لماذا تضغط إيران على الكويت لوقف محاكمة خلية العبدلي؟

بعد عاصفة الحزم في اليمن، التي تقودها السعودية، بمشاركة دول الخليج سوى سلطنة عمان، ودول عربية أخرى وبمباركة دولية، خصوصا بعد صدور القرار 2216، يعتبر ضربة في خاصرة المشروع الفارسي الذي يستهدف المنطقة العربية.

عاصفة الحزم أيقظت صحوة عربية شيعية، بل وجرأت المرجعية الشيعية في العراق على مناهضة الفساد، ومواجهة التدخل الإيراني في العراق، ما جعل مقرب من مرجعية النجف، يصرح بأن هناك قياديين شيعة تابعين لإيران، يهددون المراجع بالقتل، إن استمروا في صحوتهم، لأنهم بذلك يفضحون المشروع الفارسي في العراق بأنه ليس مشروعا شيعيا أو دفاعا عن المستضعفين كما تروج له إيران، ما جعل المرجعية الشيعية في العراق، ترفض ولاية الفقيه، التي تتعارض مع أسس الدولة الوطنية.

حاولت إيران أن تنقذ ولاية الفقيه بالمشروع الفارسي، من الاحتجاجات الشعبية الإيرانية التي أجهضتها في عام 2009، أسرعت إلى انتخاب روحاني باعتباره رئيسا إصلاحيا، تبعته باتفاق نووي مع الغرب، أجلت الاحتجاجات الشعبية في إيران التي يمكن أن تثور في أي وقت.

تدرك الكويت أن المشروع الفارسي ينظر إلى الكويت وإلى بقية دول الخليج خصوصا الصغيرة بل وحتى أجزاء كبيرة من المملكة العربية السعودية بأنها جزء لا يتجزأ من الخريطة الجديدة الفارسية، بل وحتى الحرمين الشريفين تطمح إلى أن تكون مسؤولة عنهما وتحت هيمنتها، وهي بذلك أعلنت بعد سقوط إحدى الرافعات في الحرم نتيجة رياح شديدة بأن السعودية غير قادرة على حماية الحجاج والدفاع عنهم، لكنها فوجئت كما فوجئ الإيرانيون بزيارة الملك سلمان لحاجّة إيرانية مصابة وهي رسالة بأن كافة الحجاج ترعاهم السعودية من دون تصنيف كما تفعل إيران.

لكن دول الخليج جميعها حاولت منذ الثورة الخمينية أن تحتوي إيران، خصوصا وأن دول الخليج لم تكن بنفس القوة التي تمتلكها إيران، لا الديمغرافية، ولا العسكرية، وأكبر مثال على ذلك احتلال العراق للكويت لم تتمكن دول الخليج من وقف زحف العراق، ولكن إخراج العراق من الكويت استنزف خزائن دول الخليج وأخر التنمية الاقتصادية في دوله.

عاصفة الحزم عكست الموقف عن عام 1991، ومن قبل دخول قوات درع الجزيرة الى البحرين عام 2011، أعطت إشارات، بأن دول الخليج ليست كما كانت زمن الثورة الخمينية أو زمن احتلال الكويت من قبل العراق، بل هي لديها القدرة والاستعداد للدفاع عن سيادتها، وهي دول متماسكة ولديها قوات مشتركة، وأن المعادلة تغيرت، رغم ذلك، لا تريد دول الخليج أن تدخل في صراع مع دولة جارة يؤثر على مستقبل شعوبها والتنمية فيه.

التحقيقات الأولية لخلية العبدلي، التي ألقي القبض عليها في الكويت، ثبت أن في حوزتها أكثر من 20 طنا من الذخائر والمتفجرات، وثبت من التحقيقات الأولية أن إيران وحزب الله لديهما أصابع يحركان الإرهاب في دول الخليج، وأكدت تلك الخلية أن أطماع إيران في دول الخليج وفي المنطقة العربية حقيقية.

لكن الضغط على الكويت من أجل وقف محاكمة خلية العبدلي فيه نوع من الاستهانة بدول الخليج، وتعتقد إيران بأن الكويت دولة بمعزل عن شقيقاتها، بينما في الحقيقة بأن الأمن الخليجي كتلة واحدة، ولا يمكن لدول الخليج أن تفرط في أي دولة كانت صغيرة أو كبيرة.

قد تدرك ذلك إيران، ولكنها تحاول اللعب على وتر الطائفية الذي يغذيه العديد من الأطراف التابعين، لكن القانون قادر على محاسبتهم، ويبدو أن إيران مصممة على إلقاء كرة اللهب بين المجتمع الواحدة، وتقسيمه إلى طوائف وشيع، لم تكن تلك التقسيمات معروفة في المنطقة قبل الثورة الخمينية.

تكشف المحاكمة حقيقة طهران، وحزب الله اللبناني، للشيعة العرب، قبل السنة، ما يوحد الصفوف، ضد طهران وحزب الله، وتنقلب الآية في لبنان وفي العراق وفي شرق السعودية والكويت والبحرين، وتخسر بذلك إيران ولاية الفقيه، التي تضمن الولاءات بدلا من الولاء لأوطانهم، وهو ما يؤدي إلى فشل المشروع الفارسي، خصوصا بعدما انكشفت حقيقة محور الممانعة، بعد دفاع حزب الله عن النظام السوري الذي يقتل شعبه حتى بالكيماوي.

وتحرك إيران أفرادا داخل الكويت، في توقيت تم اختياره بعناية دقيقة، في محاولة للضغط على الكويت، للتراجع عن محاكمة عناصر الخلية، حتى لا تفضح هذه المحاكمة النوايا الحقيقية لطهران التوسعية في الكويت، وفي المنطقة الخليجية والعربية، وكشف حجم تآمرها على الكويت التي تقيم علاقات ودية مع طهران.

إيران وحزب الله، يشعران باستياء شديد من احتراق ورقة حسن العلاقة مع الكويت، وأن أثر ذلك، سيكون قويا، لا سيما بعد ثبوت تورطهما وبشكل مباشر في أكثر من أزمة إقليمية في لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين والآن في الكويت،  خصوصا بعدما تزامن كشف الخلية مع القبض على المغسل المسؤول عن تفجيرات الخبر.

تريد إيران من تحريك مثل هؤلاء الأفراد داخل الكويت، إرسال رسالة تهديد وتخويف للكويتيين، من أن الشيعة مستعدون للتصعيد من أجل الدفاع عن حقوقهم بكل الأساليب الممكنة، حتى العنيفة، ولكنها ستخسر الرهان، لأن الشعب الكويتي بكافة أطيافه سنة وشيعة، هم وطنيون، يحبون الكويت، ويرفضون كل من يسئ لوطنهم الكويت، وهم يؤمنون بأن كل من اقترف جرما ضد بلده سواء كان من أي فئة أو من أي طائفة، فالقانون هو الفيصل في محاسبته كمواطن وليس كفرد من فئة أو من طائفة.

فالله سبحانه وتعالى أمر بالعدل حتى مع العدو (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) بل إن الله سبحانه وتعالى ساوى بين البشرية جمعاء وأمر بالتعاون بينهم، وترك أمر التقوى إلى الله سبحانه وتعالى، وليس للبشر (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه) وجاء في صحيفة المدينة: “المسلمون من قريش، والمسلمون من يثرب، واليهود، أمة واحدة”.

فالإسلام يرفض التفرقة، والناس لديه سواسية، واستبدله بالتعاون والأخوة والمحبة والتسامح.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق