لماذا هاجم المالكي السعودية وقطر؟

في مقابلة مع قناة “فرانس 24” بثت مساء السبت المصادف في 9 مارس/آذار 2014، شن رئيس حكومة الإحتلال الخامسة نوري المالكي هجوماً حاداً على المملكة العربية السعودية ودولة قطر قائلاً: “أنهم يهاجمون العراق عبر سوريا وبشكل مباشر، بل هم أعلنوا الحرب على العراق كما أعلنوها على سوريا، ومع الأسف الخلفيات طائفية وسياسية”. وأضاف أن: “أزمة العراق الطائفية والإرهابية والأمنية مسؤولة عنها هاتان الدولتان بالدرجة الأولى”.

ومما أشار إليه المالكي إتهامه الصريح إلى السعودية وقطر عن “إعلان الحرب على العراق”، محملاً إياهما مسؤولية ما “تشهدها البلاد”. وأكد على أن: “هاتين الدولتين تحفزان المنظمات الإرهابية وبينها القاعدة وتدعمها سياسياً وإعلامياً”. وقال: أن السعودية وقطر تؤويان “زعماء الإرهاب والقاعدة الطائفيين والتكفيريين وتجندان الجهاديين الذين يأتون من دول أوروبية كالذين جاؤوا من بلجيكا وفرنسا ودول أخرى”. وتابع قائلاً: “نستطيع أن نتخذ مواقف مقابلة لكننا لا نريد ذلك، وإلى الآن لم نتخذ إجراء مضاداَ”. موضحاً: “لا نريد أن نوسع دائرة المواجهة إنما نقول لهم بضرورة الوعي بأن دعمهم للإرهاب سيعود عليهم لأن تركيبتهم الإجتماعية قابلة أن تجتمع فيها نار الفتنة”.

لقد جاء هجوم المالكي الشديد رداً على الإتهامات الموجهة له بتهميش وإضطهاد السُّنة في العراق، والتضييق عليهم بدوافع طائفية. وإن قواته قد أعتقلت مواطنين سعوديين وزجت بهم في غياهب السجون دونما أن يعرضوا على المحكمة، وتعرضوا للتعذيب والقمع الوحشي، ما دفع بالخارجية السعودية للمطالبة بنقل سجناء المملكة في العراق إلى منطقة كردستان حفاظاً على أرواحهم.

وفي يوم الأثنين المصادف 10-3-2014، رفضت السعودية إتهامات المالكي لها ولقطر بتمويل المسلحين السُّنة الذين تحاربهم قواته في محافظة الأنبار في غرب العراق، وأعتبرت إتهاماته بأنها “عدوانية لتغطية إخفاقاته”. ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر رسمي لم تكشف عن أسمه قوله: إن المملكة تُعَبر عن “إستهجانها وإستغرابها للتصريحات العدوانية وغير المسؤولة الصادرة عن رئيس الوزراء العراقي”. وأضاف: أن “نوري المالكي يعلم جيدا قبل غيره موقف المملكة الواضح والقاطع ضد الإرهاب بكل أشكاله وصوره وأيا كان مصدره، كما أنه يعلم جيداً الجهود الكبيرة التي تقوم بها المملكة في مكافحة هذه الظاهرة على المستويين المحلي والعالمي، الأمر الذي جعلها في مقدمة الدول التي تتصدى لها”.

وأشار المصدر السعودي قائلاً: “كان حريا برئيس الوزراء العراقي بدلاً من أن يكيل الإتهامات جزافاً ضد الآخرين أن يتخذ السياسات الكفيلة بوضع حد لحالة الفوضى والعنف التي يغرق فيها العراق على صعيد يومي، وبمباركة ودعم واضح للنهج الطائفي والإقصائي لحكومته ضد مكونات الشعب العراقي الشقيق”. وقال أيضاً: “من الواضح أن الغاية من هذه التصريحات هي محاولة قلب الحقائق وإلقاء اللوم على الآخرين لتغطية إخفاقات رئيس الحكومة العراقية في الداخل، التي وضعت العراق تحت خدمة أطرافاً إقليمية أسهمت في إذكاء نار الفتنة الطائفية بشكل لم يعهده العراق في تاريخه، وعرّضت في الوقت ذاته العراق لمخاطر تهديد وحدته الوطنية والترابية”.

ورغم أن قطر لم ترد على المالكي لحد هذه اللحظة، فإن وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً رفضت التعليق على إتهامات المالكي. وفي اليوم الذي تحدث فيه المصدر السعودي، فإن المتحدثة بأسم الخارجية الأمريكية جنيفر بساكي تطرقت في المؤتمر الصحفي الأسبوعي عقدته في واشنطن قائلةً: إن “العراق حقق تقدماً كبيراً في تحسين العلاقات مع بعض الدول في المنطقة مثل الكويت والأردن، ولكن إحراز تقدم مع الآخرين كان محدوداً، ونحن نواصل تشجيع تحسين العلاقات بين العراق وجيرانه العرب، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي”. وأضافت إن “الوضع في سوريا أثار بالتأكيد التوترات في المنطقة والمقاتلين الأجانب يشقون طريقهم إلى العراق من سوريا، ونحن قلقون بشكل خاص، بطبيعة الحال، حول هذا الموضوع ونشاطر قلق العراق بشأن مستويات العنف، ونعمل مع العراقيين لتنفيذ ستراتيجية شمولية”.

وفي سؤال حول إتهام المالكي للسعودية وقطر بدعم الإرهاب قالت بساكي: “أنا لن أتكلم على ذلك”. لكنها أشارت إلى “إننا بطبيعة الحال، معنيون بتدفق المقاتلين الأجانب في العراق في الأشهر الأخيرة، وقد تفاقم بالتأكيد الوضع الأمني ونواصل تقديم المشورة ومساعدة العراق في تطوير أستراتيجيات مع فهم عملياتها الأمنية الخاصة والقدرات، ونحن على إتصال وثيق معهم حول ذلك”.

وقبل أن نولوج في تناول المغزى من إتهامات المالكي، والرفض السعودي القاطع، والموقف الأمريكي المترجرج، نود أن نطرح الأسئلة التالية: لماذا الآن هاجم المالكي السعودية وقطر؟ وأين هي أدلته ضد تلك الدولتين؟ هل تدفع إيران بالمالكي لمواجهة سياسية واسعة لتغطية خسائره العسكرية بمحافظة الأنبار وغيرها؟ أَم أنه التهيأ السلبي المسبق قبل يومين من إنعقاد “مؤتمر مكافحة الإرهاب” في بغداد؟ والتي دفعت بالسعودية وقطر أن يرفضا الحضور إلى هذا المؤتمر.

عندما ينص المالكي على أن السعودية وقطر تهاجمان العراق “عبر سوريا” التي أعلنوا عليها الحرب لأسباب “طائفية وسياسية”. فإن المالكي نفسه في شهر آب/أغسطس 2009 طالب مجلس الأمن الدولي بالتدخل وتشكيل محمكة جنائية دولية ضد سوريا، متهماً إياها بإيواء الإرهابيين، وإرسالهم إلى العراق. فما الذي تغير في سوريا لكي يتغير المالكي؟ ومَنْ الذي يتدخل بشؤون العراق طائفياً وسياسياً، إيران أم السعودية وقطر؟ ثم كيف تدعم السعودية “تظيم القاعدة” وقد أدرجته قبل أيام ضمن التنظيمات الإرهابية المطلوبة للدولة؟ ألم يسمع أو يقرأ المالكي بالإجراء السعودي الجديد في مكافحة الإرهاب!

إن تناقضات المالكي صارت مألوفة محلياً وإقليمياً، حتى أصبحت ضمن سماته السياسية البارزة. ولذلك لا عجب أن ينفي المالكي في المقابلة مع “فرانس 24” أن يكون هناك أي شرخ طائفي في العراق. في حين أن سياسته منذ العام 2006 تدل بشكل قاطع على نهجه الطائفي المرتبط بالمشروع الصفوي الإيراني في المنطقة العربية. ألم ينص في جوابه على سؤال الصحفية البريطانية قبل توجهه إلى واشنطن أواخر 2012، كيف تصف نفسك؟ قال: أنا شيعي أولاً، وعراقي ثانياً، وعربي ثالثاً، وعضو في حزب الدعوة رابعاً.

تُرى ما معنى أن يقدم المالكي هويته الطائفية على هويته الوطنية؟ ولماذا يجعل من العربية درجة ثالثة؟ إن لم يكن مرتبطاً ومنفذاً للمشروع الصفوي الإيراني الطائفي. وإذا كان الفارسي الصفوي يعتز بقوميته، ولا يفرط بهويته الوطنية، فعلام المالكي ومن على شاكلته يرضون بالتبعية للصفويين، ويتجاوزن هويتهم الوطنية والقومية. إن إتهامات المالكي ضد السعودية وقطر ليست باطلة فقط، بل أنها تأتي ضمن سياق الأحداث التي يخطط لها طغمة الملالي الحاكمة في إيران. وإلا كيف نفسر قوله: “بأن دعمهم للإرهاب سيعود عليهم لأن تركيبتهم الإجتماعية قابلة أن تجتمع فيها نار الفتنة”. في حين إن الذي يؤجج إلى إشعال “نار الفتنة” إنما هم أصحابها الصفويون الطائفيون، وما جرى ويجري في العراق وسوريا والبحرين واليمن ولبنان خير شاهد ودليل.

بالإضافة إلى ما قاله مستشار القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية يحي رحيم صفوي في 11-1-2014، حيث أشار إلى “دعم بعض الدول العربية للمجموعات التكفيرية”. وقال: أن “المجموعات التكفيرية تمارس عمليات القتل ضد الشعبين العراقي والسوري”. وبالتالي فإن هذا “الإرهاب سينتشر ويطال تلك الدول أيضاً”. والمقصود بتلك الدول تحديداً هي السعودية وقطر.

هذا وإن الرد السعودي يمكن إختزاله في جانبين رئيسيتين، أولهما: رفض إتهامات المالكي، وأفضل له أن يضع حد للفوضى اليومية الجارية في العراق، وبدعم واضح “للنهج الطائفي والإقصائي لحكومته”. وثانيهما: قد وضع العراق تحت خدمة “اطرافاً إقليمية أسهمت في إذكاء نار الفتنة الطائفية”. إن النقطة الخفية في الجانب الأول تعني أهل السُّنة. أما الإشارة الأخرى في الجانب الثاني فتعني إيران.

ومن خلال ما صرح به المسؤول السعودي في هذا الشأن، نعلم أن السياسة الخارجية السعودية ما زالت على نمطها التقليدي المتسمة بالأعصاب الهادئة، وعدم الميل نحو التصعيد، سيما تجاه ردود الأفعال. ولكن مغزى المالكي من الهجوم لا يتعلق بسياسته وحده، بل أن حكومته بمثابة حكومة ظل إيرانية، وإن الرد عليه ينبغي أن يضعه ضمن حجمه كصنيعة إيرانية. علاوة على أن الرد المعني بإيران، يتوجب أيضاً أن يكون وفق سياقه الصريح بلغة حدية واضحة.

إن إيران وأطرافها الأخطبوطية الطائفية الممتدة في العراق ولبنان واليمن والبحرين وسوريا، في ساعة المواجهة تجابه الآخرين بالتصعيد المدروس، وما إرسال الميليشيات الطائفية: “كتائب أبي الفضل العباس” و “عصائب أهل الحق” و”جيش المهدي” وغيرها من العراق، ثم عناصر “حزب الله” اللبناني، وعناصر “فيلق القدس” الإيراني، للقتال مع النظام الدموي ضد ثورة الشعب السوري، إلا بينة جلية توجب على السعودية بصفة خاصة أن تجابه المشروع الصفوي الإيراني الذي أقترب أكثر من أي وقت مضى من الدخول إلى أراضيها. وإلا لماذا المالكي بحجة “مكافحة الإرهاب” يواصل حربه على أكبر محافظات العراق مساحةً؟ إن لم يكن المقصود هو الإتجاه الصفوي نحو المناطق الشيعية في شمالي المملكة.

أما الموقف الأمريكي الذي أفصحت عنه الناطقة بأسم وزارة الخارجية جينفر بساكي. فإنه يصب في صالح سياسة المالكي الطائفية، ومن ورائه إيران التي أستطاعت إقناع إدارة باراك أوباما في نقطة التلاقي ضد الإرهاب. والقصد الخفي الذي تضمره عمائم إيران الصفوية، إن الإرهابيين هم من مدارس ومذاهب سُّنية. وبالتالي فإن التشهير بهم عالمياً، والقضاء عليهم ميدانياً، إنما تدور رحاها في الجانب السُّني فقط. مما يفسح المجال للتشيع الصفوي (المتوافق مع سياسة  أميركا وإسرائيل) بالإمتداد داخل البلدان العربية.

ولذلك إستطاعت إيران أن تجند جناحاً في تنظيم القاعدة يعمل لصالحها سواء في العراق أو سوريا أو اليمن. وما “دولة الإسلام في العراق والشام” المعروفة بأسم “داعش”، إلا حلقة جديدة تُضاف إلى سلسلة التطرف الإسلامي التي يمسك بتحريكها ملالي إيران. وإلا كيف نفسر إنطلاقة “داعش” في 9-4-2013، ثم بسطت سيطرتها سريعاً على مناطق واسعة داخل الأراضي العراقية والسورية في غضون ست شهور؟ وما أشار إليه  وزير العدل العراقي حسن الشمري في 6-1-2014، عن أن: رؤوساً كبيرة في الدولة سهلت هروب سجناء تنظيم القاعدة من سجني “أبو غريب” و”التاجي” في بغداد تموز/يوليو الماضي. وأن “الغرض من تسهيل عملية الهروب هذه كانت تقوية النظام السوري من خلال تقوية تنظيم ’داعش‘، وتخويف الولايات المتحدة من أن البديل القادم لنظام بشار الأسد هو ذلك التنظيم”. وتابع الشمري قائلاً: “أن قوات حماية السجنين أنسحبت قبيل أقتحام عناصر القاعدة لهما وإطلاق رفاقهم”. وأوضح: “إن تسهيل عملية الهروب جاءت قبل إتخاذ الكونغرس الأمريكي قراراً بإعطاء التخويل للرئيس الأمريكي باراك أوباما بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا في حينه والتي تم إلغاؤها لاحقاً”.

عموماً من السذاجة أن نصدق قول بساكي: “إننا بطبيعة الحال، معنيون بتدفق المقاتلين الأجانب في العراق في الأشهر الأخيرة”. بينما سياسة الحدود المفتوحة داخل العراق مستمرة منذ أن بدأها الرئيس الأمريكي السالف جورج بوش عند غزوه في العام 2003. ولكننا نصدق بساكي عندما أمتنعت عن التعليق على إتهام المالكي للسعودية وقطر. لأنها إن تفوهت فسوف تفضح ما كان مستوراً ومتوارياً بين أميركا وإيران تجاه مكافحة الإرهاب في المنطقة العربية دون غيرها من المناطق.

 د. عماد الدين الجبوري

كاتب وباحث عراقي

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق