العين العربية على موريتانيا

رغم ما قدمه المغرب العربي من رجالات رفعوا شأن الفكر القومي والإسلامي، ورغم كل التضحيات التحررية التي بذلها الشعب العربي في تلك الأقطار، إلا أنه بقي ملحقا تاليا أو ثانويا لسياسات الدول العربية الكبري (العراق، مصر، السعودية، سورية). بل أصبح الدور المناط به في إطار العمل الكلي العربي دورا لا يتجاوز حدود الإقليم المغاربي، مما دفع لدعاة الانعزال الداخلي أو الانفتاح علي الثقافة الفرنسية الباب واسعا في سعيهم للخروج من المنظومة العربية.
وشكلت موريتانيا ـ أقصي الغرب العربي ـ جزءا من تلك الدول المغاربية المنسية شرقا، مما برر لقلة من مثقفيها انفتاحهم علي العلاقات مع الكيان الصهيوني ـ بعد أن قامت مصر أكبر الدول العربية دورا بذلك ـ، ونتيجة انعدام الدعم المادي من الدول الغنية لدولة بمساحتها الشاسعة وثرواتها القليلة.

ورغم التعثر الذي ناله انقلاب حزب البعث في موريتانيا بعد سقوط بغداد، والذي لو كتب له النجاح لكان ضربة كبري لمعادي الفكر القومي من جهة وللولايات المتحدة التي تزعم أنها أسقطت الحزب في العراق من جهة أخري، رغم ذلك فإن انقلابا عسكريا لاحقا أعاد للذاكرة العربية زمن الانقلابات التي سادت بعيد الاستقلالات العربية، وطرح البعض فكرة العدوي الانقلابية باتجاه الشرق.
وأسقط هذا النظام العسكري كل نظائره الانقلابيين بمحاولة مأسسته للديمقراطية في بلاده، وتنحيه طوعا عن كرسي طالما قُدم الشعب العربي قرابين له، وهو شعار رفعه أسلافه في البلاد العربية ليتخلوا عنه لاحقا وليضربوا بيد من حديد من تناول وعودهم المنكوصة.
ورغم ما يطرح هنا أو هناك من بعض من التجاوزات أو محاولات لخرق التجربة بتثقيل طرف علي حساب آخر، إلا أن مجرد التجربة تعتبر سابقة في التاريخ العربي المعاصر، وإن كان التعويل عليها بتحويل ديمقراطي كامل في موريتانيا ما يزال مبكرا، إلا أن المنتظر منها التأسيس للدمقرطة ولو فكريا في مراحلها الأولي، وتحويل موريتانيا من دولة هامشية في الفعل العربي ـ رغم كل رجالاتها ـ إلي دولة منظرة وفاعلة للديمقراطية العربية، وحتي تنال تلك المرتبة يبقي عليها مجموعة من الاستحقاقات إن تداركتها أفسحت المجال لذاتها لقيادة فعل عربي جديد، وعلّ من تلك الخطوات:

  • السير أولا في طريق الانتخابات بالطرق السلمية الحضارية التي تبرز الوعي الثقافي للشعب العربي في موريتانيا، وذلك حتي نهايته، واحترام النتائج مهما أثمرت عنه أولياً.
  • العمل علي المواءمة بين الفكر الديمقراطي ـ من الناحية النظرية ـ وبين القوانين المجتمعية السائدة في العرف الموريتاني ـ من الناحية العملية ـ لتحاشي أن تتقدم الفكرة علي الواقع وتسبقه مما يولد لاحقا رفضا مجتمعيا لها.
  • حماية التجربة من خلال توسيع عملية المأسسة التي يناط بها الترسيخ للفكر الديمقراطي وصيانة آلياته.
  • ـ التأسيس فكريا وعملاتيا لما بعد التجربة الأولي من خلال تعزيز دور الأحزاب السياسية بعمل اندماج أو اتحاد أو ائتلاف فيما بينها حتي تتضح أبعاد التوجهات السياسية دون تشتيت للأصوات بين أحزاب تكاد تكرر ذاتها.
  • ومن تلك الآليات المناطة بأصحاب الفكر القومي ـ وسواهم ـ في موريتانيا، العمل علي إعادة صياغة خطابهم بما يتيح لفكر قومي جديد أن ينطلق من مغرب الأرض العربية عله يستنهض شرقها المنهك فكريا وعسكري.

من ذلك فإن العين الحاكمة العربية ترقب ما يجري في موريتانيا من جهة وعينها الأخري علي قادة جيوشها خشية من تجربة مماثلة إن نجحت في موريتانيا، فيما عين الشارع العربي ترقب نجاح التجربة من جهة وعينها هي الأخري علي جيوشها المنهكة من قلة الحراك.
فهل سيكتب لهذه التجربة أن تنقل عدوي انقلابية ديمقراطية إلي محيطها المغاربي أولا، وإلي بيئتها العربية لاحقا.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن صحيفة القدس العربي

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق