حقل الشمال القطري وسوق الغاز العالمي

تشير توقعات السوق العالمية للغاز الطبيعي والمسال تحديداً، إلّا أن تغيراً جوهرياً سيطرأ في الأعوام المقبلة مع تنامي الطلب ودخول العديد من المستوردين الجدد إلى سوق الاستهلاك العالمية في الوقت الذي لن تضاف إمدادات جديدة كبيرة قبل العام المقبل مما سيؤدي إلى شح المعروض في السوق، حيث نما الطلب على الغاز الطبيعي المسال منذ عدة أعوام مدعوماً بشكل رئيسي بازدهار الطلب في آسيا وتوقف بعض المحطات النووية في اليابان ثم في كوريا الجنوبية في الفترة الأخيرة، ومن المنتظر أن تزيد احتياجات المستوردين بشكل أكبر في 2014 مع ارتفاع الطلب في الصين وأمريكا اللاتينية.

تشير توقعات السوق العالمية للغاز الطبيعي والمسال تحديداً، إلّا أن تغيراً جوهرياً سيطرأ في الأعوام المقبلة مع تنامي الطلب ودخول العديد من المستوردين الجدد إلى سوق الاستهلاك العالمية في الوقت الذي لن تضاف إمدادات جديدة كبيرة قبل العام المقبل مما سيؤدي إلى شح المعروض في السوق، حيث نما الطلب على الغاز الطبيعي المسال منذ عدة أعوام مدعوماً بشكل رئيسي بازدهار الطلب في آسيا وتوقف بعض المحطات النووية في اليابان ثم في كوريا الجنوبية في الفترة الأخيرة، ومن المنتظر أن تزيد احتياجات المستوردين بشكل أكبر في 2014 مع ارتفاع الطلب في الصين وأمريكا اللاتينية.

 

سوق الغاز بين العرض والطلب:

ورد في مذكرة بحثية لبنك أوف أمريكا ميريل لينش عام 2013 أنه بالنظر إلى العام المقبل: فإن زيادة طاقة الاستيراد في الصين واستمرار الطلب القوي في أمريكا اللاتينية يشيران إلى أن الأسواق العالمية للغاز الطبيعي المسال مقبلة على سنة أخرى شحيحة، وذلك حسب وكالة رويتر[1].

وبالرغم من توقعات ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي المسال فإن محللين يقولون إن السوق لن تشهد إضافة كبيرة في الإمدادات قبل 2015. وفي نفس الورقة البحثية قال بنك أوف أمريكا ميريل لينش “فيما يتعلق بالمعروض هناك أمور كثيرة ينبغي تأملها. فالمشروعات في أنجولا والجزائر ونيجيريا تشهد معدلات أداء منخفضة، ومن المنتظر أن تبدأ مشروعات كبيرة في استراليا طرح إنتاجها في السوق في 2014 لكننا سنظل نرى شحاً في المشروعات الجديدة لتسييل الغاز حتى 2015″، ويردف التقرير أنه نتيجة لشح الإمدادات في السوق قد تزيد الأسعار في السوق الفورية في آسيا هذا الشتاء لتتجاوز مستوياتها المرتفعة في الشتاء الماضي التي بلغت نحو 20 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. ويبلغ السعر الفوري الحالي 18.30 دولار.

وبالرغم من التوقعات بحدوث انفراجة في السوق بحلول عام 2015 مع ظهور إمدادات جديدة – لاسيما من مصدرين جدد من الولايات المتحدة واستراليا – فإن محللين يقولون إن الزيادة في الطلب على الغاز الطبيعي المسال بنحو سبعة في المئة سنوياً حتى عام 2020 ستؤدي إلى استمرار شح الإمدادات في السوق لمعظم سنوات العقد الحالي.

وقالت شركة برنستين للبحوث هذا الشهر في دراسة عن السوق العالمية للغاز “يشهد الطلب العالمي على الغاز زيادة كبيرة بسبب تفضيل أنواع الوقود ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة والابتعاد عن الطاقة النووية ونمو الأسواق الناشئة. وبناء على ذلك نتوقع استمرار الشح في أسواق الغاز العالمية حتى 2020.”

وبصرف النظر عن توقعات شح الإمدادات في السوق عموماً فإنه من المتوقع أن تستمر الفوارق الإقليمية الكبيرة في العرض والطلب، كما ستتمتع أمريكا الشمالية بفضل طفرة الغاز الصخري بانخفاض الأسعار المحلية وفرصة تصدير فائض الغاز إلى آسيا حيث من المتوقع أن تشهد الأسعار مزيداً من الارتفاع في ظل ازدهار الطلب والافتقار إلى إنتاج كبير من الغاز هناك.

وقالت برنستين “ستظل أسواق الغاز مجزأة ومقسمة بين أمريكا الشمالية حيث الغاز وفير والأسعار منخفضة وبين الأسواق الدولية حيث الإمدادات شحيحة والأسعار تواصل الارتفاع.” ويؤكد الباحثون أن هذا الاختلال سيؤدي إلى زيادة كبيرة في نشاط تجارة الغاز الطبيعي المسال عالمياً حيث سيحاول المنتجون وأصحاب السفن الاستفادة من الفوارق الإقليمية في الأسعار.

أما فيما يتعلق بالطلب تظهر الصين كمشتري رئيسي إذ كان من المتوقع أن تبدأ تشغيل ستة مرافئ لاستيراد الغاز الطبيعي المسال في الفترة بين نوفمبر تشرين الثاني 2013 ونهاية العام 2014، وترغب الصين في تقليص استخدام الفحم المسبب للتلوث وزيادة استخدام الغاز الطبيعي إلى ثلاثة أمثاله ليتجاوز 300 مليار متر مكعب بحلول 2020 وستستورد الصين نحو ثلث تلك الكميات في صورة غاز طبيعي مسال.

بالنسبة لروسيا التي تعد أكبر مورد للغاز عبر خطوط الأنابيب في العالم، فإنها تدخل في سوق الغاز المسال المزدهرة في آسيا ببطء حتى الآن لكن الحكومة أقرت قانوناً هذا الشهر يتيح لمنافسي شركة جازبروم التي تسيطر عليها الدولة من أجل تصدير الغاز الطبيعي المسال في خطوة تساعد على الدخول إلى الأسواق الآسيوية المتنامية.

وفي أمريكا الشمالية ستبدأ الولايات المتحدة في تصدير الغاز الطبيعي المسال اعتباراً من 2015، ويقول معظم المحللين إن الكميات ستصل إلى أكثر من 50 مليار متر مكعب بحلول 2020 وتخطط كندا أيضاً لبدء صادراتها هذا العقد، ومن المرجح أن تصبح استراليا أكبر مصدر جديد لتتحدى قطر أكبر مصدر حالي في العالم للغاز الطبيعي المسال بتصدير نحو 100 مليار متر مكعب سنوياً بحلول 2020، حيث صدرت قطر 105.4 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال في 2012.

 

حقل الشمال ميزة نسبية لصالح قطر:

في محاضرة ألقاها مارك فينلي[2] عام 2008 في الدوحة و هو كبير محللي قطاع الطاقة في الشركة النفطية البريطانية “بي بي” قال: أن إنتاج الغاز الطبيعي في قطر ارتفع بنسبة 17.9 % أي 5.8 مليار قدم مكعب معتبراً ذلك أعلى معدل توسع في منطقة الشرق الأوسط في إطار استمرار النمو السريع في مجال الغاز في دول الخليج في السنوات الأخيرة، وأن احتياطي الغاز في قطر يبلغ 900 ترليون قدم مكعب مشكلاً بذلك ثالث أكبر احتياطي في العالم بنسبة 14.4% من إجمالي الاحتياطي العالمي، هذا في ضوء أن الشرق الأوسط يحتوي على 41% من احتياطي الغاز العالمي ويبلغ 2585 ترليون قدم مكعب بنهاية عام 2007 وأغلبية هذا الاحتياطي في كل من قطر وإيران” .

ولفت فينلي أن قطر شهدت أيضاً أكبر نمو في استهلاك النفط في الشرق الأوسط الذي ارتفع بنسبة 21.7% أي 95 ألف برميل في اليوم وذلك يرجع لارتفاع الاستهلاك في قطر والتوجه العالمي في نمو الطلب في الأسواق الناشئة وهو نتيجة النمو الاقتصادي القوي الذي شهده البلد في السنوات الماضية.

ومن المعروف أن قطر وإيران تشتركان في غاز حقل الشمال الذي يعد أكبر حقول الغاز في العالم، وتقدم الشركات الغربية لقطر التكنولوجيا التي تساعدها على تجميد الغاز المستخرج وتحويله إلى غاز مسال قابل للتصدير، ومنعت وصول مثل هذه التكنولوجيا إلى إيران التي ظلت عاجزة عن منافسة قطر في استغلال حصتها من الغاز في حقل الشمال بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها، وهذا ما يدفع إيران لإبداء الحذر من أن تتجاوز قطر حصتها القانونية حيث أنها تستخرج كمية كبيرة تستهلك بموجبه إمكانيات هذا الحقل بمعدل أسرع من المعدل الإيراني ولهذا نتائجه على المستوى البعيد من حيث إسقاطاته في التنمية المستدامة واستثماراته الحالية في دعم البنية التحتية طويلة المدى، علماً أن قطر قامت بتجميد أي تطويرات إضافية في حقل الشمال عام 2005، ويتوقع استمرار هذا التجميد حتى عام 2015، لتقييم قدرات الحقل الإنتاجية على المدى البعيد، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج في مشروع برزان في عام 2014، وهو أحدث مشروع تطوير إنتاجي في حقل الشمال قبل إعلان التجميد، وسيتوجه إنتاجه للسوق المحلية.

ويساهم حقل الشمال بمعظم الإنتاج القطري للغاز الذي اكتشف عام 1971 ويبلغ احتياطي الغاز القابل للاستخراج منه أكثر من 900 تريليون قدم مكعّب كما ذكرنا آنفاً، ويمثل 20% من احتياطي الغاز العالمي، مما يجعله أكبر حقل للغاز الحرّ في العالم.

بالمقابل وكما يبدو بالخريطة تعمد إيران لتطوير حقل جنوب بارس وقدراتها الإنتاجية بمساعدة روسية حيث أبدت استعدادها للمشاركة في تطوير حقل غاز الشمال الذي يلفظ بالفارسية (پارس جنوبي)، وقدر ورد في صحيفة “طهران تايمز” الصادرة في 19/ سبتمبر/ 2013 أن الشركات الروسية ستفتتح مكتباً لها في طهران قريباً لإجراء عمليات التنقيب والحفر والاستخلاص والتكرير في حقل الغاز الذي يقع بالقرب من حقل غاز بارس جنوبي بالخليج.

الجدير بالذكر أن عملاق النفط الروسي “جاز بروم” وقعت في نوفمبر 2009 مذكرة تفاهم مع شركة النفط الوطنية الإيرانية بشأن تطوير حقلي بترول “آزار” و “جنكوله” اللذين يقدر احتياطيهما بملياري برميل، علماً أن خلافاً بين إيران وروسيا نشب في صيف 2011 عندما اتهمت إيران روسيا بإخفاقها في الوفاء بالتزاماتها وقررت منح المشروع لمجموعة شركات محلية، وكانت شركة (لوكاويل) الروسية الأخرى انسحبت أيضاً من المشروع في حقل “آران” النفطي مضيفة أن الشركة تكبدت خسائر تقدر بـ63 مليون دولار بعد انسحابها.

ويقع قطاع الطاقة في إيران الذي يضم صناعات النفط والغاز الطبيعي تحت وطأة عقوبات غربية مما أعاق تطوير قطاع الطاقة جراء مغادرة العديد من المستثمرين الأجانب البلاد خلال الأعوام القليلة الماضية.

 

حقل الشمال وضعف الإمكانيات الإيرانية:

في 31/يناير/ 2013([3]) وبينما كانت وسائل الإعلام الإيرانية منشغلة بمناورات عسكرية إيرانية بحرية قالت أنها تجري باستخدام “أسلحة فائقة التطور” كانت منصة غاز إيرانية تغوص عميقاً في مياه الخليج العربي بعد بدء تشغيلها بدقائق عند حقل الشمال المشترك بين إيران وقطر؛ حيث لم تفلح كل محاولات تعويمها الأمر الذي دفعها في زمن قياسي إلى قعر يبلغ عمقه 80 متراً.

إن غرق المنصة[4] يعد مؤشراً بالغ الأهمية ويدلل على مجموعة من الحقائق التي تؤيدها حقائق وحوادث أخرى وهي:

  1. غياب الجودة في صناعة الطاقة الإيرانية.
  2. الافتقار إلى التكنولوجيا النفطية بسبب العقوبات الدولية المفروضة على إيران.

تقدر قيمة المنصة بـ40 مليون دولار واستغرق إنشاؤها عامان ونصف العام، وهي جزء من مشروع بقيمة خمسة مليارات دولار موكلة إلى مجموعة “خاتم الأنبياء” الصناعية التابعة للحرس الثوري الإيراني، في حين لم يجر التأكد فيما إذا كان غرق المنصة قد تسبب في تلوث في منطقة الحادث.

إن تساهل إيران في جوانب الأمن والسلامة والافتقار إلى التكنولوجيا المتطورة الضرورية واستخدام بدائل محلية قد لا تكون مناسبة في عمل من هذا النوع سبب غرق الناقلة علماً بأن شركة “صدرا” التابعة لـ “الحرس الثوري(سپاه پاسداران)”، والتي تخضع لعقوبات أميركية وأوروبية هي من بنت المنصة.

وأشارت مصادر إلى أن لجنة أزمة تشكلت في محاولة لتعويم هذه المنصة المعدنية التي تزن 1850 طناً، وغرقت تحت ثمانين متراً في قعر البحر وكان يفترض تشغيل المنصة التي استغرق بناؤها ثلاثين شهراً في المرحلة الثالثة عشرة من حقل الغاز العملاق جنوبي إيران. وأوكل تحقيق هذه المرحلة من المشروع بقيمة خمسة مليارات دولار إلى مجموعة “خاتم الأنبياء” الصناعية لحرس الثورة الإيرانية.

يأتي هذا بعد أن انسحبت في 2010 شركتا “شل” البريطانية الهولندية و”ربسول” الإسبانية إثر فرض الغرب عقوبات على إيران، وتعتبر طهران تطوير الجزء الإيراني في “حقل الشمال” أولوية استراتيجية، لكنها سجلت تأخيراً كبيراً مقارنة بجارتها قطر في استغلال هذا الحقل العملاق.

وعليه تبقى قطر هي المستثمر الرئيسي لهذا الحقل إذ تسعى لتطوير وتنويع الصناعة في قطاع البتروكيماويات التي تعتمد على الغاز المنتج من هذا الحقل وتستثمر فيه شركات دولية أوروبية وأمريكية، وتبقى الميزة النسبية لصالح قطر في تكنولوجيا التسييل التي تسمح لها بغزو الأسواق العالمية عبر تصديرها بناقلات الغاز العملاقة فضلاً عن مشاريع مد أنابيب الغاز ذات الأبعاد الجيوبولتيكية والاستراتيجية الهامة وتُبعِد إيران مبدئياً عن هذا المجال في المدى المتوسط والقريب.

[1]– تقرير بعنوان: سوق الغاز الطبيعي المسال ستظل شحيحة في 2014 وما بعدها، رويترز، 18/ نوفمبر/ 2013.

[2]– كبير محللي قطاع الطاقة في الشركة النفطية البريطانية “بي بي”

[3]– خبر ورد في صحيفة الشرق الأوسط في 31/ يناير/ 2013 تحت عنوان: غرق منصة غاز إيرانية في مياه الخليج تكلفتها 40 مليون دولار

[4]-فتحت إيران تحقيقاً حول غرق منصة “أوف شور” عند تشغيلها في حقل غاز الشمال الذي تتقاسمه إيران مع قطر.

مازن محمود علي 

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيرانقطر

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق