بعد فشل جنيف 3: لم يعد هناك حل سوى الاقتراح السعودي بالتدخل البري

الروس يسعون لتجربة في سوريا ضد المعارضة كتجربتهم في غزوني الشيشانية، ومواصلة ضرباتهم في سوريا لفرض أجندتهم في جنيف3 والإيتاء ببديل عن المعارضة، لكن المعارضة خذلتهم بعدما ذهبت إلى جنيف3 رغم أنها تعرف أن مصير جنيف3 الفشل، بل فشل أكبر من فشل جنيف2،  ولكن ذهبت المعارضة بضمانات غربية ولم تتحقق، قد تكون الولايات المتحدة تريد توريط ووضع روسيا في زاوية ضيقة حرجة، والانتقال لمرحلة مقبلة أخرى بعد فشل جنيف3 بسبب أن الضمانات لم تتحقق بسبب مواصلة روسيا ضرباتها في سوريا ضد المعارضة دعما للنظام، ما جعل روسيا تتبجح في عدد من التصريحات أنه لولا التدخل الروسي لما استطاع النظام السوري أن يصمد، وجعلت روسيا أن الغرب الذي أعطى ضماناته للمعارضة بلا مصداقية، واستمر القصف الروسي فيما المفاوضات جارية في جنيف3 وفي نفس الوقت لم يتم إطلاق سراح الأطفال المعتقلين، وتنفيذ كل ما يسمى بالقضايا الإنسانية وفقا للقرار الأممي  2254.

وجدت السعودية فرصتها بعد إلقاء مجلس الأمن الذي عقد في نيويورك في 5 فبراير 2016 باللوم على النظام السوري وروسيا في إفشال محادثات جنيف 3، وتم تأجيل الاجتماع إلى 25 فبراير ولكن بشروط ثلاث حددها المندوب الفرنسي لاستئناف تلك المحادثات، هي احترام القانون الدولي فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، والسعي لإنشاء حكومة انتقالية في سوريا.

عندها أعلنت السعودية عن استعدادها لإرسال قوات برية لمكافحة تنظيم داعش في سوريا، ما جعل البنتاغون يصرح بأن وزير الدفاع اشتون كارتر يعتزم مناقشة تفاصيل الخطة العسكرية والدور الجديد للقوات البرية السعودية في مكافحة داعش خلال اجتماعه مع نظيره الأمير محمد بن سلمان في بروكسل مع وزراء دفاع 24 دولة لتسريع جهود مكافحة داعش، خصوصا بعدما وجدت السعودية أن خطة دي مستورا غير قابلة للتطبيق ميدانيا وسياسيا وهي وثيقة مسربة تكشف خطة لإنشاء فريق استخباراتي يراقب وقف النار في سوريا.

بالطبع السعودية لن تتدخل في سوريا إلا في إطار توفر إرادة دولية وضمن منظومة عسكرية كبيرة، واكتفى مسؤول تركي التعليق على إمكانية تحرك سعودي من الأراضي التركية، بل اكتفى بأن هناك تعاون وثيق بين الجانبين السعودي والتركي من أجل مصلحة الشعب السوري واتفاق على عدم تركه وحيدا في مواجهة آلة القتل، وفي نفس الوقت أكد المسؤول التركي على أن الحشود التركية على الحدود السورية التي يتحدث عنها الروس هي حشود دفاعية، وطبعا التدخل هو لحماية المعارضة ومحاربة داعش والمليشيات الشيعية التي أتت من أفغانستان ومن بلدان بعيدة.

هناك اتهامات من قبل بريطانيا لروسيا بأنها تنوي إقامة دويلة علوية من قبل وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند التي اتهمتها روسيا على لسان يفغيني لوكيانوف نائب سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي وصفها بأنها حماقة.

هناك 350 غارة روسية في حلب من أجل جعل المعارضة السورية محاصرين في الريف الشمالي من داعش ومن الأكراد وقوات النظام وحلفائه وهو أكبر إنجاز يحققه النظام السوري منذ عام 2012 من أجل فك الحصار عن قريتي نبل والزهراء الشيعيتين حتى ينضم إلى صفوف النظام نحو خمسة آلاف مقاتل ومعظمهم من المدربين على يد حزب الله حتى يتمكن النظام السوري من محاصرة حلب بالكامل حتى تبقى منفذا وحيدا إلى تركيا وهو معبر باب الهوى.

ما يجعل موسكو تتهم تركيا بالاستعداد لغزو سوريا وعدم تنفيذ معاهدة السماوات المفتوحة التي سبق أن وقعتها مع روسيا مع 34 دولة من بلدان منظمة الأمن والتعاون الأوربي منها تركيا في تسعينات القرن الماضي في إطار تعزيز إجراءات الثقة في أوروبا بعد انتهاء الحرب الباردة، ما جعل المعارضة السورية توحد المجلس العسكري للشمال لإعطاء دفعة قوية للعمليات القتالية مكن المعارضة من شن عملية معاكسة لفك حصار حلب واستطاعت أن تستعيد رتيان وماير.

يبدو أن النظام السوري المدعوم من النظام الإيراني المستهلك في سوريا والذي استعان بروسيا التي وجدت فرصتها في سوريا، ووجدت الولايات المتحدة فرصتها في نقل الصراع من أوكرانيا إلى المستنقع السوري، نجد أن النظام السوري صرح على لسان وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي اختفى في الفترة الماضية يحذر السعودية بلهجة المنتصر عندما قال لا أحد يفكر في الاعتداء على سوريا أو انتهاك سيادتنا لأننا سنعيد من يعتدي في صناديق خشبية كائنا من يكون، وهذه مشكلة النظام السوري الذي لم يتمكن من المصالحة مع شعبه، وجعل من سوريا أرضا مستباحة للجميع من داعش إلى الاحتلالين الإيراني والروسي.

أصبحت سوريا تحت وصاية المجتمع الدولي، ولم يعد النظام السوري يمتلك شرعية بعدما قتل من شعبه نحو 400 ألف سوري وشرد أكثر من 10 ملايين سوري، بل أصبح النظام السوري بيد النظامين الإيراني والروسي، بعدما كان يمكن إسقاط النظام السوري وقت الأزمة الأوكرانية لكن ذلك لم يحدث بسبب ممانعة أوباما منح المعارضة القوة اللازمة لإسقاط النظام، خشية أن يحل محلها جماعات متشددة، وهو ما تنبهت له السعودية، وحاولت تنظيم صفوف المعارضة في الرياض، التي أصبحت جاهزة لتسلم الحكم بعد إسقاط نظام الأسد، خصوصا بعدما تكفلت السعودية بمحاربة داعش عن طريق إدخال جيش بري ضمن منظومة متكاملة تحت الرعاية الدولية، بل كان إعلانها بأنها مستعدة للمشاركة في أي عملية برية يقررها التحالف الدولي بقيادة واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

في تلك الأثناء أعرب الاتحاد الأوربي عن قلقه من الأنباء حول موجة جديدة من النزوح الجديدة في ظل تصاعد الغارات الروسية على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية وتضم مدنيين خصوصا وأن تنظيم داعش ينشط في أوساط اللاجئين السوريين مما يرعب الدول الأوربية.

كما أن فشل المصادقة على التشكيلة الثانية لحكومة الوفاق الوطني بأن هناك خطة عسكرية شاملة صرح بها وزير الدفاع الأمريكي كارتر عندما قال سنضرب داعش في ليبيا إذا لم ننجح سياسيا، بل هناك مقاتلات مجهولة قصفت مواقع داعش في منطقتي السبعة والظهير جنوب مدينة سرت وغربها التي سبق للتنظيم أن أعلنها ولاية إسلامية، وقد رجح المراقبون أن تكون المقاتلات أجنبية بسبب عدم قدرة الطيران الليبي على توجيه ضربات ليلية دقيقة، لأن الخليج النفطي يمكن أن يعطي التنظيم الإرهابي دفعا قويا يساعده على جعل ليبيا قاعدة هجوم في كل الاتجاهات، ومؤتمر روما كانت قد سبقته تصريحات عن خطورة ترسيخ نفوذ داعش في ليبيا.

هناك اتجاه أوروبي أميركي متزايد لشن عملية عسكرية تمنع الإرهابيين من الوصول إلى الخليج النفطي وترسيخ وجودهم على ساحل يمتد مسافة ألفي كيلومتر جنوب القارة الأوربية، وسبق لصحيفة الفيغارو الفرنسية أن ذكرت أن التدخل العسكري ضد داعش في ليبيا سيتم في غضون أشهر وأن خطط الإعداد لهذه العملية وضعت على نار حامية.

التهديدات الإرهابية تحرك ميزانيات دول القارة الأوربية، فيما نجد الحكومة الفرنسية تنفق مليون يورو يوميا في تعزيزات أمنية بعد هجمات باريس، فيأتي اتجاه أوروبا الحالي لمحاربة الإرهاب إثر الاعتداءين الإرهابيين اللذين تعرضت لهما باريس على يد مسلحين ينتمون لداعش يمثل نقلة كبيرة بعد سياسة التقشف التي اتبعتها أوربا منذ أزمة الديون العالمية عام 2010.

لذلك فإن فرنسا وبعد إعلانها أنها في حالة حرب مع الإرهاب مثلما صرح الرئيس الفرنسي هولاند بأن بلاده تحتاج لتتبع الإرهابيين، وتفكيك خلاياهم، وقطع مواردهم المالية، ووقف دعاياتهم لمحاربة التطرف، فلن تجد فرنسا مبتغاها في روسيا التي تزيد من حالة التطرف بل تجد بغيتها في السعودية.

بذلك تكون الولايات المتحدة حققت مطالبها التي كانت تطالب الاتحاد الأوربي برفع  إنفاقه العسكري الذي تراجع منذ عام 2007 بواقع 13 في المائة، ولم يلتزم سوى أربع دول من حلف شمال الأطلسي عام 2015، والبالغة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويتنامى هذا مع الاتجاه مع تزايد المخاوف الأمنية، فألمانيا اقترحت زيادة الإنفاق العسكري بإضافة 130 مليار أمريكي، قد تصل إلى 141 مليار دولار على مدار السنوات الخمس عشر القادمة.

ووافقت بريطانيا مؤخرا على تخصيص 12 مليار جنيه إسترليني إضافية لشراء طائرات بوينغ بي 8 ومن المتوقع أن يقفز إجمالي الإنفاق العسكري لغرب أوروبا الذي تقوده فرنسا وبريطانيا 50 مليار يورو إضافية ليبلغ 215 مليار يورو بحلول عام 2019، ورغم تلك الزيادة فإنها تقل كثيرا عن موازنة الدفاع الأمريكية.

في الوقت الذي يداهن كيري وزير الخارجية الأمريكي نظيره الروسي في محاولة للمساعدة في إنهاء الحرب المشتعلة في سوريا، تخطط وزارته لفرض حظر على المزيد من المواطنين الروس يمنعهم من دخول الولايات المتحدة والمشاركة في نظامها المالي، على خلفية مقتل محام روسي عام 2009.

كيري يعول على نجاح مساعيه في وقف الحرب في سوريا على غرار نجاحه عام 2013 في تحقيق توازن في التعامل مع روسيا عندما تمكن من التوصل إلى اتفاق مع روسيا لتفكيك الجزء الأكبر من الأسلحة الكيماوية التي بحوزة سوريا في الوقت كان يوجه لروسيا اتهامات بالتغطية على جرائم حرب سوريا مع ذلك نجح في اعتراف سوريا بأنها تمتلك أسلحة كيماوية والتخلص من معظمها.

الآن ينظر الروس إلى الإجراءات الأمريكية بخصوص قضية ماغنتيسكي باعتبارها إهانة، فهل ينجح كيري في تحقيق توازن جديد في التعامل مع روسيا بوقف المذابح التي عاونت روسيا على وقوعها داخل سوريا، وتقبل روسيا بمعادلة جديدة تشترك فيها قوات إسلامية تشارك فيها السعودية ودول أخرى للمشاركة في سوريا من أجل القضاء على داعش، وهو ما يحيد التدخل الروسي الذي لولاه لسقط النظام السوري، ما جعل وزير الخارجية السوري يصرح نيابة عن لافروف وزير خارجية روسيا بأن وقف إطلاق النار في سوريا لن يتم إذا لم يتم ضبط الحدود السورية مع تركيا والحدود السورية مع الأردن.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق