خليفة خامنئي المرتقب ودور الحرس الثوري

إنّ الحديث عن خليفة المرشد الأعلى “علي خامنه­اي” طرح وللمرة الأولى بعد عملية التزوير التي شابت الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009، وذلك عندما اتّهم مهدي كروبي الحرس الثوري بسرقة أصوات الناخبين من خلال الرسالة التي وجهها لمجلس صيانة الدستور،

والتي ادعى فيها مهدي كروبي أن نجل المرشد مجتبى خامنه­اي، وقادة من الحرس الثوري هم من زورا نتيجة الانتخابات لصالح مرشح الحرس الثوري أحمدي نجاد. وبعد انتشار هذه الرسالة خرج الآلاف من الناخبين في العاصمة طهران مطالبين السطات باسترجاع أصواتهم لطالما يعتقدون أنها سرقت من قبل الحرس الثوري، وبأوامر من بيت المرشد علي خامنه­اي، ولا سيما الدور البارز لنجل المرشد في عملية التزوير. وعلى إثر هذه الاحتجاجات رفع المحتجين على نتيجة الانتخابات شعار، “مجتبى بميرى… رهبرى را نبينى” ويعني باللغة العربية، “مجتبى تموت.. ولن ترى منصب المرشد”. هذا الحدث وهو الأول من نوعه في تلك الأيام فتح الباب على مصراعيه للمعارضة الإيرانية، وخاصة المعارضة التي عرفت بـ “الحركة الخضراء” أن تتناول خليفة المرشد، والتكهن بالشخص الذي من الممكن أن يأتي خلفاً للمرشد الحالي للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا المنصب (المرشد الأعلى – الولي الفقيه) يخضع لعدة اعتبارات سياسية مذهبية قومية فارسية بامتياز، وذلك على المستوى الداخلي والخارجي، كما أن الصلاحيات التي يتمتع فيها المرشد في طهران أكثر بكثير من الصلاحيات التي يتمتع فيها الملوك والسلاطين ورؤساء الدول في كافة أنحاء المعمورة.

الدستور الإيراني، ومكانة المرشد في الدولة:

أعطى الدستور الإيراني أهمية بالغة لمنصب ولي الفقيه، وحدد عدة مواد من الدستور للتعريف عن هذا المنصب السياسي والروحي للدولة الإسلامية في إيران التي تأسست بعد الإطاحة بالنظام الملكي الشاهنشاهي في عام 1979 من القرن المنصرم. ومن هذه المواد التي حددت صلاحيات واختيارات الولي الفقيه منها: المادة، 5 و 57 و91 و 107 و108 و109 و110 وغيرها من المواد الدستورية الأخرى. وللوقوف أكثر على حيثيات هذا المنصب في هيكلية الدولة والنظام الإسلامي في طهران يجب أن نتعرف في بادئ الأمر على بعض هذه المواد الدستورية والتي تتناول الولي الفقيه (رهبر) وقدراته المطلقة في المجتمع والدولة الفارسية (إيران):

المادة 5: في هذه المادة يعتبر الدستور الإيراني، “إن ولاية الفقيه الخيار الافضل للحكم الإسلامي”، وجاءت هذه المادة على النحو التالي:

“في زمن الغيبة للمهدي المنتظر، في جمهورية إيران الإسلامية الوصاية والإمامة من الأمة بعهدة الفقيه العادل والتقي، والمطلع على أمور زمانه، والشجاع القادر على إدارة أمور الأمة”.

المادة 91: يتيح الدستور في هذه المادة على أن الولي الفقيه هو من يختار ستة أعضاء من مجلس صيانة الدستور (مجلس خبراء القيادة الإيرانية)، علماً أن مجلس صيانة الدستور(شوراى نگهبان)، هو أعلى هيئة تحكيم في إيران، ويتكون من اثني عشر عضواً، ستة منهم فقهاء دينيون يعينهم المرشد الأعلى، أما الستة الباقون فيكونون من الحقوقيين، ويتم تعينهم من قبل مجلس الشورى (البرلمان) بتوصية من رئيس السلطة القضائية الذي يتم تعينه من قبل المرشد الأعلى، أي بمعنى أن الأعضاء الاثني عشر لمجلس خبراء القيادة يختارهم المرشد (الولي الفقيه)، وفي النتيجة هم الذين من يختارون المرشد!

المادة 107: حدد الدستور الإيراني أن مهمة تعيين المرشد من قبل الخبراء الذين ينتخبون من قبل الشعب (راجع المادة 91)! حيث نصت هذه المادة على الشكل التالي: “بعد المرجع والقائد الكبير للثورة الإسلامية العالمية، ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية سماحة آية الله الإمام الخميني الذي اعترفت الأكثرية الساحقة بمرجعيته وقيادته، توكل مهمة تعيين القائد إلى الخبراء المنتخبين من قبل الشعب”.

وعلى ضوء هذه المادة يتشاور الخبراء بشأن كافة الفقهاء الجامعين للشرائط المذكورة في المادتين الـ 5 و 109 من الدستور، لذا، “في حال شخصوا هؤلاء الخبراء فرداً منهم باعتباره الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية، وكذلك المسائل السياسية والاجتماعية، ولاسيما حيازته تأييد الرأي العام سوف ينتخبوه للقيادة، وإلا سوف ينتخبون أحدهم ويعلنونه قائداً، كما حصل في الأيام الماضية عندما تعذر على رئيس مجلس القيادة استمراره في رئاسة المجلس بسبب الأزمة القلبية التي لحقت به (آية الله مهدوي كني) والراقد حاليا في أحد مشافي العاصمة طهران، وعلى إثر هذا الحادث تم تعين العضو في المجلس سيد محمود هاشمي شاهرودي كرئيس مؤقت للمجلس.

المادة 109: جاءت في هذه المادة الشروط اللازم توفرها في المرشد الأعلى، وكذلك صفاته كونه يترأس أعلى سلطة في الدولة وهي:

1-  الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه.

2-  العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة الإسلامية.

3-  الرؤية السياسية الصحيحة والكفاءة الاجتماعية والتدبير والشجاعة والقدرة الكافية لقيادة الأمة.

المادة 110: حددت هذه المادة من الدستور الإيراني الوظائف والصلاحيات التي يتمتع بها المرشد الأعلى، وهي كثيرة تشمل كافة النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1-  تعيين السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.

2-  الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام.

3-  إصدار الأمر بالاستفتاء العام.

4-  القيادة العامة للقوات المسلحة.

5-  إعلان الحرب والسلام والنفير العام.

6-  نصب وعزل وقبول استقالة كل من:

أ‌-     فقهاء مجلس صيانة الدستور.

ب‌-أعلى مسؤول في السلطة القضائية.

ت‌- رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران الإسلامية.

ث‌-رئيس أركان القيادة المشتركة.

ج‌-  القائد العام لقوات الحرس الثوري.

ح‌-  القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي.

ومن خلال هذه الوظائف والصلاحيات التي أعطاها الدستور الإيراني للمرشد الأعلى مكنته من الإمساك بكافة النواحي للمجتمع والدولة، ومن الممكن أن نجملها في المادة رقم 57 من الدستور الإيراني حيث تنص على التالي:

“السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية هي: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، وتمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأمة”.

وهذه المادة تعتبر من أهم المواد الدستورية التي تتحدث عن المرشد الأعلى في إيران، بحيث دخلت مفردة “ولايت مطلقه فقيه” الدستور الإيراني، والتي تعني باللغة العربية “ولي الأمر المطلق”، قبيل وفاة الخميني في منتصف عام 1989، وكانت الغاية من هذا المفردة هي أن يتحكم المرشد الأعلى في إدارة المجتمع والدولة كلياً، ولاسيما هذه الإضافة في الدستور أعطت للمرشد الأعلى (رهبر) مكانة خاصة لا يمكن لأي جهة أن تتطاول عليه أو تنتقده، كما إنها جعلت من المرشد الأعلى شخصية روحي للمذهب الشيعي في إيران وخارجها.

خليفة خامنه­اي المحتمل ودور الحرس الثوري:

فالعلاقة بين المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية (المؤسسة الدينية) ومؤسسة الحرس الثوري علاقة متينة ومبنية على استراتيجية ذات أهداف معينة ومحددة، تسعى المؤسسة الدينية أن تنفذ هذه الاستراتيجية عبر “فيلق القدس” الجناح الخارجي للحرس الثوري، في العالم العربي، رغبة منها في أن تتمكن يوماً ما أن تحكم إيران الشيعية العالم الإسلامي.

إن اتساع رقعة نفوذ الحرس الثوري في السياسة الداخلية والخارجية لإيران، أعطته المشروعية شبه التامة لصناعة القرار السياسي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى درجة أن يصرح “علي سعيدي” ممثل المرشد في الحرس الثوري قبيل الانتخابات الرئاسية الماضية التي فاز فيها حسن روحاني، قائلاً: “إن هندسة الانتخابات بشكل منطقي ومعقول من قبل الحرس الثوري وظيفة جوهرية”، كما إن هذا المنطق للقادة في الحرس الثوري ومؤسستهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية العملاقة ينطبق كلياً على اختيار الخليفة المحتمل للمرشد الحالي على خامنه­اي.

وفي هذا الخصوص لا شك أن الشخصية التي تعتلي سدة ولاية الفقيه-المرشد الأعلى سوف تخضع لعدة اعتبارات سياسية قومية دينية، وذلك لأهميتها في شكل النظام الحاكم في طهران، ومن هذه الاعتبارات يجب أن يكون خليفة المرشد، اولاً: إيراني الأصل والنسب، ثانياً: من “السادات” هاشمي النسب أي من بيت الرسول محمد، ثالثاً: مؤمناً بنظرية ولاية الفقيه، هذا من جانب، ومن جانب أخر، وهو في غاية من الأهمية استمرارية النظام الشيعي الحالي وعاصمته طهران. وفي ظل هذه الاعتبارات من الصعب جداً التنبؤ بالشخص المفترض أن يحل محل المرشد الحالي “علي خامنه­اي” في حال اعتذر الأخير بسبب ما عن إكمال المهمة المناطة به،

لكن هنالك شخصيات دينية مهمة تداولها الإعلام المعارض فقط، والذي ينشط من خارج حدود إيران، ومن هذه الشخصيات الدينية: نجل المرشد مجتبى خامنه­اي، أكبر هاشمي رفسنجاني، سيد محمود شاهرودي، حفيد الخميني حسن خميني وغيرهم من الفقهاء والشخصيات الأخرى.

وعلى ضوء ما تقدم، وما نص عليه الدستور في ظل غياب خليفة للمرشد الأعلى، من الممكن الإشارة إلى شخصيتين وهم من “السادات” أي بيت الرسول محمد، قد يعتليا هذا المنصب، وذلك في حال استمر النظام الحالي في طهران الذي صبت الأحدث الجارية في المنطقة الشرق الأوسط ومنذ عقدين من الزمن لصالحه، وهما:

اولاً: سيد محمود هاشمي شاهرودي، وتأتي أهمية هذا الشخص كونه من الفقهاء في مجلس خبراء القيادة ورئيساً له وذلك على إثر الأزمة القلبية التي لحقت مؤخراً برئيس مجلس الخبراء مهدوي كني، وعضواً في مجمع المدرسين لحوزة قم، وعضواً في مجلس تشخيص مصلحة النظام، كما يعنه المرشد علي خامنه­اي رئيساً لأهم المؤسسات الشيعية ألا وهي، “دائرة المعارف لمذهب أهل البيت”، ولاسيما حين كان رئيساً للقضاء الإيراني لعشرة أعوام، ورئيساً حالياً للجنة العليا لحل الخلاف بين السلطات الثلاث. وبالإضافة للمناصب سابقة الذكر، يعتبر سيد محمود شاهرودي من أكثر الفقهاء الإيرانيين علماً ومعرفة في أصول الدين والدنيا، كما أنه من “المراجع العظام” حسب مفهوم الفكر الشيعي، ولاسيما أن شاهرودي كان أستاذاً للمرشد علي خامنه­أي، كما أنه ولد في مدينة النجف العراقية مما لهذا الأمر أثر في أبعاد انتخابه كـ “ولي لأمر المسلمين”.

ثانياً: سيد حسن خميني، تأتي أهمية هذا الشخص كونه حفيد روح الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث إن حظوظه في تولي منصب المرشد الأعلى كبيرة جداً، ويعتبر سيد حسن خميني من المدرسين الكبار في حوزة قم العلمية، كما لديه علاقة جيدة مع كافة المراجع الشيعية في إيران وخارجها. ولسيد حسن خميني مكانة اجتماعية وسياسية أفضل بكثير عن الشخصيات الدينية التي تم تداولها لخليفة المرشد الحالي سيد علي خامنه­اي، فهو يعتبر رجل دين معتدل وسياسي محسوب على التيار الإصلاحي في إيران، ومقرب من هاشمي رفسنجاني، كما في حال قرر مجلس القيادة (مجلس خبرگان) انتخاب سيد حسن خميني خليفة للمرشد الحالي قد يضمن مجلس الخبراء استمرارية نظام ولي الفقيه لفترة اطول كون سيد حسن خميني في الأربعينيات من العمر.

 جمال عبيدي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق