الولي الفقيه.. وأكياس الذهب!

إيران التي زرعت الريح ستحصد العاصفة، لأن أغلب البنوك الأوروبية، وغيرها من البنوك الرئيسية الكبرى في العالم، ترفض التعامل مع البنوك الإيرانية أو حتى تسهيل التعاملات المالية مع إيران، رغم مضي أكثر من شهرين على رفع بعض العقوبات الدولية عن إيران نتيجة اتفاق طهران مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي.

لقد بدأت الكثير من الشركات الإيرانية في الداخل، والتي كانت تحلم بالربح والثراء بالتذمر والشكوى، وبدأ كثير من التجار الإيرانيين في الخارج بالعويل والنحيب، وهم الذين كانوا أيضاً يحلمون بسيول جارفة من الأموال، وعلا التأفف والتذمر والشكوى من رفض أغلب البنوك التعامل معهم خشية وقوع تلك البنوك تحت طائلة عقوبات أميركية، ومطب عقوبات أخرى قد تكلفهم خسارة مليارات الدولارات نتيجة الغرامات.

وراح الرئيس الإيراني حسن روحاني يدور حول نفسه، بينما وزير نفطه بيجان زنكنه، صار ينادي بإبعاد قطاع النفط والغاز عن شركات تابعة للحرس الثوري الإيراني، لكن توسلاته ذهبت أدراج الرياح ودون جدوى، لأن دعم المرشد الأعلى خامنئي للحرس الثوري ومصالحه المالية فوق مصالح الشعب الإيراني، ووليمة الذئاب لا يفيد فيها الإتيكيت.

وأفضل مثال على ذلك، هو عدم استطاعة روحاني محاسبة شركة “خاتم الأنبياء” ـ و”خاتم الأنبياء”، ليس هذا اسم جمعية دينية أو خيرية، بل هو اسم مجموعة شركات هائلة في النظام الاقتصادي في إيران. فالمؤسسات الدينية هناك تسيطر على حوالي 80 بالمائة من الاقتصاد الإيراني وتتخذ أسماء لها طابع القداسة ــ بينما هي في حقيقة الأمر إحدى الأذرع الاقتصادية الفاسدة للحرس الثوري ـ على مخالفاتها في مشروع حقل “ساوث بارس” للغاز المشترك بين إيران وقطر. كما صارت أية شركة أجنبية تخشى الدخول أو المساهمة في أي مشروع لتطوير الحقل الذي تستنزف خيراته منظمة الحرس الثوري الإرهابية خشية وقوعها تحت طائلة عقوبات أميركية.

حتى الجزء المفرج عنه من الأصول الإيرانية في الخارج نتيجة الاتفاق النووي، والمقدرة بما بين 30 و50 مليار دولار، تجد طهران صعوبة في استرداده نتيجة إحجام البنوك عن التعامل معها مالياً لأن القادة الإيرانيون وعلى رأسهم المرشد الصفوي خامنئي ومحمد علي جعفري، يتحدثان وبأعلى صوت ويتفاخران بأن هناك أكثر من ٢٠٠ ألف مقاتل تابعين للحرس الثوري الإرهابي يقاتلون في دول عربية، فمن أين سيأتي تمويلهم إن لم يكن من المليارات التي لن تعرف طريقها الى طهران؟.

ولا يريد أي بنك أو يرغب بالوقوع تحت طائلة معايير وزارة الخزانة الأميركية، التي غرمت بنك “بي إن بي باريبا” (BNP Paribas) والذي يشكل مجموعة بنكية عالمية فرنسية مقرها الرئيس في باريس، ولديها مقر عالمي آخر في لندن. قبل عامين نحو 9 مليارات دولار نتيجة تعاملاته المالية مع إيران، وحظرت وحدة تمويل النفط والغاز في البنك الفرنسي من أية تعاملات داخل الولايات المتحدة الأميركية.

ورغم إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني عن صفقات تجارية بمليارات الدولارات مع شركات غربية، منها صفقات بنحو 50 مليار دولار كان قد عقدها خلال زيارته لإيطاليا وفرنسا، وبينها صفقة بنحو 27 مليار دولار مع عملاق صناعة الطائرات “إيرباص”، فإن تحويل تلك الإعلانات الدعائية إلى صفقات حقيقية، ما زال بعيد المنال بسبب التمويل الذي يذكرنا بتجارة جحا بالبيض.

حتى ما باعته إيران من نفطها لدول أوروبية منذ الاتفاق المذل، وتبلغ قيمته نحو 4 مليارات دولار، لم تستطع عاصمة الصفويين تحويل عائداته إليها بسبب مخاوف البنوك. وهي بذلك تكون كمن ينتظر أن يأتي الترياق من العراق، وعلى الأرجح سيكون الملسوع مات!.

ورغم أن الإنجاز الوحيد الذي جنته إيران هو إعادة نظام سويفت (نظام تحويل النقد بين البنوك دولياً) ربط 4 بنوك إيرانية بالنظام، إلا أن تلك البنوك أيضاً، لضلوعها في عمليات فساد لا تستطيع التعامل مع البنوك الخارجية بسبب خوف تلك البنوك من التعرض للغرامة أو الحرمان من التعامل مع النظام المالي الأميركي.

وتحتاج إيران إلى ما لا يقل عن نصف تريليون دولار (500 مليار دولار) في بلد تبلغ فيه نسبة البطالة 25 بالمئة ويعاني أهله تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية على مدى سنوات من الحصار والعقوبات، لإعادة تأهيل البنية التحتية وتطوير قطاعاتها الإنتاجية، وكان روحاني قد تفاءل بأنه سيسعى لحصول إيران على 100 مليار دولار سنوياً من الاستثمارات على مدى السنوات الخمس المقبلة، مما زاد آمال الإيرانيين في تحسن أوضاعهم المعيشية بعد الاتفاق النووي بين ايران والدول الكبرى ورفع العقوبات الاقتصادية والمالية وإتاحة الفرص لدخول رؤوس الأموال الأجنبية إلى إيران.

لكن القيادة الإيرانية، والتي نخر هيكلها الفساد تتمسك بإلقاء اللوم على الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر)، وتتهمها بأنها لم تنفذ جانب رفع العقوبات من الاتفاق النووي. حتى أصبح الإيرانيون العاديون لا يأملون الكثير من الانفراج الاقتصادي والاجتماعي نتيجة رفع العقوبات، وهذا ما يفسر ضعف الاحتفالات ومهرجانات النيروز في إيران هذا العام، بل إن استطلاعات الشارع لآراء الناس العادية، لم تعد تسجل إلا مؤشر أكذوبات حكومة الملالي، وتحول تلك الآمال إلى إحباط يائس مع عدم وصول المليارات، أو خشية إن وصلت أن تذهب لمؤسسات الحرس الثوري الإرهابي دون أن تعود على المواطن الإيراني العادي بالكثير، هذا المواطن الذي إن راح يطالب روحاني أو سليماني أو ثعلباني بتراب بتلك المليارت، بتشجيع من الشيطان الأكبر، والذي قد يهمس في روعه قائلاً: لماذا لا تذهب إلى الولي الفقيه فإنه يعطي أكياس الذهب؟!. قال: أخشى منه إذا غضب أن يأمر قائد الحرس الثوري الإرهابي بقطع رأسي ووضعه في أحد تلك الأكياس كي يقدمه هدية لزوجتي.

نقلاً مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق