الدبلوماسية الإماراتية: الأدوات والأدوار

شكَّلت الدول العربية الأربعة (السعودية والعراق ومصر وسورية)، القوى الأساسية الفاعلة في العالم العربي، وتمحورت غالبية الدول العربية الأخرى حول إحدى هذه القوى الرئيسة، سواء في عمليات التعاون العربي البيني المشترك، أو ضمن مرحلة الاستقطاب العربي (الحرب العربية الباردة)، في ثمانينيات القرن العشرين، كانعكاس لمرحلة الصراع الدولي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

غير أن المتغيرات التي طرأت على بنية النظام الإقليمي العربي، بدءاً من خروج مصر عن السياق العربي عقب عملية السلام 1979، وانكفائها عن الأدوار الريادة لاحقاً. وخروج العراق أيضاً عقب غزوه للكويت عام 1990، وتدميره عقب احتلاله عام 2003. ومن ثم خروج سورية بعد ثورتها ووقوعها تحت الاحتلال الإيراني الإسنادي لنظام الأسد. جعل العبء الرئيس في إدارة الشأن العربي على المستوى الإقليمي والدولي على عاتق السعودية، بصفتها القوة العربية الوحيدة المتبقية بين تلك القوى الأربع من جهة، ولما تملكه من مقومات القوة الصلبة العسكرية والاقتصادية، والناعمة (وتحديداً الدينية)، وقدرتها على القيام بأدوار سياسية ودبلوماسية هامة على المستوى الإقليمي والدولي، وطبيعة تحالفاتها الدولية كذلك.

غير أن البيئة العربية سرعان ما شهدت بروز قوى جديدة، قادرة على إدارة جزء مهم من المتغيرات الحاصلة في البنية العربية من جهة، وملء الفراغ الحاصل عقب تمدد الثورات إلى عدة دول عربية، وتحوّل المسار الثوري إلى مسار فوضوي أدخل بعض تلك الدول في إشكاليات الصراع الداخلي وصولاً إلى الحرب الأهلية أو استدعاء القوى الإقليمية والخارجية. وأتى بروز أدوار هذه الدول، عقب إتمام مرحلة بنيانها الداخلي، وترسيخ نظمها السياسية والاقتصادية، وإحداثها لمسارات تنموية تصدرت التصنيفات العالمية، وكان من الطبيعي ضمن مسار بناء هذه الدول، أن تتحول تلك المقومات إلى أدوار خارجية فاعلة على المستوى الإقليمي والدولي.

ومن بين الأدوار التي برزت على المستوى العربي، يظهر دور الإمارات العربية المتحدة، وتحديداً منذ نهاية العقد الفائت، إذ شهدت الدبلوماسية الإماراتية تحديثاً مهماً في بنيتها ومناهج عملها وأدواتها، وذلك من خلال سبعة أدوات رئيسة، تشكل في مجملها الإطار العام للدبلوماسية الإماراتية:

أولاً- المساعدات المالية: حيث شملت هذه المساعدات دول الثورات العربية بشكل رئيس، عدا عن امتدادها إلى عديد من الدول التي تشهد كوارث طبيعية. وقد عملت هذه الأداة على اجتذاب عدة شعوب، ومنح شرعية للأدوار الإماراتية، وخاصة أن تلك المساعدات لم تكن مشروطة أو مقيدة، وكانت أداة رديفة للقروض ومستقلة عنها، وذلك لعدة دول في العالم الثالث.

ثانياً- دبلوماسية المؤتمرات: ففي إطار الدور العالمي الذي تسلكه دولة الإمارات، تسعى الدولة إلى استضافة كثير من الأنشطة الدولية والمؤتمرات الاقتصادية والعلمية، ما يشكل رافداً مهماً سواء على المستوى الاقتصادي، أو السياسي. وتشكل هذه الأداة فرصة لتعزيز التواصل مع كبار الشخصيات السياسية والاقتصادية على المستوى العالمي، وتكوين بيئات دعم عالمية للدبلوماسية الإماراتية. ويبرز بعد آخر لهذه الأداة، من خلال الأدوار الإماراتية في المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، حيث تشهد الدبلوماسية الإماراتية نشاطاً ملحوظاً أثرى الجهود الإقليمية والدولية.

ثالثاً- الأدوار الاقتصادية العالمية: وتظهر باعتبار دولة الإمارات أحد أبرز المستقطبات الاستثمارية على المستوى العالمي، عدا عن أدوارها في أسواق النفط العالمية، وكمحطة رئيسة من محطات المواصلات العالمية، ومركزاً مهماً لحركة التجارة العالمية.

رابعاً- الدبلوماسية الإعلامية: وذلك من خلال تحوّل دولة الإمارات إلى أحد أبرز أقطاب الإعلام العربي (وربّما أبرزها)، من خلال استضافة عدة محطات فضائية عربية، أو مكاتب رئيسة للمحطات العالمية.

خامساً- الوساطة: حيث دخلت الإمارات العربية المتحدة كوسيط لحل عدد من الأزمات العربية، ومن بينها الأزمة بين الثوار ونظام علي عبد الله صالح، وبين الحوثيين والحكومة اليمينة الجديدة قبل الانقلاب الحوثي.

سادساً- التحالفات السياسية: حيث تمتلك دولة الإمارات جملة تحالفات سياسية متينة مع القوى الأوروبية والأمريكية. إلا أن هذه الأداة شهدت التحديث الأبرز من خلال دورها الفعال في بناء تحالفي عاصفة الحزم والتحالف الإسلامي.

سابعاً- الأدوات العسكرية: وهي أحدث الأدوات التي تستند إليها الإمارات العربية المتحدة في سياستها الخارجية، وتبرز من خلال دورها الفعال في عمليات عاصفة الحزم في اليمن ضد الانقلاب الحوثي. ويظهر النشاط العسكري الأول للسياسة الخارجية الإماراتية، إبان المشاركة في قوات ردع الجزيرة في البحرين، لضبط الانفلات الأمني الناتج عن الحراك المذهبي فيها.

إن الأدوار الدبلوماسية الإماراتية الإقليمية والدولية، ورغم حداثتها، إلا أنها استطاعت فرض وجودها، وإثبات فعاليتها، مستفيدة من كافة الإمكانيات والإنجازات الداخلية التي تحققت لها في العقدين الماضيين، وإن كانت بحاجة إلى مزيد من تعزيز أدوارها. ولعل مكانتها في مجلس التعاون لدول الخليج العربي، هو ما أهلها بداية لتنظيم حراكها الخارجي، وتأطيره منظماتياً، عدا عما وفّره لها من بيئة دعم إقليمي، ساهم في توسيع الأدوار الإماراتية.

وفيما اندفعت بعض الدول العربية إلى تصدر العمل العربي، بما يفوق إمكاناتها الديموغرافية أو الجغرافية، أو حتى المادية، فإن دولة الإمارات تدرك مسبقاً الحدود التي تشكل عائقاً أمام تطوير الدور الخارجي، وعليه فإنّ من أبرز ما يميز سلوكها الخارجي هو الموازنة بين الإمكانات الداخلية والمتغيرات الإقليمية، حتى لا تتحمل الدولة عبئاً ينعكس لاحقاً بشكل سلبي على بنيتها الداخلية أو أدوارها الإقليمية.

وقد رسخت هذه السياسة، شرعية عربية للأدوار الخليجية بشكل عام، حيث ما كان للسعودية أن تقود عملية إنشاء تحالفات عربية وإسلامية ذات فعالية عسكرية، دون الإسناد الأول والمباشر من قبل دولة الإمارات، وهو ما منح دفعاً أكبر للدول الخليجية الأخرى (باستثناء عمان)، لتعزيز التوجه الخليجي الإقليمي، وتعزيز مكانتها فيه.

وحيث تشهد الدولة تحديثاً مهماً في ترسانتها العسكرية، سواء على مستوى المشتريات أو الصناعة العسكرية المحلية، فإنه من المتوقع أن تنعكس هذه التحديثات لاحقاً على السلوك الخارجي السياسي والدبلوماسي والعسكري للدولة، لناحية تفعيل أدوار جديدة في البيئة العربية، وتعزيز مكانتها في التحالفات القائمة. عدا عن توسيع وتنويع أدواتها الدبلوماسية، بما يعزز كذلك مكانتها وأدوارها السياسية في ذات البيئة، ضمن عملية إعادة تشكيل مفهوم القوة على المستوى العربي، والذي غدت السعودية مركزه الأساسي، بالإضافة إلى القوى الجديدة (وعلى رأسها الإمارات وقطر والمغرب)، عدا عن بعض الأدوار التي ما تزال تحتفظ بها القوى التقليدية كمصر والجزائر.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق