حول الأداء السياسي لحزب «الدعوة» بفرعيه «العراقي والبحريني»

يبدو أن «جمعية الوفاق» الفرع البحريني لحزب الدعوة العراقي مصرّة على السير في الاتجاه الانفرادي ذاته، وعدم التعلم من أخطاء الفرع الأصلي، فلم تتعظ بتبعات سياسة الاستحواذ والعمل المنفرد وسط مجتمع متعدد الإثنيات والمذاهب والأديان، وهو أحد أخطاء الفرع الأصلي، لم تتعلم أن ذلك نهج يحملك المسؤولية وحدك في حال الفشل، في حين أن المشاركة في المسؤولية هي مشاركة في تحمل نتائجها أيضا.
فحين أعلن العاهل البحريني 22 نوفمبر (تشرين الثاني) موعدا للانتخابات النيابية والبلدية، رفض الحزب هذه الدعوة، وأعلنوا عن مقاطعتهم لها، وأعلن عيسى قاسم ممثل خامنئي في البحرين والأب الروحي لحزب الدعوة البحريني وأحد مؤسسيه، أن هذه الانتخابات بمثابة «إبادة لشعب البحرين»! رافضا توزيع الدوائر، رغم أنها حققت ما كانت تشتكي منه «الوفاق»، وهو التوزيع العادل في الدوائر الانتخابية، مصرا على توزيعها حسب مناطق النفوذ، مما يعني، حين ترجمة هذه التخريجة السياسية، أن يستحوذ هذا الحزب على مفاصل الدولة، تماما كما فعل الفرع الأصلي في العراق.
وليت تجربة الفرع الأصلي كانت مشجعة، لكان تبرير المطابقة بين الفرع والأصل مشروعا، فرغم أن ما توفر لحزب الدعوة الإسلامي العراقي يُعد فرصة تاريخية لن تتكرر، حين وصل إلى سدة الحكم، بعد أن أسهم في سقوط نظام صدام حسين، ورغم ما أُتيح له من انفراد تام بالسلطة بعد أن حصل على مباركة المرجعيات الدينية، فاستحواذ على التنفيذية والتشريعية والقضائية، حتى حذرت «القائمة العراقية» من احتمال انهيار العملية السياسية في العراق، بسبب «استحواذ طرف واحد على السلطة»، في إشارة إلى استحواذ كتلة «ائتلاف دولة القانون»، التي يتزعمها نوري المالكي والجناح السياسي لحزب الدعوة، إلا أنه بعد أكثر من 10 سنوات من الانفراد بالحكم فشل فشلا ذريعا على كل الأصعدة الأمنية والاقتصادية والسياسية، ويتحمل الآن وحده مسؤولية هذا الفشل دون غيره من الأحزاب والقوى السياسية؛ فعلى صعيد مستوى المعيشة، كشف تقرير أعده الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات بوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية، أن خط الفقر، وملامحه في العراق، ارتفع، واقتربت نسبته من ربع الشعب العراقي، فما نسبته 23 في المائة من سكان العراق يقعون في دائرة الفقر، بحسب الأرقام العراقية الرسمية، وهذه النسبة تزداد في الريف العراقي أكثر مما هي عليه في المدن، مع العلم بأن الميزانية العراقية هي الأكبر في تاريخ العراق، إذ بلغت 160 مليار دولار!
أما على صعيد الأمن والاستقرار، فقد أحصت منظمة «أيراك بادي كاونت» البريطانية في تقرير أصدرته أواخر عام 2013 أن بين 112 ألفا و122 ألف مدني قُتلوا خلال أعمال العنف المتواصلة في العراق، فيما بلغ مجموع من قُتلوا، ومن ضمنهم المقاتلون والعسكريون، نحو 170 ألف شخص. رغم أن للجيش والمؤسسات الأمنية الميزانية الأكبر في تاريخ العراق، بل وتاريخ المنطقة ككل، بل تزيد موازنته عن موازنة الجيش الأميركي بمرة وربع، حيث تبلغ 14 مليار دولار، مع العلم بأن موازنة الجيش الأميركي الذي دربه لنفس العام تبلغ 6.52 مليار دولار، والمفارقة أن هذا المبلغ يعادل ميزانية العراق لعام 2003. ورغم هذا تعتمد الحكومة العراقية على الميليشيات الشعبية الشيعية التي يقودها رجال دين لفرض الأمن في المدن والأحياء في العراق، ومثلما فشلت الأجهزة الأمنية في مهامها، فشل الجيش في الحفاظ على وحدة التراب العراقي، وسقط ثلثا الدولة في يد تنظيم مسلح لا يزيد عدد أفراده عن 30 ألفا، على أفضل تقدير.
جميع تلك الأدلة الدامغة على فشل هذا الحزب في إدارة شؤون الدولة، وفشل سياسة الاستحواذ، وفشل نهج حرق المراحل عند الفرع الأصلي بوصفه نهجا سياسيا، لم تثنِ الفرع البحريني عن مراجعة نهجه المطابق، بل إنه مصرّ على السير على النهج الاستحواذي ذاته في كل مسارات حراكه التاريخية، رافضا شراكة حتى الأحزاب الشيعية الأخرى معه؛ فما بالك بالأحزاب السنية؟! غير معترف بشركائه في الوطن منذ تأسس إلى هذه اللحظة في كل مراحل الحراك السياسي في البحرين.
فقد أرّخ منصور الجمري رئيس تحرير جريدة «الوسط» لمراحل تأسيس الفرع البحريني، في صحيفة «الوسط» البحرينية، العدد 1043، الجمعة 15 يوليو (تموز) 2005م، الموافق 8 جمادى الآخرة، وأكد فيها أن «تشكيل هيئة قيادية للحزب تم في عام 1968، عندما انتظم عدد من الجامعيين الدارسين في بغداد بحزب الدعوة، وعادوا إلى البحرين ليضموا يدهم إلى يد الشيخ سليمان المدني، ويشرعوا في تأسيس أول نواة لفرع حزب الدعوة الإسلامية في البحرين، وذلك في عام 1968، الذي انطلق بصورة سرية تامة، وضم إلى صفوفه عددا غير قليل من مثقفي الشيعة (ما زالوا موجودين، وذكر أسمائهم ربما لا يرضيهم). وبعد وفاة عبد الله المدني مباشرة، توجهت كوادر الحزب نحو زعامة الشيخ عيسى أحمد قاسم، واستمر الوضع حتى انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1970 في البحرين، فأصبح الارتباط مع التنظيم عبر إيران».
ويواصل «الجمري»، أحد أعضاء حركة أحرار البحرين التي تأسست في لندن، بعد أن نُفيت قيادات الحزب من البحرين إثر كشف محاولة الانقلاب في الـثمانينات، سرد المراحل التي مر بها هذا الحزب إلى الحقبة التي ظهر فيها على السطح وتخلى عن العمل السري، فيقول: «ومع مطلع عام 2001، تغيرت الظروف كثيرا، وطرح عاهل البلاد مشروع (ميثاق العمل الوطني) وصوّت الشعب بغالبية ساحقة على المشروع، وأفرج عن المعتقلين وعاد المنفيون والمهاجرون إلى البلاد، وتم تأسيس جمعيات أهلية تمثل الاتجاهات المختلفة، وانتظم جمهور الشارع الذي كانت تنشط من خلاله الحركة في جمعية الوفاق الوطني الإسلامية».. انتهى الاقتباس.
حصل هذا الحزب في السنوات الـ10 الأخيرة على مكتسبات لا يمكنه إنكارها، تمثلت في 18 مقعدا برلمانيا، من أصل 40، ومنصب نائب أول لرئيس مجلس النواب، ورئاسة أكثر من لجنة برلمانية، كما وُزر عدد من كوادره، كوزير العمل ووزير الشؤون الخارجية، إضافة لمكتسباته خارج السلطة التشريعية والتنفيذية، تمثلت في حزب سياسي يعمل بمقره، وبموازنة مدفوعة من ميزانية الدولة، واستحوذ على معظم النقابات العمالية وصحيفة يرأس تحريرها أحد كوادره، إنما ذلك لم يكن كافيا بالنسبة لمن يسعى للاستحواذ، وهكذا يتطابق نهج الانفراد بين الأصل والفرع، حين أتيح للفرع البحريني أن يصنع إطارا يضم فيه كل أطياف المجتمع البحريني في العمل السياسي، كما أتيحت للحزب الأصل في العراق أن يستقطب بقية أطياف المجتمع العراقي تحت مظلة وطنية شاملة ببرنامج وطني تتحمل معه بقية الأطراف مسؤولية الفشل، مثلما تتمتع معه بمكاسب النجاح. لكنهما رفضا الشراكة في جميع مراحلهما التأسيسية وما تلاها.
ثم يأبى إلا أن يطابق الفرع البحريني أصله العراقي «بالملي» فيستعين في كل مراحله بقوى أجنبية، كالولايات المتحدة الأميركية، من خلال أفنديته أو النسخة البحرينية من «الجلبي» العراقي (بالمرزوق والأسود ومطر مطر) الذين قاموا بالدور نفسه في التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، للضغط من أجل فرض رؤية دستورية تتبناها «الوفاق» تكرر بها «دستور بريمر» بنسخته البحرينية، ولهذا يلفت النظر الصمت الأميركي، وعدم إعرابها عن موقفها تجاه الانتخابات البحرينية، رغم أنها لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتدخلت بها.
لم يقف الفرع البحريني لحظة تأمل تجنّبه الوقوع في الفخ الذي وقع فيه فرعه الأصلي، الذي دفع ثمن تسرعه وجشعه للسلطة غاليا، فاحترق قبل أن يحرق هذا الفرع المراحل الزمنية، وتحول العراق في عهده إلى بلد بلا سيادة، حتى أجبر المجتمع الدولي هذا الحزب على إقالة رئيس وزرائه، بعد أن تسبب بكارثة عالمية هددت الأمن الدولي، وهاجر أبناؤه منه بأعداد تضاعفت في عهده عن عددهم في عهد خصمه.

سوسن الشاعر

نقلا عن الشرق الأوسط

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق