حكومة روحاني واستمرار سياسة تكميم الأفواه

تعتبر حرية الرأي في جمهورية إيران الإسلامية هي الأسوأ بين دول العالم، وفي تراجع مستمر، حيث تشير الإحصائيات الدولية، ومنها مؤسسة “فريدم هاوس” الأمريكية غير الحكومية في تقريرها السنوي لعام 2014 لحرية الصحافة، والذي شمل 197 دولة من العالم، جاءت “جمهورية إيران الإسلامية” في المرتبة الـ 190، كما جاءت في المرتبة 173 لحرية الصحافة في التقرير السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود لعام 2013.

هذه الحالة المأساوية التي تمر بها المؤسسات الإعلامية في إيران هي حالة طبيعية، وذلك لبنية النظام الإيراني الممتنعة عن الانفتاح بسبب الإيديولوجية الدينية التي يستمد منها النظام قراراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مما يشكل عائقاً حقيقياً أمام حرية التعبير، بحيث يرى النظام أن أي نقد لسياساته الداخلية والخارجية هو بمثابة تشكيك في مشروعية النظام الإسلامي في إيران.

ونتيجة للقمع المستمر لوسائل الإعلام، طالب النائب في مجلس الشورى الإيراني علي مطهري، الرئيس حسن روحاني، “بمنع الإيقاف العشوائي للصحف، وذلك من خلال التنسيق مع القضاء”، حيث قال روحاني في وقت سابق على إثر إيقاف صحيفتين يوميتين، وأمام ممثلي وسائل الإعلام الإيرانية، “إن إيقاف أي صحيفة يجب أن يكون الحل الأخير”.

ومن هذه الصحف التي تم إيقافها في الأيام الماضية “جريدة قانون” المقربة من رئيس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، والتي تعتبر حالياً من أهم الصحف الناقدة لسياسات النظام الداخلية، حيث تم إيقافها من قبل القضاء الإيراني يوم الأربعاء الماضي، عندما وجه مدعي عام طهران خطاباً لوزير الثقافة والإعلام (وزیر فرهنگ و ارشاد اسلامی)، وطالبه بإيقاف “جريدة قانون”، وذلك “لنشرها أخبار غير صحيحة للتشويش على الرأي العام، كما إنها تنشر أخبار تتعارض مع الموازين الإسلامية، كما جاء في مذكرة إيقاف الجريدة”.

وقد يكون هذا الإيقاف من قبل القضاء الإداري على إثر الخبر الذي نشرته جريدة قانون يوم الأربعاء الماضي، عندما نشرت خبراً مفاده، “إطلاق سراح العميد محمد رويانيان بوثيقة قدرها 100 مليار تومان أي ما يعادل ألف مليار ريال إيراني”. وكما يبدو نشر خبر الإفراج عن محمد رويانيان وبهذه الطريقة من قبل “جريدة قانون” أزعج قادة الحرس الثوري، حيث يعتبر محمد رويانيان من القادة القدامى للحرس الثوري، والرئيس السابق للرقابة والتفتيش في الهيئة العامة للقوات المسلحة، وكذلك كان رئيساً لمنظمة الوقود وشرطة المرور في إيران، ولا سيما الرئيس السابق لنادي بيروزي (پرسپولیس) الرياضي الأكثر شعبية في إيران، والذي استحوذ عليه الحرس الثوري مؤخراً، كما قد يكون نشر هذا الخبر في هذه الفترة يأتي في إطار الصراع المحتدم بين الحرس الثوري من جهة وعائلة رفسنجاني من جهة ثانية.

وعندما استلم حسن روحاني مقاليد الحكم اعتمد في سياساته الداخلية نوعاً من الدبلوماسية المرنة المصحوبة ببعض الحريات الشكلية، والتي عادة ما تفرض نفسها في إيران عندما تأتي حكومات تتخذ لنفسها شعارات براقة على غرار ما جاء به حسن روحاني، ومن خلال هذه الحالة المؤقتة في الأساس، والتي هيأتها حكومة روحاني، (لغاية في نفس يعقوب)، ظنت بعض المؤسسات الإعلامية، ومنها الصحف اليومية كـ جريدة “ابتكار” و”بهار” و”آسمان” وكذلك جريدة “9 دي الأسبوعية”، على أنها قد تكون بارقة أمل في تهدئة الأوضاع المتأزمة داخلياً وخارجياً، وربما منفذاً للعمل الجاد في طرح القضايا الحساسة، والمستعصية في البلاد لمناقشتها مع كافة شرائح المجتمع الإيراني المغلوب على أمره منذ ثلاثة عقود من عمر نظام الملالي، إلا أن هذه المؤسسات الإعلامية التي أخذت على عاتقها الإصلاح والنقد البناء سرعان ما تم إيقافها بحجج واهية. وفي هذا الخصوص انتقد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الرئيس حسن روحاني، حيث نقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن بان كي مون،مطالبته بالإفراج عن النشطاء والمحامين والصحفيين، وكذلك السجناء السياسيين، ولا سيما تأكيد بان كي مون على أن هؤلاء محتجزون لدى السلطات الإيرانية بسبب ممارستهم حقوقهم في حرية التعبير والتجمع. كما تشير الإحصائيات للمنظمات الحقوقية الإيرانية والمعارضة لنظام طهران، أن نسبة الإعدام في الـ 9 أشهر الماضية من حكومة حسن روحاني تضاعفت مقارنة بالنسبة للإعدامات في حكومة أحمدي نجاد، بحيث تشير الإحصائيات لمنظمات حقوق الإنسان في إيران، والتي تعمل خارج البلاد، “أن عدد الإعدامات في الأشهر الأولى من حكومة روحاني بلغ الـ 247 شخص”.

واستناداً للتقارير الموثوقة لمنظمات حقوق الإنسان، ولا سيما أحدث تقرير للمقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في إيران السيد أحمد شهيد، إن عدد الذين تم إعدامهم في عام 2013 بلغ 687 شخص، وهذه النسبة مقارنة بإحصائية عام 2012 ارتفعت إلى 16%، كما أكد أحمد شهيد في هذا التقرير أنه منذ توليه ملف حقوق الإنسان في إيران عام 2011 لغاية تقديمه هذا التقرير إن عدد الذين تم إعدامهم في إيران بلغ الـ 1539 شخص.

وتعتبر ضرورة تنفيس حرية الرأي في إيران مطلب جماهيري وسياسي مدعوماً بقرارات أممية صدرت من أعلى منظمة دولية، وعلى لسان أمينها العام، لكن هل يستجيب الرئيس الإيراني الذي خدم هذا النظام طوال العقود الثلاث المنصرمة لرغبة الشعوب في إيران، أم أن بنية النظام المأدلجة أساساً لا تسمح لروحاني أو غيره إيجاد تغيير وإن كان شكلياً؟

جمال عبيدي

 نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث  

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق