الضفة الغربية قيد الاختراق الإيراني

بيئة جديدة تسعى إيران لاختراقها عربياً، من خلال فتح قنوات مصلحية تسهل خلق تبعية فلسطينية جديدة لها في الضفة الغربية، عبر السعي إلى صناعة مجموعات مسلحة ودعمها ببعض الأسلحة، ضمن عملية استقطاب فلسطيني- فلسطيني تساهم في خلق انقسامات عربية، تستطيع إيران من خلالها محاصرة أي جهد محلي أو عربي لإعادة تصفية الأجواء الفلسطينية وتعزيز مسار المصالحات الوطنية.

اللافت في الأمر، أن هذا الفعل العسكري الإيراني يأتي تماماً عقب العدوان الإسرائيلي على غزة، وبالتوافق مع السلوك الإسرائيلي الرامي لإسقاط ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس، بعد أن بدت هذه المرة أقوى من كل المحاولات السابقة لها، وهو ديدن التوغل الإيراني في الدول العربية، عبر تشتيت كل الجهود الذاتية الرامية إلى رأب الصدوع القائمة، وخلق ملفات متأزمة جديدة، تودي بكل الجهود السياسية والدبلوماسية.

لا تسعى إيران بالمطلق إلى فعل عسكري حقيقي ينتزع الحق الفلسطيني من مغتصبيه، ولا يرمي إلى فرض مسارات سياسية تنازلية على الكيان الإسرائيلي، وكان لها أن تفعل ذلك لو شاءت، فالموضوع مرتبط بإرادة المرشد وليس بانعدام القدرة على الفعل، ويلاحظ ذلك في الصمت الذي ترافق مع العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، من قبل إيران وحزب الله، قبل أن تكون تصريحاتهم أقل مما هو معتاد في ذلك. بل ربطت موضوع التصعيد و”الجهاد” في فلسطين، بانتظار فتوى المرشد وأتباعه، في حين لم تكن الآلة العسكرية الإيرانية بحاجة لمثل هذه الفتوى في بيئات عربية وضد الشعوب العربية، أثناء المشاركة في عملية إبادة واسعة لها.

وفي هذا الإطار، فإن التصريحات الإيرانية بالسعي لخلق ميليشيات مسلحة في الضفة الغربية، هي أقرب ما يمكن إلى فعل سابق اعتمدته في سورية، عبر خلق ودعم تنظيم داعش الإرهابي، لمحاصرة الثورة السورية وإجهاض أركانها في عدة مناطق، خاصة في المناطق الشرقية من سورية، ذات الأمر تسعى إيران إلى اجتراحه في الضفة الغربية، من خلال محاصرة الشعب الفلسطيني فيها، وإجهاض أية بوادر انتفاضة قد تستشري في المدن الفلسطينية، وخاصة أن مقوماتها باتت قائمة وتنتظر لحظة انفجار.

إذ لا يمكن لأي تنظيم من صناعة إيرانية، إلا أن يرتبط بها عقائدياً وفق منظور ديني، شبيه بحزب الله وداعش وعصائب أهل الحق وسواها الكثير، ويساهم في تصعيد الانفلات الديني والدفع نحو مزيد من الحروب المذهبية، حتى تحصد إيران وإسرائيل نتائجها معاً في تقاطع مصالح آخر بينهما.

خلق مجموعات جهادية متطرفة في الضفة الغربية، ينعكس كذلك على الأدوار العربية الخليجية في فلسطين، من خلال اختراقها عبر هذه المجموعات، وتأزيم العمل العربي، وفرض أجندات مصلحية – تساومية كالتي تتم في دول الجوار، أو على شاكلة الحوثيين في اليمن. بحيث تفاوض إيران كلاً من الدول العربية من جهة على مصالح في بيئات أخرى، وتفاوض الغرب كذلك من خلال دفع تلك المجموعات إلى عمليات عسكرية محدودة تستجلب لها مصالح إقليمية واسعة.

ما تزال إيران العبء الإقليمي الأكبر على الشرق الأوسط، واللاعب العسكري الأكبر فيه، دون أن تواجه بذات الأدوات التي تستخدمها، ونقصد هنا العسكرية والتغلغل المصلحي والتوظيف العقائدي، وخاصة أن البيئات الأقلوية في إيران، تعاني من اضطرابات شديدة، وخاصة العربية في الأحواز المحتلة، والتي يمكن أن تشكل نواة عمل عربي مضاد لإيران، وموازن لها، من خلال استحداث بؤر مدعومة عسكرياً وسياسياً، والاستناد إلى حقوقها التاريخية في عملية عكس الأجندة الإيرانية إلى داخلها.

لن تنثني إيران عن مشروعها التدخلي بطابع احتلالي استيطاني في الدول العربية، إلا بمشاريع عربية مضادة لها، وتنعكس سلباً على مصالحها الإقليمية، ومن ذلك يمكن تعزيز العلاقات ودعمها في الملفات المتأزمة مع دول الجوار الإيراني كافة، وهو ما سيؤكد لإيران وجود فعالية مضادة لها، قادرة على الإضرار بمصالحها، وصولاً إلى الإضرار بأمنها القومي، بل ونقل حالة الاحتراب التي زرعتها في الدول العربية إلى داخلها، وتهديد وحدة كيانها السياسي والجغرافي.

فمشروع إيران في الضفة الغربية، لن يكون آخر المشاريع الإيرانية، بل مجرد أداة تتقدم بها على محيطها الإقليمي الخليجي، ويدعمها في الخطوات اللاحقة، والتي يمكن أن تكون ميليشيات دينية داخل دول الخليج العربي ذاتها، عبر استغلال الأقليات المشحونة طائفياً-إيرانياً طيلة الأعوام السابقة.

كما أن تهريب السلاح إلى ميليشيات مزروعة في الضفة الغربية لخدمة مصالح إيرانية، لن يكون إلا عبر اختراق الأراضي الأردنية، وضرب أمنها الوطني، وجرّ الأردن إلى حالة العسكرة، ولربما من خلال دفع الإرهاب الداعشي أو ما شابهه إلى العمل على الأراضي الأردنية في تكرار لسيناريو الحوثيين، ومنه يمكن اختراق الحدود الأردنية – الفلسطينية وصولاً إلى مدن الضفة الغربية.

وكما استفاد نظام الأسد من تنظيم داعش في محاصرة الثورة السورية، فإن إسرائيل كذلك مستفيدة من خلق ذات التنظيمات التكفيرية في عملية إلهاء عسكري للفلسطينيين فيما بينهم، ومبرراً أكبر لترسيخ مشروع الدولة اليهودية الخالصة، وتعزيزاً للعمل العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية تحت ذرائع “مكافحة الإرهاب”، بطابع دولي توافقي.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق