عاصفة الحزم واجهت النفوذ الإيراني قبل توقيع الاتفاق النووي في فيينا

عاصفة الحزم واجهت النفوذ الإيراني قبل توقيع الاتفاق النووي في فيينا

في أول رد سعودي على توقيع المجتمع الدولي وإيران على اتفاقية نووية، نصحت فيه السعودية إيران بأن تستغل مواردها في خدمة تنميتها الداخلية، وتحسين أوضاع الشعب الإيراني، عوضا عن استخدامها في إثارة الاضطرابات والقلاقل في المنطقة، الأمر الذي سيواجه بردود فعل حازمة من دول المنطقة، وأن السعودية تتطلع إلى بناء أفضل العلاقات معها في كافة المجالات.

وافقت إيران بدخول المفتشين إلى المواقع التي يشتبه فيها، والتوصل إلى الإبقاء على 6100 من أجهزة الطرد من أصل 19 ألف جهاز طرد، فيما كانت فرنسا تطالب بالإبقاء على 500 جهاز طرد فقط، ولن يتم رفع العقوبات التدريجية حتى يتم التأكد من سلمية النووي الإيراني، وبعد مفاوضات استمرت اثني عشر عاما، يلحظ بأن الاتفاق الذي وقع في فيينا أن تحد طهران من طموحاتها النووية لأعوام عدة، اتفاق يعتبره المجتمع الدولي يفتح صفحة جديدة من العلاقات إذا التزمت طهران بتعهداتها.

الأوربيون يعتبرونه اتفاقا متوازنا، بينما أمريكا تراه اتفاقا يمنع إيران إنتاج سلاح نووي مدى الحياة، وتعتبر الاتفاق عامل استقرار للمنطقة، وتعتبر أن لديها وجودا عسكريا مكثفا في المنطقة يمنع أي أنشطة مزعزعة للمنطقة.

وفي اتصال مفاجئ تلقاه الملك سلمان بن عبد العزيز من أوباما يؤكد له بعدم رفع العقوبات المتعلقة بتسلح إيران لمدة خمس سنوات في الاتفاق الذي وقع بين إيران والقوى الكبرى حول برنامج طهران النووي، ورحب الملك سلمان لأوباما بأن السعودية تقف إلى جانب أمريكا في أي اتفاق يمنع إيران من الحصول على السلاح النووي.

يأتي هذا الاتصال المباشر من الرئيس الأميركي في يوم توقيع الاتفاق، يدل على اهتمام أوباما بحجم القلق الذي ينتاب دول الخليج من هذا الاتفاق، وفي نفس الوقت يقدم رسالة للسعودية بأن أمريكا ملتزمة بالتطمينات التي أكدها أوباما في قمة كامب ديفيد للخليجيين وملتزم بالشراكة مع حلفائه، وهي تطمينات لم يثق فيها الخليجيون في قمة كامب ديفيد، وطالبوا أمريكا بالتزامات موثقة.

تعاملت دول الخليج بقيادة السعودية مع إيران خلال الفترة الماضية منذ الثورة الخمينية عام 1979 بأسلوب التجاهل والصبر، خصوصا وأن إيران كانت منشغلة بالحرب العراقية الإيرانية مدة ثماني سنوات، رغم إصرار إيران على تصدير ثورتها لدول الخليج والمنطقة العربية، ولكن كانت العلاقات السعودية الإيرانية حينها ما بين مد وجذب، حتى احتلت أمريكا العراق وسلمته على طبق من ذهب لإيران، وجدت إيران فرصتها التاريخية في تنفيذ المجال الحيوي الإيراني الجديد التي كانت تطمح له، مستثمرة ظهور متغير إقليمي جديد متمثل في اجتياح البلدان العربية الاضطرابات العربية.

ليس لدى السعودية أي مانع من أن تسعى إيران لتصبح قوة إقليمية ناجحة مما يفرض تطورا في السلوك الإيراني، لكن منذ أن وقعت إيران على الاتفاق النووي المبدئي في 13 نوفمبر 2013 لم يحدث تعديل في سلوكها، بل على العكس، كانت تجد أن تلك الفترة فرصة للتمدد باعتبار أن أمريكا والغرب سيغضان الطرف، وهو ما حدث بالفعل، ما جعلها تتمدد في اليمن وهو الخاصرة الجنوبية للسعودية، ويبدو أن قراءتها للمشهد كانت خاطئة، ولم تستفد من الحالة في البحرين، عندما حركت السعودية درع الجزيرة عام 2011 لحماية البحرين.

تكرر السيناريو في اليمن، قادت السعودية تحالفا عربيا سمي بعاصفة الحزم في اليمن، وما زالت إيران تتلقى الضربات ليس فقط في اليمن بل حتى في سوريا، وستتلقاها أيضا في العراق ولبنان مستقبلا، لأن عاصفة الحزم انطلقت ولن تقف حتى تحقق أهدافها ليس فقط في اليمن بل في كافة المنطقة العربية لوقف التمدد الإيراني والقضاء على مليشيات الظل المدعومة إيرانيا التي تقود حربا بالوكالة.

بدأت الإرادة العربية بعاصفة الحزم، التي تمكنت من دعمها بقرار أممي 2216 تحت البند السابع، ما يمثل ضربة قوية، أربكت الخطط الإيرانية، ولم تتوقف عاصفة الحزم أثناء المفاوضات النووية، لأنها تدرك أن إيران تستثمر فرصة هذه المفاوضات وتتمدد، ومتأكدة أن الغرب سيغض الطرف، لكن كانت عاصفة الحزم بإرادة عربية حصلت على دعم عربي ودولي، لكن دون أخذ الإذن من الأطراف الدولية، رغم إعلامها بما ستقوم به.

دعم عاصفة الحزم في مواصلة مواجهة النفوذ الإيراني التي بدأت في اليمن، وصدور تقرير من وزارة الخارجية بشأن الإرهاب الدولي، الذي أوضح في هذا التقرير بأن دعم إيران للإرهاب لم يتراجع، ولا تزال إيران مستمرة في دعمها لبشار الأسد في سوريا، وللمتمردين المناهضين للحكومة في اليمن، بل إن دول الخليج بقيادة السعودية أكدت هذا التقرير، وصرحت بأن إيران أصبحت بعد التوقيع على الاتفاق المبدئي أكثر عدائية، ولن تنتظر السعودية بعد توقيع الاتفاق النهائي، بأن يجعل المجتمع الدولي إيران أقل عدائية، بل إن الإرادة العربية هي التي تجعل إيران أقل عدائية، وهي صحوة لن تتوقف حتى بعد الإرهاب الذي يضرب مصر، ويضرب بقية المنطقة العربية من الجزائر وتونس والمساجد في السعودية والكويت، رغم أن داعش هو من يعلن المسؤولية، لكن من يرعى الإرهاب يتعامل مع جميع أنواع الإرهاب وسيكون هو المسؤول عن حدوث هذا الإرهاب خصوصا وأن إيران سبق أن كدست أسلحة منذ عهد الرئيس مبارك والرئيس مرسي في سيناء.

طبيعة الاستراتيجية الإيرانية قائمة على استغلال التشيع لأغراض عسكرية وفق منظور استراتيجي لا يخلو من نزوع للتوسع والهيمنة الإقليمية، وهي جزء من حقيقية المعركة الطائفية الدائرة في سوريا، وذلك راجع لطبيعة العمل التشبيكي الذي يعتمده الحرس الثوري الإيراني في إدارته للمعركة الشاملة التي يخوضها في منطقة الشرق الأوسط.

كما أن الخطر لا يحدق بالسعودية فقط بل كذلك يحدق بباكستان، حيث أن إيران بعد احتلال أفغانستان والعراق بنت نفوذا كبيرا في باكستان وأفغانستان، تحول هذا النفوذ إلى نوع من الشراكة، من خلال اتخاذ هذه الشراكة بعدا خطيرا يتمثل في توفير إيران للسلاح والتدريب لمواجهة الهجمات المتكررة للحسينيات الإمامية في باكستان وأفغانستان، ولم تقف إيران عند هذا الحد من الدعم، بل اتبعت استراتيجية شد الأطراف الطائفية بالمركز الإيراني، وفق خريطة المجال الحيوي الجديد، ومنح الجنسية الإيرانية للذين يعملون من أجل إيران، وهي استراتيجية قديمة استعملت مع منظمة بدر العراقية التي يحمل قادتها الجنسية الإيرانية منذ الثمانينات من القرن العشرين.

هذه الاستراتيجية تحقق لإيران توسيع دائرة التسليح والحشد الشعبي، لتثبيت النفوذ الإيراني وتوسيعه حتى تتجاوز صعوبات تعترض حزب الله اللبناني، الذي لم يعد قادرا على خلق التوازن الحقيقي للقوى مع المعارضة المدعومة من السعودية وقطر وتركيا، خصوصا بعد خسارة نظام الأسد مدينتي إدلب وجسر الشغور إلى جانب سقوط تدمر في أيدي داعش، والآن المواجهة تدور في القلمون والزبداني، والمعركة المقبلة للمقاومة اليمنية في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران.

جعلت إيران تتبع استراتيجية الحرس الثوري إلى خلق جيوب حقيقية لمنظمة الباسيج في دول الجوار، خصوصا في دول الخليج، وإعداد مليشيات غير إيرانية، من أجل أن تحقق هذه الجيوب هدفا استراتيجيا حتى بعد سقوط نظام الأسد من أجل إعادة التموضع خصوصا داخل المشهد الباكستاني، وهي بذلك تزيد من وتيرة الاضطرابات الأمنية وتفاقم التطاحنات الدينية، باعتبار أن باكستان الدولة النووية الحليف السني القوي للسعودية، لتفكيك هذا المحور السني، وهو ما يفسر رفض البرلمان الباكستاني الاشتراك في تحالف عاصفة الحزم، بسبب النفوذ الإيراني في باكستان، حيث أن الشيعة يمثلون 20 في المائة من السكان في باكستان، بحجة الدفاع عن الشيعة ضد الإرهاب السني، كما كانت تود الدفاع عن الشيعة في البحرين عام 2011 عندما أرادت نقل الاضطرابات العربية إلى البحرين ودول الخليج.

تريد إيران إنشاء مليشيات في كافة المنطقة، على غرار حزب الله في لبنان، ومنظمة بدر العراقية التي أنشأتها منذ العام 1982 بقيادة حسن نصر الله وهادي العامري الذي يحمل الجنسية الإيرانية، الذين يحققون الاستراتيجية الإيرانية، التي دخلت بشكل مبكر في نظام الحرب بالوكالة تحمي المجال الحيوي الإيراني.

لذلك فإن مواجهة إيران بحاجة إلى مواجهة إقليمية، وليست فقط إلى مواجهة عربية لحرمان إيران من تثبيت وتمدد المجال الحيوي الإيراني في المنطقة العربية وباكستان وأفغانستان، قد يكون مخططا إيرانيا يخدم المصالح الروسية كذلك وهو ما يفسر استمرار روسيا كحليف قوي في دعم مشروع إيران في سوريا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق