السعودية تتعهد بهزيمة شياطين الظلام

خلال اجتماع ولي العهد الأمير محمد بن نايف في الدورة الـ 34 لمجلس وزراء الداخلية العرب في تونس في 5/4/2017 تعهد في الاجتماع بأن السعودية قادرة على هزيمة شياطين الأرض من الإرهابيين خصوصا بعد الزيادة الكبيرة في الهجمات الإرهابية حيث ارتفعت الهجمات الإرهابية من 3633 عام 2015 إلى 4151 اعتداء أي بزيادة 14 في المائة فيما بلغت هذه الزيادة 175 في المائة بالنسبة للدول الغربية وفق دراسة أجرتها شركة ( إيه أو إن ) للتأمين وإدارة المخاطر نشرت في 6/4/2017 وهي لا تمثل سوى 3 في المائة من العنف الإرهابي في العالم، كان آخرها اعتداء استكهولم التي تعرضت لعملية دهس للمارة بشاحنة صغيرة على غرار اعتداء لندن وبرلين ونيس.

اكتشف الغرب أن حصر الإرهاب في سوريا والعراق من أجل القضاء عليه غير صحيح، وأن هناك أكثر من 2500 مقاتل أوربي في سوريا والعراق سيتم القضاء عليهم، لكنهم اكتشفوا مؤخرا أن ذلك ليس بالصحيح بل هناك أفراد ولدوا ونشأوا في الاتحاد الأوربي لم يذهبوا إلى سوريا والعراق كانوا مسؤولين عن الهجمات الإرهابية الأخيرة، والآن هناك تخوف من انحسار الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش في العراق وسوريا سيقود على الأرجح إلى تفرق الشبكة الجهادية مما سيؤدي إلى مخاطر جدية على عشرات الدول في المنطقة وما بعدها وخصوصا في أوربا وآسيا قد يكون صحيحا إذا لم ينته العنف السياسي في الشرق الأوسط والتوصل إلى حلول سياسية في سوريا والعراق وليبيا واليمن.

التهديدات في أوربا حاليا هي أكثر تعقيدا وتنوعا مما كانت عليه من قبل، وتخشى أوربا من أن انهيار داعش سيكون له تأثير على أوربا ودول أخرى، وربما ستتدفق موجات من المقاتلين للعودة إلى أوطانهم وتنفيذ هجمات إرهابية فيها رغم تحقيق تقدما ملحوظا في القضاء على نقاط الضعف وأصبحت أوربا على أعلى درجة من الحذر والتأهب.

لكن من الذي يهدد أوربا؟ حجج كثيرة وحقائق قليلة أبرزها إغلاق الحدود في وجه المحتاجين استجابة متطرفة تتناقض مع القيم الأوربية التي يدعي معارضو الهجرة أنهم يدافعون عنها بحجج كثيرة منها أن المهاجرين يضعفون القيم المسيحية، ويقوضون المؤسسات الديمقراطية الليبرالية ويلبون الإرهاب ويثقلون كاهل الميزانيات العامة، وإذا كانت تلك الإدعاءات صحيحة، فإن هذا يعني أن الاتحاد الأوربي لديه من المبررات ما يكفي لإغلاق حدوده بل ملزم لإغلاقها، لكن هذه الادعاءات لا تلبث أن تصمد أمام التمحيص والتدقيق.

في حقيقة معارضو الهجرة عادة ما يشيرون إلى الانخفاض الهائل الذي طرأ على الحصة من سكان أوربا الذين يمكن تعريفهم بأنهم مسيحيون من 66.3 في المائة في أوائل القرن العشرين إلى 25.9 في المائة في عام 2010 وهو ما يعزونه جزئيا إلى اقتران معدلات الهجرة المرتفعة من دول ذات أغلبية مسلمة بانخفاض معدلات المواليد بين الأوربيين، لكنها لم تقدم أدلة على ادعاءاتها، ويتلقفها المتأسلمون ويهددون بها أوربا بل يهددون اليمنيون بأن أوربا ستصبح قارة إسلامية في غضون عقود قليلة، لكن وفقا لمؤسسة بيو للبحوث كانت حصة المسلمين من سكان أوربا تنمو بمعدل نحو نقطة مئوية واحدة كل عقد من الزمن، من 4 في المائة عام 1990 إلى 6 في المائة عام 2010 ومن المتوقع أن يشكل المسلمون نحو 8 في المائة من سكان أوربا بحلول عام 2030، أيا تكن صحة إدعاء أي فريق فالإسلام دين رحمة وليس دين تسلط وهيمنة أو دين خلافة التي ليست شرطا دينيا بل هي إحدى ممارسات الحكم عبر التاريخ.

للمملكة العربية السعودية دور في تفريغ هوس أسلمة أوربا لتطمينها وأن الدين ليس أداة تخويف من خلال رابطة العالم الإسلامي ليس فقط في أوربا بل في جميع أنحاء العالم، وهي تقود حملة ضد الكراهية التي تدعم نظريات الإرهاب وتزيد أتباعه، فنظمت مؤتمر تنوع الأديان والتعايش بينها في جنوب أفريقيا تماشيا مع سنة الخالق في وجود التعدد والتنوع، والدين الإسلامي حاضن للجميع على مر تاريخه الحضاري لأكثر من ألف سنة، وكل نصوص الإسلام تدعو إلى الحوار والسلم والتعاون بين البشر، ويركز على المشتركات وغاياتها الإنسانية واحترام حقوق الإنسان في كل ما يشمله مفهوم الكرامة الإنسانية ( ولقد كرمنا بني آدم ) ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).

أسندت تلك المهمة للعلماء والمفكرين لمواجهة الحواضن المشجعة على الكراهية وهي ترى أن الشعوب الواعية وممثلي الأديان والعلماء والمفكرين ومؤسسات التعليم ومنصات التأثير يجب أن تحارب ظاهرة الكراهية التي سببت كثيرا من المآسي وأوقدت كثيرا من الحروب.

التطرف استفاد من ظاهرة الكراهية لأنها دعمت نظرياته وزادت من أتباعه، حيث يقوم الإرهاب على أساس أن الآخر يكرهنا ويحاربنا وعندما يكون واقعيا فإنه يتحول إلى نظرية للإرهاب.

التعايش الإنساني ضرورة حتمية الذي يتسم بالتسامح والتعايش بين جميع الأديان والطوائف والأفكار التي لم يستوعبها المتشددون ولم يتعظوا من التاريخ ومآسيه، والصراع الإنساني يقوم في الأساس على صراع الأفكار التي تقوم في الأساس على المطامح السياسية التي وظفت الأديان والمتطرفين كغطاء لمصالحها.

الدين الإسلامي يخالف المتشددين أيا كان تأويلهم واستعانتهم بأحداث تاريخية ولكنها تتعارض مع آيات محكمة (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، (لكم دينكم ولي دين)، (لست عليهم بمسيطر)، (أم تكرهوا الناس أن يكونوا مؤمنين)، (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)، (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).

هذه الآيات تنهى المسلم أن ينغلق فكريا على نفسه وينهاه عن التقوقع في الدائرة الضيقة وعدم الانفتاح على الآخرين اقتداء برسول الإسلام الذي كان جاره يهوديا وتوفي ودرعه مرهونة عند يهودي، ولم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالاغتيالات التي يؤمنون بها وينسبونها للرسول الكريم، بل عفا رسول الرحمة عن اليهودية التي سممت الكتف الذي أكل منه الرسول صلى الله عليه وسلم، بل لم يأمر الرسول بقتل المنافقين وهو يعلم حقيقتهم لأنه يشرع لأمته التعامل مع الآخر من خلال الظاهر وحسن الظن وهو لا يتنافى مع الحذر وإعداد القوة ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) والإرهاب ليس المقصود منه الإرهاب الذي يعتدي على الأبرياء وإنما تخويف المعتدي من الاعتداء.

الإرهاب وظف الإسلاموفوبيا للترويج لذرائعه الإجرامية وأشادت رابطة العالم الإسلامي بمجلس العموم الكندي الذي أقر مشروع قانون يمهد الطريق أمام إجراءات مستقبلية من أجل محاربة ظاهرة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) أو معاداة الإسلام يأتي في سياق الوعي بمخاطر الكراهية الدينية على السلوك الحضاري السوي، والسلم المجتمعي فضلا عن تفويت الفرصة على التطرف الإرهابي الذي وظف حالة (الإسلاموفوبيا)، وطالبت رابطة العالم الإسلامي أن تحذو الدول الأخرى حذو مجلس العموم الكندي لتحجيم ظاهرة (الإسلاموفوبيا) وتجاوز انعكاساتها السلبية، التي حولت الأسوياء والمعتدلين الذين كانوا يتعايشون مع مجتمعاتهم إلى متطرفين وإرهابيين.

كما عقدت رابطة العالم الإسلامي مؤتمرا في مكة المكرمة حذرت فيه من ازدراء أتباع المذاهب وشددت على عدم التساهل في التكفير والتبديع والتفسيق التي تسببت في النزاع السائد بين أتباع المذاهب الإسلامية من اجل أن تحترم رابطة الدين والتعايش بين المذاهب الإسلامية دون إقصاء أي مذهب، بل طالبت بتجريم هذه الأعمال تحت طائلة المساءلة القضائية، (روافض أو وهابية أو تيمية أو صفويين وغيرها من التوصيفات التي يرفضها الإسلام).

الدولة الصفوية مثلها مثل الدولة العثمانية والدولة الأموية والعباسية وغيرها من دول الأزمة في المشاريع التي تعتدي على الآخرين وتقصيهم من الرعاية فيما اليوم الجميع يتعايش تحت سقف الدولة الوطنية، وحركة محمد بن عبد الوهاب أيضا حركة وحدت القبائل من التنابذ إلى التوحد في دولة بعد أن كانت إمارات متناحرة.

 لكن وقف الإنجليز في انضمام بقية الإمارات الخليجية التي كانت منضمة في الدولة السعودية الأولى إلى الدولة السعودية في عهد الملك عبد العزيز، بل وسمحت لإيران بالاستيلاء على الجزر الإماراتية قبل أن تستقل الإمارات عام 1971 مثلما سمحت لإيران بضم الضفة الشرقية من الخليج العربي عام 1924 التي يسكنها عرب الأحواز لخلق بداية صراع إيراني عربي لإبعادها عن ألتحالف مع ألمانيا.

في المقابل وقفت بريطانيا أمام سيطرت روسيا على إيران ولكن سمحت لروسيا أن تستقطع أجزاء من أملاك الدولة العثمانية وفقدت الدولة العثمانية أملاكها في البلقان وفي شرق أوربا بالتزامن مع فقدانها البلدان العربية، وكذلك بداية خلق صراع تركي عربي أي أن الصراع الإقليمي أوجده الإنجليز قبل أن تظهر الولايات المتحدة كقوة آحادية التي نحت بآفاق أكثر تفتيتا من التقسيم وخلق الصراع الذي أوجده الإنجليز حيث وجدت العرب والمسلمين جاهزون لمثل تلك التقسيمات بل وحتى التفتيت إن أمكن وبأيديهم لا بأيدي القوة العظمى وهو أسلوب ابتكاري فاق الخبث الإنجليزي.

كما طالبت رابطة العالم الإسلامي أهمية القضاء على الكراهية عن طريق ترسيخ القيم العليا في الإسلام الداعية للمحبة والتسامح والتعايش والوئام والحيلولة دون أسباب النزاع والفرقة والكراهية.

وخرج المؤتمر بميثاق يشدد على أهمية تصدي المسؤولين للقنوات والوسائل الإعلامية التي تثير مفاهيم الكراهية والازدراء والتحريض والتأجيج بين المسلمين أو بينهم وبين غيرهم لما فيها من المفاسد والحذر من التساهل من التصنيفات الدينية والفكرية سواء للهيئات أو المؤسسات الحكومية والأهلية والأفراد واعتبارها وقودا للفتنة بين المسلمين وهي في نفس الوقت فتيل للتطرف يتغذى عليه.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق