السعودية تنتقل من مواجهة التدخلات الإيرانية إلى وقفها

بدأت السعودية بحراك خليجي تحول إلى حراك عربي وإسلامي ودولي بعدما وجدت السعودية أن إيران مسكونة بل مأزومة بأيديولوجية عمياء من عقل هجين بين مشروع فارسي غلفته بالمذهبية الشيعية في صورة ولاية الفقيه الطائفية التي تقوم على الهواجس والأوهام تفصل أتباعها عن الواقع تجعلهم لا يرون سوى خرافتها، كما الحال زمن الشوفينية السوفيتية والنازية الألمانية وإيطاليا الفاشية، لكن التاريخ لم يمهلها بينما شوفينية ولاية الفقيه التي تعني النيابة التامة عن الإمام المهدي وهو ما لم يقل به أحد من علماء الشيعة السابقين، مما يدلل على أنها لا أساس لها رغم ذلك تلعب عليها استخبارات دول عالمية لتفتيت المنطقة.

الخميني سعى لتكريس السلطة، بالتمهيد لقيام دولة الفقيه، والتصور الذي وضعه الدستور لمنصب القائد العام وصفاته ووظائفه وسلطاته وصلاحياته ومهامه وأدواره، أتاح له بأن يقيم دولة داخل الدولة في زمن كان العرب في حالة من الصراع البيني، استثمره الخميني أحسن استثمار في توسيع سلطاته، كانت البداية بتشكيل حزب الله في لبنان رغم الحرب العراقية الإيرانية القائمة في ذلك الوقت، ومن ثم بعد احتلال أميركا العراق تم استهداف الجيش الأمريكي من جبهات عدة من إيرانية والقاعدة وطوائف أخرى تقاتل ضد التواجد الأمريكي بعدما كان الجيش الأمريكي يتوقع أن يستقبل بالورود، رغم أن الجلبي وأتباعه التابعين لإيران الذين شجعوا أمريكا للدخول إلى العراق ضد صدام حسين أتوا على ظهر الدبابة الأمريكية بدعم الأكراد أيضا للتخلص من صدام حسين.

 لكن في النهاية سلم بوش العراق لإيران، وهو ما قلب الطاولة ضد المحور السني في المنطقة، وخلق صراع سني شيعي أي أنه نفذ توصيات مراكز الأبحاث الأمريكية بإثارة الحساسية بين المذهبين الإسلاميين على غرار الحرب التي استمرت ثلاثة قرون بين المذهب البروستانتي والكاثولوكي، زاد من خلخلة المنطقة بعد ثورات الزلزال العربي الذي ضرب المنطقة العربية عندما تسلم الحكم المحور إلإخواني، فأصبحت منطقة الخليج بين فكي كماشة يمكن أن يطبقا على دول الخليج وخصوصا السعودية.

بعد الاتفاق النووي مع إيران الذي كانت إدارة أوباما والزعماء الأوربيين يأملون بأن يكون الاتفاق داعما للتيار المعتدل داخل إيران يشيرون إلى انتخابات فبراير 2016 لكن اكتشفت إدارة أوباما كيف أنه تم نزع الأهلية السياسية واستبعاد الغالبية العظمى من المرشحين الموالين لحسن روحاني، ولا يريدون لروحاني ولا حلفائه أن يجنوا ثمار الجهود المبذولة في الاتفاق النووي.

بدأ الملك سلمان بعقد قمة عربية لاتينية حينها صرح الرئيس المصري السيسي بأن هناك بعض دول المنطقة تواجه تفككا وانقساما وتهديدا لأسس وعوامل العيش بين مكونات شعوبها، بالطبع هو لا يقصد سوريا التي تعيش حرب ضروس نتيجة حروب بالوكالة إقليميا ودوليا حتى أصبحت تهدد أمن الدول الإقليمية، ولكنه يقصد لبنان والعراق وليبيا.

هناك دبلوماسية سعودية هادئة لسحب ورقة الدعم الروسي من إيران بالتعاون مع دولة الإمراات، بعد زيارة وفد برلماني سعودي يشرح لموسكو أهمية دورها في مواجهة إرهاب طهران، مستثمرا مخاوف البلدين المشتركة من تقاربها مع واشنطن، بعد أن نهجت الدبلوماسية السعودية الواقعية بعيدا عن التشنج نتيجة التدخل الروسي في سوريا وهي حسابات قصيرة النظر، حيث ترى السعودية أن الاقتراب من روسيا أكثر فأكثر على قاعدة تثمين عناصر الالتقاء معها والتخفيف ما أمكن من عناصر الاختلاف، خصوصا وأن السعودية تختلف مع تركيا في خطها التشنجي مع دولة عظمى كروسيا عضو في مجلس الأمن، وتعتبرها أن إدارتها كانت سيئة تجعلها خارج سياق الحل السياسي السوري رغم أنها الدولة الأكثر شعورا بالتهديد نتيجة هذه الحرب نتيجة خشيتها من التورط منذ البداية، وقد تكون تلك الإدارة التشنجية لتركيا جعلت روسيا أكثر حاجة إلى الدور السعودي بعد فقدان الأمل في تركيا.

وتشترك كل من السعودية وروسيا حول القلق من التقارب الإيراني الأمريكي، خصوصا بعدما وصول التيار الإصلاحي في العاصمة طهران الذين تعول عليهم أمريكا في خطوة غير متوقعة، حتى أن التيار الإصلاحي لم يكن يتوقع تلك النتيجة بأن يحصل على 29 مقعدا من أصل 30 مقعدا في طهران وقد ينسحب على بقية المدن الكبرى، أي أن يدخلوا البرلمان من أوسع أبوابه العريضة، والمفاجأة الكبرى في فوز الإصلاحيين في انتخابات مجلس خبراء القيادة، وأصبح محمد يزدي خارج هذه الدائرة، صحيح أن الفائزين هم إصلاحيون ولكنهم من المحافظين الذين اتجهوا للوسط.

ولدى روسيا أيضا مصلحة في ملف استقرار أسعار النفط الذي أثر على اقتصاد البلدين، وأثبتت السعودية لموسكو أن إيران تحاول الهيمنة على المنطقة من أجل المقايضة في علاقاتها مع واشنطن وتحسين شروط التفاوض من أجل رفع الحصار الاقتصادي عنها، الذي يمكن أن تضحي بالحليف حتى الروسي الذي تعتبره حليفا مرحليا وليس إستراتيجيا، مثلما تعتبر موسكو طهران حليف إستراتيجي من أجل الوصول إلى مياه الخليج الدافئ، يمكن أن تعوض السعودية ودول الخليج خصوصا دولة الإمارات روسيا وتمكينها من مشاريع مشتركة ووصولها إلى المياه الدافئة التي تمح إليها عبر الشراكات الاقتصادية والمشاريع المشتركة، خصوصا وأن روسيا تعتبر السعودية بوابة إلى العواصم العربية، وهذا يتضح من إطلاع بوتين الملك سلمان على تفاصيل البيان الروسي الأمريكي المشترك حول التسوية في سوريا الذي تحرص إيران على خرقه عن طريق ذراعها حزب الله شريك النظام السوري.

وقف السعودية مساعدات دعم الجيش والقوات الأمنية البالغة نحو أربعة مليارات دولار، هي من أجل احتضان وإنقاذ لبنان، حيث تقيم السعودية مع لبنان روابط اقتصادية وسياسية متينة منذ اتفاق الطائف وإعادة إعماره بعد الحرب الأهلية وصولا إلى حرب يوليو ،2006 ولم تترك وسيلة من وسائل الدعم إلا وقدمتها إلى لبنان، لكن قوضتها سياسة حزب الله، ومواقف وزير الخارجية المحسوب عليهم.

ما الزحف إلى السفارة السعودية في بيروت، إلا تأكيد على رفض الأسر الإيراني، وهو ما يستدعي مساعدة الأشقاء، رغم ذلك وهو ما كان متوقعا من حزب الله عندما رفع سقف الأزمة بدلا من احتوائها، وطالب السعودية بالاعتذار للبنان على لسان نعيم نائب رئيس الحزب حسن نصر الله، يدخل لبنان في أزمة متواصلة أو في مواجهة مستقبلية بين الشعب اللبناني والحزب.

 وعلى اللبنانيين أن يعرفوا أن السعودية لن تتخلى عنهم وستظل مع الشعب اللبناني والدولة الواحدة الحرة والمستقلة الخالية من الانقسام الطائفي، حتى أن جعجع دعا الفريق السيادي في الحكومة لوضع استراتيجية لمواجهة حزب الله وقال من لا يتحمل مسؤولياته فليرحل، وقال أيضا إما أن نكون أو لا نكون، بل اعتبر جعجع أن حظوظ عون في الرئاسة قائمة، خصوصا وأن جعجع اعتبر عون وحده القادر على إحداث اختراق، كذلك اتهم الحريري حزب الله بأن ممارساته في الدول العربية كارثية نتيجة تدخله في سوريا وأخيرا في اليمن، وسحب تلك المساعدات هي لإحراج إيران وفضحها أمام الشعب اللبناني لتحديد موقفه من حزب الله، حيث قدمت السعودية للبنان مساعدات 70 مليار دولار مقابل 100 مليون إيرانية، بينما تغدق طهران على حزب الله 200 مليون سنويا للإنفاق العسكري و 25 مليونا مساعدات غذائية وأغطية.

إيران لم تتوقف عن مشروعها، حيث صرح جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بأن واشنطن أوقفت شحنة سلاح قادمة من إيران إلى اليمن، بل إن مسؤول أمني عراقي أفصح عن تحويل إيران بلدة عراقية قرب الحدود السعودية إلى قاعدة عسكرية تابعة للحرس الثوري في بلدة النخيب بمحافظة الأنبار.

وهناك موجة غضب كردية نتيجة التغلغل الإيراني في إقليم كردستان بعد افتتاح إيران مركز الخميني التابع للحرس الثوري، والمختص بتجنيد الشباب إلى صفوف المليشيات والمخابرات الإيرانية، تحت غطاء ناد رياضي في كركوك، وهناك موجة شعبية موجهة ضد محافظ المدينة مطالبين بسرعة إغلاق المركز محذرين من سيطرة إيران على المحافظة الغنية بالنفط والقريبة من الموصل.

هناك لوم عراقي للإمارات التي تلعب دور ثنائي مع السعودية في روسيا، بسبب تأكيد وزير خارجيتها الشيخ عبد الله بن زايد الذي صرح بأنه لا فرق بين الدولة الإسلامية والنصرة وبين المليشيات الشيعية الذي لا يبرره غير قوة الولاء لإيران، وهو تصريح لوزير الخارجية الإماراتي على هامش المنتدى العربي الروسي في موسكو وهو ما يملي عليه واجب دعم عراق قوي وعادل بين جميع مواطنيه بمختلف أعراقهم وطوائفهم، يتزامن ذلك مع مظاهرات يقودها ويدعمها مقتدى الصدر لدعم الإصلاحات في العراق الذي وصف الحشد الشعبي بالوقحة والتي تقوم بعمليات ذبح واعتداء بغير حق ضد مواطنين عراقيين لا ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية.

ما يعني أن السعودية تقود مرحلة لوقف التدخل الإيراني في المنطقة، ودعم كل من يقف أمام تلك المليشيات، وحتى ولو كان من الطائفة الشيعية كمقتدى الصدر وغيره، بسبب أن السعودية تعتبر مليشيات إيران إرهابية لا تختلف عن بقية الإرهاب السني المتمثل في داعش والقاعدة، خصوصا وأن هناك تمترس طائفي لنظامي العراق وسوريا في الحكم استدعى مليشيات شيعية طائفية ساهم بشكل كبير بشكل مباشر وغير مباشر في توفير أرض خصبة للتنظيمات الإرهابية السنية لتجنيد مزيد من المقاتلين في حربهم المقدسة ضد الروافض ما جعل العبادي يرفض مقارنة قوات الحشد الشعبي بالدولة الإسلامية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق