جماعة الحوثي أداة طهران للضغط على دول الخليج العربي

بالنظر لمنطقة الخليج العربي وأهميتها البالغة للأمن القومي العربي، لا سيما الطفرة الاقتصادية الكبيرة التي حققتها دول الخليج العربي، وجدت طهران نفسها في مأزق حقيقي أمام الشعوب غير الفارسية القاطنة في جغرافية ايران السياسية والتي بطبيعة الحال تعاني الأمرين في ظل سياسات الدولة الفارسية الخاطئة منذ أربعة عقود. ومن جانب آخر أن وجود الحرمين الشريفين ومركزية المملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي وكذلك المكانة الاقتصادية الكبيرة والهائلة للمملكة العربية والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وتأثيرهما في العالمين العربي والإسلامي يشكل حالة ضغط مستمر لطهران وسياستها التوسعية والعدوانية في آن واحد في المنطقة العربي وخارجها. لذا، وجدت طهران في الحوثي ضالتها لزعزعة أمن واستقرار منطقة الخليج العربي.

ومن هذا المنطلق، اعتمدت إيران على أذرعها التي تتبعها عقائدياً وسياسياً من أجل فرض هيمنتها على المنطقة العربية والسيطرة على مقدراتها، وكان اليمن أحد أهداف الإيرانيين في هذا المضمار لما يمثله من موقع جيواستراتيجي نتيجة محاذاته للملكة العربية السعودية وتحكمه بمضيق باب المندب الاستراتيجي. وعلى هذا الأساس استغلت إيران جماعة الحوثي وحولتها فعلاً إلى أداة من أجل توسعها في هذا البلد العربي حتى أصبحت هذه الجماعة تستلهم أفكارها عقائدياً وسياسياً من إيران وتتحرك بأوامر طهران وعمائمها.

نشأة جماعة الحوثي وإطارها الفكري

كانت بداية نشأة جماعة الحوثي في عام 1991م عبر تنظيم «الشباب المؤمن» في بعض مناطق محافظة صعدة بعد انشقاقه عن حزب الحق الذي تأسس عام 1990، أي بعيد إعلان الوحدة اليمنية والسماح الدستوري للتعدّدية السياسية والثقافية وذلك بإيعاز من بدر الدين الحوثي، بهدف جمع علماء المذهب الزيدي في صعدة وغيرها من مناطق اليمن تحت لوائه.

ويرى الصحفي اليمني عبد الكريم الخيواني في دراسة له حول ظروف نشأة جماعة الحوثي في اليمن أن: «هذه الحركة التي تنسب إلى مؤسسها حسين الحوثي -نجل بدر الدين الحوثي أحد كبار علماء المذهب الزيدي- نشأت في إطار فكري، ولم تكن فی بادئ الأمر حركة سياسية منظمة لها أهداف ونظم ولوائح كغيرها من الحركات السياسية». ويشير الخيواني إلى أن جماعة الحوثي لم تعرف بهذا الاسم -الحركة الحوثية- إلا أثناء حرب صعدة في عام 2004، وأن السلطة هي التي أطلقت عليها هذه التسمية في حينها.

وبدأ حسين الحوثي مؤسس الجماعة توسيع نشاطه خارج منطقة صعدة، ليؤسس مراكز مماثلة لمركزه في عدة محافظات عرفت باسم الحوزات العلمية وغيرها من الأنشطة مثل المخيمات الصيفية والندوات ونشر العديد من الكتب التي تروج لفكره. وبدأت تتجلى ظاهرة حسين الحوثي فيما يطرحه من المسائل والآراء، فظهر تطاوله وتهجمه على علماء الزيدية، وآراء المذهب وكتبه، معتبراً نفسه مصلحاً ومجدداً لعلوم المذهب وتعاليمه الأمر الذي جعل عالم الزيدية الشيخ مجد الدين المؤيدي يعتبر أن ظاهرة الحوثية غريبة على المجتمع اليمني المسلم في أفكارها، وأطروحاتها بعيدة كل البعد عن المذهب الزيدي.

العلاقة مع إيران

بدأت علاقة الجماعة مع إيران في عام 1994م بعد اندلاع الحرب في اليمن، إذ سافر بدر الدين الحوثي وابنه حسين مؤسس الجماعة إلى إيران وذلك بحكم التقارب الفكري الذي يربط الطرفان على الرغم من الاختلافات في عدد من القضايا الأساسية. عاد حسين الحوثي إلى اليمن في عام 2002 مشحونا بأفكار معادية للحكومة اليمنية ولمذهب أهل السنة والجماعة، فی حين مكث والده بدر الدين هناك الأمر الذي يفسر نشوء علاقة عقائدية وسياسية بين الجماعة وإيران.

وتجلت بوادر هذه العلاقة عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حين بدأ حسين بدر الدين الحوثي يظهر معارضته للرئيس المعزول علي عبد الله صالح ويتهمه علنا بـ”العمالة” لأميركا وإسرائيل. وعندما توجه صالح لأداء صلاة الجمعة بأحد مساجد صعدة فوجئ بالمصلين يصرخون الشعار الحوثي:” الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” وهو شعار يردده أتباع النظام القائم في إيران مما اعتبر تماهياً واضحاً مع الخطاب الإيراني.

 

الحروب الست

خاضت جماعة الحوثي ستة حروب قبل انقلابها على الحكومة اليمنية في يناير عام 2015 وسيطرتها على الدولة، إذ اشتعل فتيل الحرب الأولى بين الجماعة والحكومة اليمنية في الثامن عشر من يونيو 2004م بعد إتهام الحكومة لجماعة الحوثي بإنشاء تنظيم مسلح على غرار حزب الله واستعمال المساجد لبث خطابات تعتبر محرضة على الإرهاب. توقفت المعارك في 10 سبتمبر 2004 بعد إعلان الحكومة اليمنية مقتل حسين بدر الدين الحوثي ونشرها صوراً لجثته في الصحف الحكومية مسحولة في الشوارع وكانت تلك نهاية ما عرف بالحرب الأولى.

وتوالت الحروب بين الجماعة والحكومة اليمنية ليشتبك الطرفين في أربعة حروب دامية بین عامي 2005 م   2008 تنتهي كلها بوقف لإطلاق النار بين الطرفين ليخرق بعد ذلك الحوثيين كل مرة اتفاقيات الهدنة وتشد الحروب إلا أن الحرب السادسة والأخيرة والتي بدأت في 11 أغسطس من عام 2009 حين شنت القوات اليمنية حملة عسكرية عرفت باسم عملية الأرض المحروقة.

ولعل ما جعل الحرب السادسة تختلف عن ما سبقها هو التدخل العسكري السعودي بعد اعتداء جماعة الحوثي على نقطة عسكرية للجيش السعودي في جبل دخان على الحدود بين المملكة واليمن في مطلع نوفمبر عام 2009 وانتهت الحرب في 12 فبراير من عام 2010.

 

انقلاب الحوثيين على السلطة اليمنية

بعد اندلاع ثورة الشباب اليمنية المطالبة بالإصلاح والديمقراطية استغل الحوثيون الأوضاع الأمنية المضطربة وعينوا فارس مناع محافظا لصعدة بدلا عن طه هاجر الذي فر هارباً إلى صنعاء في مارس 2011 ليبدأ طموح الجماعة بالتهام اليمن والسيطرة عليه.

أقامت جماعة الحوثي علاقات مع عدد من الناشطين المناهضين لنظام الرئيس اليمني علي عبدالله صالح ووسعت قواعدها الشعبية وأنشأت تنظيماً سياسياً عرف بأنصار الله مستغلة فراغ السلطة. بدأت الجماعة المطالبة بإشراكها في صناعة القرار في حين مواقفها كانت تتناقض مع توجه الدولة اليمنية فيما يتعلق بالمبادرة الخليجية التي أبدت معارضتها لها وتحفظها على التدخلات الإيرانية في شؤون اليمن.

انقلب الحوثيون على السلطة اليمنية في 19 من يناير عام 2015 بعد مهاجمتهم لمنزل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ومحاصرة القصر الجمهوري حيث يقيم رئيس الوزراء، كما اقتحموا معسكرات الجيش ليفرضوا على الرئيس اليمني وأعضاء الحكومة الإقامة الجبرية. أعلنت جماعة الحوثي “إعلانا دستورياً” في السادس من فبراير عام 2015 بعد استقالة الرئيس اليمني ورئيس الوزراء خالد بحاح، وبموجب هذا الإعلان حل البرلمان اليمني وأصبحت اللجنة الثورية التي يرأسها محمد علي الحوثي على رأس هرم السلطة.

رفض اليمنيون الانقلاب كما أدانت كافة الدول العربية والغربية هذا الأمر باستثناء الدولة الإيرانية واعتبروه خروجاً على المبادرة الخليجية التي حظيت باعتراف أممي.

وأما عاصفة الحزم المباركة، بدأت عمليات عاصفة الحزم التي قادتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في مارس عام 2015 بعد طلب تقدم به الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لإيقاف الحوثيين وقوات علي عبدالله صالح –حليف الحوثيين-الذين بدأوا هجوماً واسعاً على المحافظات الجنوبية وكانوا على وشك الاستيلاء على مدينة عدن حيث مقر الحكومة اليمنية بعد الانقلاب. وشارك في عملية عاصفة الحزم تحالف دولي مكون من عشرة دول منها أربعة دول خليجية لمساعدة اليمن وأهلها في إعادة الشرعية، ودمرت قوات التحالف العربي كافة القواعد الجوية ومعسكرات الجيش والحرس الجمهوري التي استولى عليها الحوثيون ولا سيما الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية واستطاعوا إعادة الشرعية لليمن وأهلها.

 

مفاوضات السلام بين الحكومة وجماعة الحوثي

عقد في 16 يونيو 2016 مؤتمر دولي تدعمه الأمم المتحدة بين ممثلين عن الحكومة الشرعية في اليمن والانقلابيين من جماعة الحوثي وأنصار على عبدالله صالح حيث افتتح الأمين العام للأمم المتحدة المؤتمر ودعا الطرفين إلى وقف إطلاق النار، إلا أن تعنت الحوثيين وأنصار علي عبد الله صالح برفض الحوار مع الحكومة ومطالبتهم بالحوار المباشر مع المملكة العربية السعودية قاد إلى إعلان وزير خارجية اليمن في 19 يونيو بإنهاء المفاوضات دون التوصل لأي اتفاق.

ووردت معلومات تفيد بوجود ضباط من المخابرات الإيرانية خارج قاعة المؤتمر وهم يقدمون الاستشارات لممثلي جماعة الحوثي الأمر الذي فسره المراقبون بأنها إملاءات إيرانية لجماعة الحوثي وخلفه علي عبد الله صالح بضرورة حرف مسار المفاوضات بغية استنزاف قوات التحالف مادياً وعسكرياً.

وانطلقت بعد ذلك مفاوضات الكويت والجارية لحد الآن لكن على الرغم من التنازلات التي قدمتها الحكومة اليمنية حقنا لدماء الشعب اليمني وكذلك التعاون البناء من قوات التحالف إلا أن جماعة الحوثي ومعها أنصار علي عبد الله صالح يصرون على مواقفهم غير مكترثين بمستقبل اليمن وأهلها وما ستؤول إليه الأوضاع الإنسانية في هذا البلد العربي الأصيل.

ويرى مراقبون أن جماعة الحوثي وحليفها الرئيس المعزول علي عبد الله صالح لا يملكون القرار في التوصل إلى السلام مع الحكومة اليمنية لأن في واقع الأمر إيران هي الراعي الأساسي لجماعة الحوثي وصالح، كما أن طهران لا ترغب ابداً في إنهاء الصراع الحالي في اليمن على الأقل في المدى المنظور. ويعود غياب الرغبة الإيرانية بإنهاء الصراع في اليمن إلى صراعها السياسي المحتدم مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة منذ عقود في محاولة لاستنزاف قدرات دول الخليج العربي خاصة بعدما أخذت هذه الدول -السعودية والإمارات- على عاتقها الدفاع عن الشعب العربي ومقدراته.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق