“حماس” ومسلسل الغباء السياسي المستمر

تعتبر حركة «حماس» الفلسطينية أول مركز إخواني يتم افتتاحه في القدس عام 1945 على يد سعيد رمضان السكرتير الشخصي لمؤسس جماعة «الإخوان» الإرهابية حسن البنا وصهره أيضاً، علماً بأن اسم «حماس» لم يتم اعتماده لمقر «الإخوان» الفلسطيني إلا في ثمانينات القرن الماضي، لكن لـ«حماس» قصة طويلة ومستمرة مع الغباء السياسي.

قصة «حماس» مع الغباء السياسي ما زالت فصولها مستمرة إلى اليوم منذ تأسيس الحركة، وهو ما يدل على أن الحركة لا تتعلم من أخطائها، ولا تجري مراجعات نقدية لمسيرتها السياسية، وهو أمر قد يعود إلى الخط الفكري الذي ينتهجه قادة الحركة، باعتبارها حركة سياسية ذات مرجعية دينية.

من المعروف أن مرجعية الحركة هي جماعة «الإخوان المسلمين»، وكتابات سيد قطب ومصطفى السباعي وغيرهما من كتاب الجيل الأول للجماعة، ثم مكاتب الإرشاد المتعاقبة للجماعة، لكن من الذي قال إن جماعة «الإخوان المسلمين» كان لها خط فكري واضح يستند إلى نظرية سياسية متكاملة. لهذا السبب، فإن الطابع الحركي الانتهازي الذي لا يستند إلى فكر واضح هو الذي طبع الجماعات والأحزاب السياسية التي تولدت من جماعة «الإخوان المسلمين»، وهذا ما يوقعها دائماً في مزالق سياسية خطيرة وتناقضات لا حدود لها، انعكست في الإخفاقات المتعددة للجماعة في أكثر من مكان.

هذه الحقيقة انعكست في ممارسات «حماس» السياسية بعد أن توهمت أن مجرد تبنيها لفكرة المقاومة المسلحة ضد إسرائيل سيعطيها حصانة ضد النقد، ويتيح لها مالا يتاح للآخرين، وقد تكون فكرة المرجعية الدينية وفكرة مقاومة الاحتلال شكلتا للحركة حاجزاً فكرياً أمام أي محاولة للمراجعة والعودة عن السياسات الخاطئة، مع أن «حماس» ليست أول من شق طريق المقاومة المسلحة في فلسطين، وليست حركة المقاومة الإسلامية الوحيدة على الساحة الفلسطينية، فهناك حركة «الجهاد» التي لا تنتمي للإخوان المتأسلمين.

لقد أدى تراكم أخطاء «حماس» إلى دخولها في منعطفات خطيرة بسبب سياساتها وممارساتها التي كثيراً ما اتسمت بالغباء السياسي، لكن الأغرب من كل هذا هو تكرار هذه الأخطاء من حركة سياسية يفترض أنها ذات مستوى فكري يدرك مصالح الحركة على الأقل!

لقد عكست ممارسات «حماس» ومواقفها السياسية منذ عقود تخبطاً فكرياً ومراهقة سياسية متواصلة، أدخلتها في منعطفات ومشاكل لا ناقة لها فيها ولا جمل، وهو ما جعلها تدفع أثماناً باهظة في مرات عديدة لا لسبب إلا لارتباطها بجماعة الإخوان المتأسلمين، وعدم استقرائها معطيات الواقع الفلسطيني.

آخر مظاهر هذا الغباء، تجلّى خلال أحداث الحرب الأخيرة على غزة في انخراطها في المحور التركي القطري الذي سعى من خلال صواريخ «حماس» التي أطلقتها على إسرائيل إلى تلميع صورة «الإخوان» وإعادة تأهيلهم وتسويقهم، بعد الضربات القاصمة التي تلقوها وافتضاح أمرهم لدى شعوب المنطقة، وهو ما انعكس سلباً على معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بعد أن تسببت تجاذبات المحاور التي أدخلت «حماس» قضية الشعب الفلسطيني فيها بإطالة أمد العدوان على القطاع، وتكبد المدنيون الفلسطينيون آلاف الضحايا والمصابين.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن فوزي برهوم الناطق باسم الحركة كثيراً ما كان يثني على الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، القابع وراء القضبان، ويدعو له بالحفظ، وهو ما ينم عن غباء سياسي واضح، على ضوء حاجة «حماس» الماسة إلى مصر، خاصة في ظل ظروف العدوان والحصار وكراهية القيادة والشعب المصري لـ«الإخوان» ولكل من يساندهم أو يتعاطف معهم، فكان على برهوم أن يحترم مشاعر جيرانه المصريين على الأقل.

وأي فلسطيني لا يمكنه أن ينسى مهانة إسماعيل هنية وذله أمام المدعو يوسف القرضاوي عندما زار قبل أكثر من عام غزة، في إطار مشروع سياسي قطري في حينه، وكيف كان رئيس حكومة «حماس» يقبّل يدي شيخ الضلالة والفتنة، وهو ما لم تقبله كرامة الشعب الفلسطيني الذي خرج في مظاهرات واسعة في الضفة الغربية ضد زيارة القرضاوي، فماذا كسبت «حماس» من مثل هذه المواقف المخزية؟

موقف مخز آخر لـ«حماس» أثناء العدوان الأخير على غزة، حيث كانت فضائية الأقصى التابعة للحركة تدافع عن «داعش» وما أسمته ثورة العشائر في العراق، وكل ذلك إكراماً لعيون «الجزيرة» وقطر، وتتناسى «حماس» بذلك أن «داعش» قتلت من المسلمين الأبرياء في كل من سوريا والعراق أضعاف ما قتلته إسرائيل من الفلسطينيين! ومن مواقف «حماس» التي تعكس قمة الغباء السياسي، موقفها المناهض لثورة الثلاثين من يونيو في مصر، ومناصبة النظام الجديد الذي جاء إلى الحكم في مصر بإرادة شعبية العداء، ولا داعي للحديث عن اتهامات بتورط «حماس» في أحداث الإرهاب التي شهدتها مصر بعد ذلك، لكن تكفي تلك المسيرة المسلحة الشهيرة في غزة عقب فض اعتصام رابعة في القاهرة التي كان أعضاء «حماس» يرفعون فيها إشارة رابعة الشهيرة، وكذلك التجمع الحاشد للحركة في غزة الذي حضره خالد مشعل، بعد أن سمحت له إسرائيل بالدخول وهو محاط بعلم الانتداب الفرنسي في سوريا الذي اتخذت منه المعارضة السورية علماً لها! فما هي مصلحة «حماس» في الانخراط في الصراعات السياسية الداخلية في بعض الدول العربية؟

ومن مواقف الحركة المخزية التي تنم عن قصر النظر، أنها عقدت مجلس عزاء في عدد من المدن الفلسطينية للإرهابي أبو مصعب الزرقاوي عندما هلك في العراق، بعد أن كان يقتل الأبرياء من شعب العراق ويترك المحتلين الأميركيين في ذلك الحين، فأي شهيد هذا الذي تتحدث عنه «حماس» التي باتت حركة تتلقى العزاء في مصارع الإرهابيين؟ ويذكر أن «حماس» سبق لها أن كررت الخطأ نفسه عندما فتحت مجالس عزاء في بعض المدن الفلسطينية بعد إعدام صدام حسين، في استفزاز واضح لمشاعر أغلبية العرب، فما هي مصلحة «حماس» والشعب الفلسطيني في اكتساب كراهية غالبية الشعوب العربية؟

ولعل من أغرب تصرفات «حماس» التي لا تدل على أدنى حد من الحصافة السياسية، تدخلها في الأزمة السورية ووقوفها إلى جانب «الإخوان» المتأسلمين في سوريا، ومع تفريعات «القاعدة» الأخرى، رغم أن مصلحة الحركة والشعب الفلسطيني كانت تقضي بالوقوف على الحياد، لا أن تتورط في دماء السوريين الذين قدموا لفلسطين وقضيتها من التضحيات الكثير، بل يتعاملون مع الفلسطينيين كنفس معاملة المواطنين السوريين. فهل يمكن لهذه الحركة الإرهابية بعد كل هذه الدروس التي جرّت عليها الويلات، أن تجري إعادة جرد لحساباتها، وتعود إلى حجمها الطبيعي مثل بقية الفصائل الفلسطينية الأخرى، التي مُدت لها حبل النجاة خلال الحرب الأخيرة، وأن تكف عن الألاعيب الإخوانية التي ألحقت بالغ الضرر بقضية فلسطين وشعبها؟

د. سالم حميد

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : حماسغزة

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق