من تمت الإطاحة بهم أم أولئك الذين لا يزالون في سدة الحكم.

لم تلتف الولايات المتحدة إلى تلك الدعاوي في كل من تونس ومصر وليبيا، بل ساهمت سياسياً أو عسكرياً في الإطاحة بتلك الأنظمة، وأعادت ترتيب علاقاتها مع المنطقة وفق تلك المتغيرات، رغم أن بعضاً ممن أطيح بهم من الزعماء العربي “مبارك” كان بمثابة أحد أهم رجالات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وعلى العكس من ذلك تماماً، ففيما كان يوصف الأسد بأنه أحد أعداء الولايات المتحدة في ذات المنطقة، وحليف إيران التي “تناصب” العداء لها ولإسرائيل، رغم هذه المعطيات، إلا أن الولايات المتحدة لم تخرج عن إطار إطلاق جملة من التصريحات وقليل من المساندات السياسية المعنوية للجهات المعارضة للأسد، فكما صرح أحد مسؤوليها “لا علاقة تربطنا بالأسد حتى نطلب منه الرحيل كما فعلنا مع مبارك”، دون أن تقود جهداً سياسياً أو عسكرياً للإطاحة بالأسد، أو المساعدة في ذلك.

ورغم أن تاريخ الولايات المتحدة حافل بالتدخلات الدولية سواء أكانت تحت شعارات إنسانية، أم كانت لأهداف مصلحية فحسب، إلا أنها احتجبت عن التدخل في الوضع السوري، والذي يعتبر مفتاح الشرق الأوسط، وضمان مصالحها فيه، على جبهتيه الشرقية والغربية، ومع تأخرها ذلك، كان النظام يسير في خطة “الترهيب” من الثورة وهويتها العقائدية.

ورغم كل المجازر التي أقدمت عليها قوات الأسد، خلال أشهر الثورة الطويلة، إلا أن ذلك لم يدفع الولايات المتحدة إلى تصنيف قوات الأسد بأنها إرهابية، بل على العكس تماماً، فما حصل هو تصيف سريع “لجبهة النصرة” باعتبارها منظمة إرهابية تعود في قيادتها إلى تنظيم القاعدة، وأعادت الولايات المتحدة وفق ذلك، طرح إشكاليات الأقليات وضمان أمنهم في ظل وجود تنظيمات إرهابية، في حال تسلمها لقيادة الدولة بعد إسقاط الأسد، وإشكالية الأسلحة الكيماوية، وأمن دول الجوار، وفي مقدمتها إسرائيل، دون أن تلتفت إلى المجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري، وخاصة تجاه أكثريته المعارضة، وإلى استخدام الأسد ذاته للأسلحة الكيماوية تجاه الشعب السوري، وإلى اختراق أمن كافة دول الجوار، باستثناء إسرائيل بالطبع.

وبالعودة إلى هوية الثورة السورية، فإن إشكالية الولايات المتحدة هي مع هذه الهوية، سواء أكانت إسلامية معتدلة، أم متشددة، أم أنها فصيل قاعدوي، وخاصة أن الولايات المتحدة ساهمت بدورها في استدراج فصائل قد تكون تابعة للقاعدة إلى سورية، عبر غض النظر عما يجري على الحدود الشرقية مع العراق، أو بعض التدفقات من الشمال على الحدود مع تركيا، ومن دول أخرى.

إلا أن سكوت الولايات المتحدة طويلاً عما كان يجري في سورية، ساعد في ظهور تيارات سلفية متشددة، في مواجهة عنف طائفي كان يوجه من قبل النظام بشكل شرس ووحشي بل ومنهج إلى المدنيين خاصة (ومن أبرز ملامحه استخدام آلية الذبح تجاه المعارضين)، ومنع وصول أية أسلحة إلى الضحايا للدفاع عن النفس، في مقابل شحنات ضخمة من السلاح الروسي والإيراني المرفقة بمقاتلين وفق اعتقادات طائفية ضخت بشكل كبير لصالح قوات النظام. بل إن الولايات المتحدة رفضت طلب رئيس الائتلاف الوطني المعارض أحمد معاذ الخطيب بمدّ مظلة صواريخ باتريوت الدفاعية، التابعة لحلف الناتو، والمنصوبة على الحدود التركية- السورية، لحماية المدنيين في الشمال السوري.

إن التصنيف الأمريكي لجهات مقاتلة في الجيش الحر بالإرهابية، لتشمل من كان قاعديا أم لا، والمترافق مع ذات الخطاب من إعلام الأسد، يعطي دلالة، أن الولايات المتحدة، تعطي أكبر فرصة لنظام الأسد، ليقوم بهمة أمريكية، وهي محاربة “الإرهاب”، طالما كان قادراً على تصفية أكبر عدد من قوات معارضيه، سواء أكانوا ضمن تصنيفاتها أم لا، فهي واثقة من سقوطه في المستقبل، لكنها تناور على مزيد من القوة لإتمام جزء كبير من تلك المهمة، قبل أن تضطر إلى التدخل المباشر لإتمامها.

وهناك أمثلة على هذا السلوك الأمريكي، كما حصل في اليمن على سبيل المثال، فكانت تزود حليفها “علي عبد الله صالح” بوسائل محاربة القاعدة والحوثيين، إلى أن تضطر إلى التدخل بشكل مباشر. وكذا فعلت إسرائيل وحركة فتح، حين ساندتها في اعتقال العديد من كوادر المقاومة، قبل أن تتدخل ثانية في عمل عسكري تجاه فصائل المقاومة الفلسطينية.

ومن ذلك، ما تمارسه الولايات المتحدة على بعض حلفائها المناصرين لتسليح قوات المعارضة السورية، بل وتوفير نوع من التدخل العسكري، عبر ضبط سياسي لهذه التوجهات، ودفع بها إلى تأجيل طرحها مراراً، وهو ما لوحظ في تصريحات بريطانية وفرنسية، تناوبت على موضوع التسليح، بين تحمس له وتردد فيه.

وجاء خطب أبو بكر البغدادي أمير “دولة العراق الإسلامية”، كتأكيد منه على ما تروجه الولايات المتحدة ونظام الأسد منذ أشهر، رغم نفي جبهة النصرة ذاتها لارتباطها مع هذا التنظيم، رغم تقديرها له، واستنكار جهات مدنية وعسكرية وإسلامية في سورية، لمضمون خطاب البغدادي.

إن امتناع الولايات المتحدة عن اتخاذ موقف حازم من نظام الأسد، ومنع بعض حلفاء الولايات المتحدة من اتخاذ هذا الموقف، يشير إلى دور أمريكي مقبل، في سعي إلى فرض حدود جديدة في سورية والمشرق، سواء عبر تفعيل حربها على “الإرهاب”، أو طرح مشاريع تقسيمية “لحماية الأقليات”، قبل أن تنحو باتجاه مساندة إسقاط الأسد.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن الشبكة العربية العالمية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق