سلطنة عمان تغرد خارج السرب الخليجي أم السرب مجرد سراب؟

أثارت المواقف الأخيرة لسلطنة عمان، الرأي العام الخليجي وتفاعل معها بشدة. كثيرون من انتقدوا سياسة سلطنة عمان وذموها باعتبارها لعبت دورا غامضا بين أمريكا وإيران كي تتوصل هاتان الدولتان إلى اتفاق مشبوه، بدون علم شقيقاتها الدول الخليجية الأخرى وبدون أن تطلعها عما تقوم به. هذا التصرف أثار حفيظة الدول الخليجية وعلامات الاستفهام حول سياسة سلطنة عمان ووجهتها السياسية. ولكن لم تقف المفاجئات عند هذا الحد وإنما التصريح الأخير للوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في عمان” يوسف بن علوي” في المنتدى الإقليمي الذي عقد في المنامة، عن الاتحاد والموقف الرافض له أثار مفاجئة من العيار الثقيل وجعلت الرأي العام الخليجي يتناولها وبتخوف من اتجاه السلطنة إلى جبهة قد تكون معادية لدول الخليج العربي وقد تكون بداية لضعضعة هذا المجلس الذي دام أكثر من ثلاثين عاما دون أن يصل إلى صيغة عملية تتمثل بالاتحاد، وتعبر عن تطلعات الخليجيين جميعا.

لا يمكن اختصار التركيز والاهتمام فقط بالمواقف الأخيرة للسلطنة وإنما يجب إعادة قراءة أحداث ووقائع سابقة، وبطريقة استراتيجية بعيدا عن الانفعالات وردة الفعل. الحقيقة إن سلطنة عمان منذ عقود تغرد خارج السرب الخليجي وترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران. حيث لا يمكن تجاهل الدور الإيراني في قمع ثورة ظفار والقضاء عليها ولا يمكن تجاهل التأثير النفسي الذي خلفه هذا الموقف في نفوس أصحاب القرار في السلطنة. وبكل تأكيد السلطنة والتزاما منها بالأصالة العربية ردت الجميل! لهذا الموقف الإيراني، عندما توسطت لإطلاق سراح ثلاثة أمريكيين كانت السلطات الإيرانية تحتجزهم، وتوسطت مرة أخرى لإطلاق سراح العالم الإيراني مجتبى عطاردي المحتجز في أمريكا، وبعد ذلك قامت بوساطات حول الملف النووي الإيراني لم يعرف محتواها وحيثياتها حتى الآن. إلى أن توّجت العلاقات ورد الجميل، عندما امتنعت عن إرسال قوة عسكرية للحفاظ على البحرين وأمنها بسبب التمرد الطائفي الذي أثارته إيران لإسقاط الحكم العربي فيها. ولم تختصر المواقف المثيرة للجدل عند هذا الحد، وإنما قيام السلطنة بدور غامض للاتفاق النووي المشبوه بين إيران وامريكا وبعد ذلك رفضها المبكر عن تشكيل اتحاد بين الدول الخليجية للدفاع عن أمنها أدلة عينية عن حجم التأثير والنفوذ الإيراني في السلطنة.

لا مبرر للتخوف فقط من المواقف الأخيرة للسلطنة، لأنها منذ فترات طويلة بعيدة كل البعد عن الصف الخليجي ولكن اليوم بسبب استفحال الخطر الإيراني تنبه لها الخليجيون. ولكن هل فقط هذه الدولة الخليجية بعيدة عن الصف الخليجي أم توجد دول أخرى بعيدة ولكن مازال يتجاهلها صناع القرار ولم يهتموا بالتحديات التي قد تثيرها مستقبلا؟

التخوف من السلطنة ومواقفها طبيعي ومشروع، لكن كيفية إزالة ومعالجة ما تثيره هذه الدولة أصبح يصعب يوما بعد يوم. ولا يمكن معالجة هذا التوجه من خلال ردة الفعل والذم والتهجم على السلطنة وشعبها فهذه المواقف تساعد في إبعاد السلطنة أكثر من الوقت الراهن عن الصف الخليجي، وتساعد إيران ومشروعها في المنطقة وتسهّل عليها العبور إلى الضفة الغربية بأقل الخسائر المحتملة. إن التوتر في المنطقة والدور الإيراني المتنامي، وانتشار الفكر الطائفي ونمو الهويات الطائفية على حساب الهويات الوطنية، والتركيبة العقدية للسلطنة كلها تدفع باتجاه إبعاد السلطنة عن الصف الخليجي وتصدع المجلس. لذلك لا يمكن معالجة المخاوف والتحديات الذي تثيرها السلطنة من خلال التركيز فقط على نقاط الاختلاف لأن هذا الأسلوب سيساعد في رمي السلطنة في الحضن الإيراني واختراق الجبهة الخليجية وتفكك المجلس.

المشكلة الحقيقية التي تواجه مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تكمن في الدوافع والأهداف التي تقف وراء تشكيل هذا المجلس والتمسك به. تسعى أغلب دول المجلس للحفاظ على مكانتها القانونية وتكرّس الحدود الإدارية ولا تدفع باتجاه الاتحاد والاندماج لأنها مازالت تفكر بالحكم والسلطة أكثر مما تفكر بالحفاظ على الأرض وطابعها العربي والإسلامي. وفي نفس الوقت يدفعها الخوف من إيران واطماعها التاريخية للتمسك بالصيغة الراهنة للمجلس بدون أن تطورها. إذا كانت السلطنة تغرد خارج السرب الخليجي واليوم سُلط الضوء عليها، فدول خليجية أخرى أيضا تغرد خارج السرب ومنذ فترات بعيدة ولعبت أدوارا لا تقل خطورة عما قامت به السلطنة ومنعت إقامة الاتحاد ووضعت العراقيل أمامه.

ما يجب أن يدركه صناع القرار في الدول الخليجية أن التحدي والخطر الإيراني في الوقت الراهن، ليس هو التحدي والخطر الذي كان له الدور الأساسي في تشكيل المجلس، وإنما هذا الخطر بات يفوقه بالمرات. لذلك من أجل الحافظ على عروبة وإسلامية هذه الأرض ومن أجل درء الخطر الإيراني لا يكفي فقط بالحفاظ على صيغة المجلس كما هو الآن، وإنما يجب اتخاذ خطوات جريئة وتاريخية في سبيل تطوير هذا المجلس والانتقال إلى صيغة تُراعى بها المصالح العليا للأمن والمواطن الخليجي حاضرا ومستقبلا، بعيدا عن المصالح الضيقة.

تكمن المعالجة للتحديات التي تواجهها الدول الخليجية، في الاتحاد والاندماج بعيدا عن الصيغ الشكلية التي لا تحافظ على الهوية ولا تعبر عن طموحات ومستقبل الشعب الخليجي. وإذا كانت السلطنة لا ترغب في الاتحاد فإنها لا تمانعه، إذن لماذا الدول الخليجية الأخرى لا تقيم الاتحاد بدون السلطنة ولماذا لا تطور علاقاتها الثنائية بدون ربط مصيرها السياسي بقرارات المجلس، أم إن بعض الدول استخدمت السلطنة شماعة لإفشال الاتحاد المنشود؟

الاتحاد بين الدول الخليجية يحل المعضلة البحرينية ويقضي عليها، ويحافظ على الهوية العربية الإسلامية للإمارات التي تكتظ بالجاليات الأجنبية، ويحافظ الاتحاد على الكويت التي باتت تسير في منحى خطيرا على المدى الاستراتيجي. وقطر ليست بعيدة عن هذه التحولات وإنها لا يمكن أن تحافظ على أمنها ووجودها في ظل تنامي الدور الإيراني وتمدده في العراق والفكر الطائفي الذي يعج بالمنطقة، إلا من خلال الاتحاد مع شقيقاتها.

إذن لماذا هذا التمسك بالحكم والسلطة دون أخذ المتغيرات الاستراتيجية بعين الاعتبار ودون الاهتمام بالأجيال الآتية التي قد تسبب لهم السياسات الراهنة ويلات لا ذنب لهم فيها.

إبراهيم مهدي الفاخر

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق