خطر الأخطبوط الإيراني

بعد الثورة الخمينية في إيران وتغيير نظام الحكم فيها، تغيرت الكثير من مظاهر هذه الدولة وأسسها، أهمها بنية نظام الحكم فيها والخطاب السياسي الموجه للخارج. لكن هذه الموجة “التغييراتية” لم تطل استراتيجية الدولة ومشروعها في المنطقة. انتقلت شكليا هذه الدولة من موقع العمالة والتعاون مع أمريكا والغرب ضد العرب والمسلمين إلى موقع “العداء” مع الغرب وأمريكا، رافعة “راية المقاومة ودعم المستضعفين”. ساعد هذا الانتقال الشكلي في الموقع الإيراني لتتمدد في محيطها وتتوسع فيه على حساب العرب والمسلمين.

رغم الانتكاسة التي واجهت إيران واستراتيجيتها المغلفة بالخطاب الإسلاموي في البداية على الصعيد الرسمي عندما اصطدمت مع العراق وباقي الدول العربية وخاضت حربا دموية بحجة دعم المستضعفين وتصدير الثورة الإسلامية إلى بلدان إسلامية خرجت منها الدعوة الإسلامية قبل دخولها لبلاد فارس، نجحت شيئا فشيئا في كسب الجماهير العربية والإسلامية وتعبئتها شكليا ضد أمريكا ومشاريعها في المنطقة. تمددت إيران في الوطن العربي وتوسعت بفضل هذه الاستراتيجية التي تتخذ من خطاب الإسلام الثوري والشعارات المعادية لإسرائيل وأمريكا والغرب قاطبة، غطاء لتنفيذ مشروعها.

لم يمنع العداء الوهمي والمفتعل مع الغرب وإسرائيل، والعداء الحقيقي مع المسلمين والعرب، من خوض حلفاء وأتباع إيران حروبا تكتيكية ضد المصالح الغربية في المنطقة، ظاهرها لصالح العرب وباطنها تحقيقا لأهداف استراتيجية إيرانية. استمرت إيران في سياستها بسبب غياب المشروع العربي إلى أن فرضت نفسها كـ لاعب متمرس ومراوغ في الساحات العربية يجب التعامل والتفاوض معه حتى حول الملفات العربية الداخلية.

لم يُعد الخطر الإيراني خافيا ً على الشعوب والأمم إلا على المرتبطين به عقائديا. هذا الخطر في الحقبة الراهنة تعدى بمراتب عديدة، الخطر الإيراني أبان الحقبة البهلوية. إذا كانت إيران البهلوية تُعرف بشرطي الخليج وتحرس مصالح أمريكا والغرب في المنطقة وتؤدي دور المكانيزم الأمريكي. أصبحت اليوم إضافة لحراستها على المصالح الغربية في المنطقة، تشارك هذه الدول في التخطيط والتنفيذ لأغلب المشاريع الخبيثة على حساب العرب والمسلمين وبغطاء إسلامي ومذهبي.

وظفت إيران عدائها الظاهري لأمريكا وإسرائيل وشعارتها “العدوانية” تجاههم، لاختراق المجتمعات العربية ونفذت إلى عقول شعوبها ولامست ضمائرها. حرضت هذه الشعوب بحجة “المقاومة والممانعة” ضد دولها وحكوماتها. ليس عداءلإسرائيل وأمريكا وإنما عداء للعرب والمسلمين. أصبحت الكثير من شرائح المجتمعات العربية ترتبط سياسيا وفكريا بإيران الثورة، بعد ما كان ارتباطها يختصر على العقيدة فقط وربطت مصيرها ووجودها بإيران الثورة. هذا ما جنته إيران في الوطن العربي وما خسره العرب داخل مجتمعاتهم.

أما في الساحة الدولية والإقليمية أزداد الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل وسياساتها في فلسطين وخارجها، نتيجة “للتهديد” الإيراني لإسرائيل وتوعدها بمحوها من الخارطة العالمية وابادة شعبها! ومرة ثانية أصبح العرب ضحية لهذه السياسة الإيرانية، وربحت إسرائيل بفضل هذه السياسية وكسبت ما لم تستطع كسبه سابقا.

لا يختصر الخطر الإيراني على العرب فقط، بالدعم الإيراني –العسكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي -لتوابعها في الدول العربية، وخطابها التحريضي ضد أنظمة الحكم العربية ورفعها زورا لراية المقاومة والممانعة ونشرها للفكر الطائفي في البلدان العربية وفتحها جبهة ثانية ضد العرب بموازاة الجبهة العربية-الإسرائيلية. وإنما النتائج غير المباشرة لهذه الأعمال العدوانية لا تقل خطورة عنها بل تتخطاها في كثير من الأحيان من حيث الشدة والتأثير.

نتيجة لسياسات إيران الطائفية في المجتمعات العربية أتت ردة فعل عربية، بهيئة طائفية مضادة للطائفية الإيرانية وكانت على حساب الهوية الوطنية والإسلامية. على إثر هذه ردة الفعل تقوقعت الهويات (الوطنية والإسلامية) وتضعضعت مقابل الهويات الطائفية الفرعية الأخرى وقسّمت المجتمعات عموديا. ونتيجة لفتح إيران جبهة معادية ضد العرب في العراق والجزيرة العربية وبلاد الشام، تجزأ الرأي العام العربي وقواه الفاعلة بين جبهتين – الجبهة الإسرائيلية والجبهة الإيرانية -بدل أن يكون مرابط فقط على الجبهة الإسرائيلية. ونتيجة لاختراق إيران للقاعدة وتوجيهها في كثير من الأحيان ونشرها للفكر الطائفي، شُتتت المقاومات العربية في العراق وسوريا وأنهكت فعليا. ونتيجة لشعاراتها وخطابها “المعادي” لإسرائيل والغرب ألّبت الرأي العام العربي ضد أنظمة الحكم وحرضت الشعوب ضد الحكام. ومنحت الدول الغربية الغطاء السياسي والمشروعية لدعم إسرائيل على حساب العرب والفلسطينيين.

إن الدور الخبيث الذي تلعبه إيران في المنطقة لا يقل خطرا عن الدور الذي يلعبه الغرب في المنطقة وقد يكون في كثير من الأحيان أكثر خطورة منه، بسبب ارتداء إيران لباس الإسلام وتمظهرها به. لا يمكن اتقاء الشر الإيراني بحكم جوارها للعرب والمسلمين وتنوع أدواتها وإمكانية تلونها. ولا يمكن اتقاء الشر الإيراني فقط بالتنديد والإدانة وانما المشروع المضاد واستخدام الوسائل المستخدمة إيرانيا وفي داخل “أراضيها” قد يجنّب العرب الكثير من الخسائر والتضحيات التي فرضت عليهم.

بقلم: إبراهيم مهدي الفاخر

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق