المالكي وإيران والدورة الثالثة

عندما بعث رئيس حكومة الاحتلال الخامسة نوري المالكي مسودة “قانون السلامة الوطنية” إلى مجلس النواب العراقي بتاريخ 4-4-2014، بغية مناقشته والتصديق عليه من ناحية، ولكي يصبح حاكماً مستبداً بصيغة رسمية من ناحية أخرى.

كان يعلم أن معظم أعضاء المجلس سوف لن يصوتوا عليه، فسياسة فرض الحل الأمني الفاشلة، والمنهجية الطائفية التي أتبعها المالكي منذ العام 2006؛ علاوة على التدهور الحالك والمزري الذي وصل إليه وضع العراق في كافة المجالات والميادين، كفيلة برفض منحه أية صلاحيات دستورية جديدة.

ولكن ما غاية المالكي من هكذا مناورة؟ ولماذا يصر على نيل دورة ثالثة لرئاسة الوزراء رغم كل الإخفاقات المزمنة في سياساته الداخلية والخارجية؟ وهل قدوم قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني إلى بغداد في الشهر الماضي لها صلة بالموضوع؟ أم أن المالكي يدرك الخطوط الحمراء في العملية السياسية، لكنه يجس نبض الموقف؟

دون شك أن حكومة المنطقة الخضراء التي يرأسها المالكي هي حكومة ظل إيرانية، وبموافقة أمريكية منذ زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى بغداد في 3 آذار/مارس 2008. فضلاً عن دور قاسم سليماني السلبي منذ دخول قوات الإحتلال الأمريكي إلى بغداد في 9 نيسان/أبريل 2003. وبما أن المالكي أدى وما يزال يؤدي دور “حصان طروادة” على أفضل صورة في خدمة طغمة الملالي الصفوية الحاكمة في إيران، لذا ليس من المستبعد أن منحته موافقة البقاء على رأس السلطة التنفيذية لدورة ثالثة، كما أيدته في الدورتين السابقتين 2006 و 2010. بل أن الإنتخابات الأخيرة قد فرضت عمائم إيران فوز المالكي فرضاً مريباً بعد خسارته 89 إلى 91 مقعداً برلمانياً أمام “القائمة العراقية” التي تزعمها أياد علاوي وقتذاك.

وبذا تجد أن تحركات المالكي الأمنية والعسكرية سيما في بغداد توحي على أنه يتجه لإعلان حالة طوارئ قُبيل الإنتخابات العامة التي ستجري في 30-4-2014، أو في حال إلمامه بنتائج خسارته الحتمية. ولهذا تجد أن عراب الإحتلال الأمريكي أحمد الجلبي قد ذكر يوم السبت الماضي الموافق 5-4-2014 على صفحته الشخصية في موقع التواصل الإجتماعي على الفيس بوك، قائلاً: أن “الأمور تتجه إلى ما لا يبشر بالخير، إذ تم قبل يومين إلغاء تسمية اللوائين 56 (بغداد) و 57 (لواء حماية المالكي) وتشكيل قيادة القوات الخاصة من اللوائين وكذلك إضافة لواء ثالث يشكل من منطقة طوريج مسقط رأس المالكي والمناطق المحيطة بها حصراً ويتمركز في مطار بغداد للسيطرة على مناطق الكرخ”.

وأشار الجلبي أيضاً إلى أن “هذه القيادة ستعمل بأمرة محمد رضا آل حيدر وكذلك بتنسيق عالي مع مجموعات مسلحة للسيطرة على مناطق الرصافة ومن ثم إعلان تأجيل أو إلغاء الإنتخابات”. وحسب مدونة الجلبي فإن “اللواء الثالث المستحدث سيشكل خلال أسبوعين فقط، وإن محمد رضا آل حيدر يرتبط إرتباطاً مباشراً بأحمد المالكي (نجل نوري المالكي) والحجي ياسر صخيل (أبو رحاب صِهر المالكي) ولا يأخذ الأوامر من أي جهة أخرى”.

إن ما يدعم قول الجلبي في هذا الخصوص، هي الأوامر التي يصدرها المالكي بإعتباره القائد العام للقوات المسلحة دونما إكتراث للدستور أو القانون عندما يتصل الأمر بحماية سلطته وتسلطته. ولذلك عندما أمر بتشكيل “قيادة عمليات بابل” وأرسل أحد أقاربه: اللواء صالح قائداً عليها، فقد تجاوز المالكي على قانون إدارة المحافظات الرقم 21 المعدل لسنة 2008، والذي ينص على مشاورة وإعلام المحافظ عند إتخاذ قراراً يخص المحافظة. ولقد عبرت إدارة المحافظة عن مفاجأتها لقرار المالكي، بل أن “قيادة عمليات الفرات الأوسط” التي تضم محافظات وسط العراق، لم يكن لها إطلاع ما على التشكيل المستحدث في بابل خارج عن قيادتها. مما يعني أستمرار المالكي في هوس الهاجس الأمني والتفرد بالسلطة على حساب العملية السياسية والديموقراطية والعراق الجديد وغيرها من المفردات التي تشدق بها المالكي وغيره، وصارت فارغة عن معناها، وجافة عن فحواها.

إن إقدام المالكي المتوقع في حالة إعلان الطوارئ أو إلغاء الإنتخابات لكي يرأس حكومة تصريف أعمال تسعفه بالإستمرار في دفة السلطة، لها عدة أسباب تدفعه إلى إتخاذ مثل هكذا خطوة خطرة؛ ومن بينها:

أولاً: في منتصف شهر آيار/مايو ستنتهي الفترة القانونية المحددة من زمنية مجلس النواب العراقي، ولكي يملي المالكي هذه الفجوة في هيكلية الدولة، سيعمل على فرض نفسه بإعتباره رأس السلطة التنفيذية في البلاد، وبالتالي سيكسب مرحلة سياسية عاجلة، ولكن لا أحد يتكهن بوقتية نهايتها.

ثانياً: عندما أمر قاسم سليماني الكتلة الشيعية في “إئتلاف التحالف الوطني” بأن تتجاوز خلافاتها، لأن “الأولوية لسوريا”، فإن بقاء المالكي لدورة ثالثة يعد أمراً ضرورياً لدى إيران التي لا تحبذ سياسة التغيير الآن أو في الزمن المنظور، خشية على مستقبلية مشروعها الطائفي بالمنطقة العربية الذي يلاقي معارضة متصاعدة من الغالبية العظمى للسُّنة.

ثالثاً: إن الملفات المتعلقة بقضايا الفساد المالي والإدراي، والسجون السرية، والإعتقالات العشوائية، وجرائم القتل الفردي والجماعي التي ترتكبها “قوات سوات” أو الميليشيات الطائفية التي ترتبط بمكتب المالكي، فكل تلك الملفات سوف تطارد المالكي ودائرته الضيقة آجلاً أو عاجلاً، والمنأى الوحيد الذي يعطل مسائلة ومحاسبة المالكي وعائلته والمقربين منه، هو التشبث بمقاليد السلطة بشتى الوسائل والطُرق.

رابعاً: بإستطاعة المالكي مضاعفة الفوضى والإضطراب الحاصلة في وتيرة العملية السياسية البائسة، سواء في إفتعال الأزمات أو الهجمات المباشرة. ومن جملة ذلك:

أ- إنقضاض المالكي على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، فور عودة المالكي من زيارته إلى واشنطن أواخر 2011، وعبر الفقرة الشهيرة: “المادة 4 إرهاب”، قد لاحق المالكي طارق الهاشمي، وكذلك وزير المالية رافع العيساوي وغيرهما الكثير، فمنهم مَنْ قبع بدهاليز السجون، أو وَلّى هارباً بجلده.

ب- عمل المالكي بكل مثابرة قوية على تسطيح السلطة التشريعية، حتى إنه في خطابه الأسبوعي بتاريخ 5-3-2014 قال: إن “البرلمان أنتهت ولايته وهيئة رئاسته أعلنت نهايته”، وأضاف: “أمس قررنا في مجلس الوزراء بالأغلبية تنفيذ الميزانية الحالية للدولة سواء صادق عليها البرلمان أم لا”!

ج- سيطرة المالكي الخفية على السلطة القضائية، ومن خلالها تمكن من إصدر أحكام الإعدام على خصومه السياسيين، ومنهم طارق الهاشمي الذي لاذ بالفرار قبل إستفحال الأمر ضده. ومن بين الأدلة الأخرى تقديمه شكوى إلى المحكمة الإتحادية ضد ممارسات وأعمال البرلمان، مُعَبِراً عن إطمئنانه وثقته سلفاً بحكم المحكمة قائلاً: “إننا نأمل أن يعمل أعضاء مجلس النواب بشجاعة بقرار المحكمة”.

خامساً: قدرة المالكي على تفجير الوضع الأمني وإرتكاب المجازر، ولقد تجلى ذلك في المسلسل المأسآوي اليومي من المفخخات والإعتقالات والإغتيالات التي طالت أغلب مناطق العراق، وكذلك المجازر الدموية المقصودة في حق المدنيين سيما تجاه السُّنة، وأحدثها ما جرى من قتلٍ مريعٍ في بهرز بمحافظة ديالى بتاريخ 24-3-2014.

إن الجانب الآخر الذي يجعل المالكي متمسكاً ومتفرداً في السلطة هو تنفيذه لمرحلة مهمة في المشروع الصفوي الإيراني، عندما هاجم مخيمات الإعتصام السلمية في الرمادي بتاريخ 30 كانون الأول/يناير 2013. ومع مطلع عام 2014، شن حربه الهمجية على العشائر العربية في محافظة الأنبار، وإن الأخيرة تعتبر من أكبر المحافظات، حيث تشكل ثلث مساحة العراق، وإنها تشترك بالحدود مع ثلاث دول عربية: سوريا والأردن والسعودية. وبما أن إيران تروم إلى التحكم بهذه الحدود لتجعلها المجسات المتقدمة في توسيع أذرعها الأخطبوطية الصفوية، وخصوصاً مع الشمال السعودي حيث حائل وعسير وغيرها من المناطق الشيعية، لذا كان لزاماً على المالكي إفتعال أية مواجهة مع المتظاهرين السلميين لأكثر من سنة. وبعد أن أطلق عباراته غير اللائقة أخلاقياً ووطنياً، ونعتهم بالفقاعة تارة، والنتنة تارة أخرى؛ إتجه لتأجيج الفتنة الطائفية قائلاً: “بيننا وبينهم بحر من الدم”. ومع بداية حملته العسكرية قال: “إن أحفاد الحسين يقاتلون أحفاد يزيد”. وكأن عشائر الأنبار هي التي بايعت ثم قاتلت الحسين رضي الله عنه.

ورغم أن المالكي أراد من حربه على الأنبار أن يضرب عصفوين بحجر، كسر إرادة المعارضين لسياساته الطائفية من جهة ومن جهة أخرى، تمكين إيران بالنفاذ لحدود الدول العربية الثلاث، سواء في خلق ظهير داعم للنظام السوري المرتبط بالإستراتيجية الإيرانية، أو في الوصول البري المباشر داخل الأردن والسعودية. وبما ثوار العشائر العربية تصدت بكل بسالة لقوات المالكي الطائفية وألحقت فيها خسائر جسيمة بالأرواح والمعدات، فإن ورطة المالكي بدأت تتسع وتشتعل أكثر في بقية المحافظات الثائرة، ومع أقتراب موعد الإنتخابات التشريعية العامة، فإن المالكي قد يعالج خسائره الإنتخابية والعسكرية والأمنية بالطريقة التي كشف عنها أحمد الجلبي.

كما وأن إقدام المالكي على هكذا تنفيذ لا يكون من تلقاء نفسه دون تأييد واضح وصريح من طهران قبل واشنطن، بل أن إدارة أوباما التي غضت الطرف عن إجرام المالكي عبر حمم قذائف القصف الجوي والبري على المدنيين، والتي تسببت بنزوح أكثر من نصف مليون وقتلت المئات وجرحت الآلآف، وكأنها تقول للمالكي أثأر لقتلانا. حيث أن أول هزيمة تعرض لها الجيش الأمريكي في العراق كانت في الفلوجة، وإن أفدح الخسائر التي تعرضت لها قوات الإحتلال الأمريكي كانت في محافظة الأنبار.

 عندما يتطرق المالكي في كلمته الأسبوعية في 2-4-2014 قائلاً: ” هناك محاولة للإساءة للعملية الإنتخابية من خلال إشاعة أجواء أحتمال التزوير عبر العد والفرز وعبر إدخال البيانات وعبر أي عملية من عمليات العد والفرز، وأنا أطلعت ووجدت أن هناك إجراءات جيدة من المفوضية تمنع حصول هكذا عمليات وأخطر هذه العمليات هي التي تحصل في البرنامج الإنتخابي”. إن ما يقوله المالكي ليس أكثر من تقزيم للحقيقة وإستغفال للعقول العراقية، وكأنه قد أعتمد فعلاً في الدورتين السابقتين على النهج الديموقراطي الصحيح في وصوله لمنصب رئاسة مجلس الوزراء.

بل الأنكى من ذلك إن المالكي يتحدث عن الإنتخابات في الوقت الذي أعد سلفاً قانوناً، ثم كلف فيه وزير الدولة لشؤون مجلس النواب صفاء الدين الصافي أن يبعث “قانون السلامة الوطنية” إلى رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي لعرضه على مجلس النواب بغية تشريعه. ومن بين فقرات القانون أن يمنح رئيس الوزراء صلاحيات فرض القيود على حريات المواطنين في الإنتقال والمرور والتجول في أماكن معينة، وإعتقال الأشخاص على الشُبهة، وحظر الدخول في بعض الأماكن حظراً تاماً، ويسري الأمر أيضاً على حرية الإجتماع وتفريق الإجتماعات والتجمعات بالقوة وفرض قيود على السفر إلى خارج العراق أو القدوم إليه. بالإضافة إلى فرض الرقابة على وسائل الإعلام البريدية والبرقية وكافة وسائل الإتصال السلكية واللاسلكية والإلكترونية وتفتيشها وضبطها.

ولذلك أعرب رئيس كتلة الأحرار النيابة السابق النائب بهاء الأعرجي عن مخاوفه من إعلان حالة الطوارئ في العراق، موضحاً إن التصويت على هذا القانون يعني إعلان حالة الطوارئ في البلاد، وإذا كانت “كتلة الأحرار” في مجلس النواب والتابعة للتيار الصدري، المنضوية ضمن “إئتلاف التحالف الوطني”، تخشى من تشريع هكذا قانون، فما هو القول مع القوى الرافضة أصلاً للمالكي وللصفوية الإيرانية المسيطرة على المشهد السياسي العراقي. بصدق إن القانون الجديد إنما المراد منه أستهداف القوى الوطنية والعروبية التي ثارت ضد بطش وجبروت المالكي. فإذا كان تثبيت المالكي لدورة ثالثة مطلباً إيرانياً، فعلى التيار الصدري وبقية أعضاء كتلة “إئتلاف التحالف الوطني” الخضوع والتنفيذ، ولنا في الدورتين السابقتين خير دليل، فاللعبة ربما ستبقى بين المالكي وإيران لدورة الثالثة.

د. عماد الدين الجبوري

كاتب وباحث عراقي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق