التدخل الإيراني في شؤون العرب

أيهما أخطر على المنطقة العربية «إيران الإسلامية» أم «دولة داعش الإسلامية»؟ بصراحة، يقول وزير الإعلام الأردني الأسبق صالح القلاب، «إيران أخطر من داعش ألف مرة»! ويضيف: «إن هذا التنظيم الإرهابي الذي تجاوز كل الحدود في جرائمه.. هو مجرد مجموعة صغيرة بالإمكان محاصرتها والقضاء عليها في النهاية. أما بالنسبة لإيران فإن الأمور أكثر تعقيداً وأكثر خطورة، فهي أصبحت عملياً تهيمن على أربع دول عربية، العراق وسوريا ولبنان واليمن». إن هيمنة إيران على العراق قد تكون كذلك الأخطر في تحليل مراسلة الشرق الأوسط «منى علمي»، التي تقول إن «مع موارد العراق الشاسعة، تبقى الميليشيات العراقية الشيعية أغنى بكثير من نسخة «حزب الله اللبناني». إيران في صراع مرير مع السعودية ودول الخليج ودول عربية أخرى، في دعمها للنظام السوري على امتداد أربع سنين ومئات الآلاف من الضحايا، رغم استياء كل عقلاء إيران والشيعة، الذين يذكرون جيداً ويعرفون أن معظم الإرهابيين الذين قدموا إلى العراق بعد عام 2003 وقتلوا آلافا مؤلفة من الشيعة كانوا يتجمعون في سوريا ويتدربون في اللاذقية وتسهل لهم سبل اختراق الحدود العراقية، وكان باستطاعة إيران أن تضغط على سوريا ولكنها لم تفعل، لأن إيران كانت مثل سوريا في خوف شديد من نجاح تجربة العراق بعد سقوط صدام.

«إيران على الجهات السعودية» يقول الإعلامي البارز عبدالرحمن الراشد ويضيف: «سبق أن التقت الرياض وطهران في أعقاب مواجهة غزو صدام حسين للكويت، وعُقد اتفاق مصالحة في زمن الرئيس الإيراني «هاشمي رفسنجاني»، وبالفعل انتهت التوترات بما فيها المعارضة والاختلافات السياسة. لكن المصالحة لم تدم أكثر من خمس سنوات حتى اكتشف السعوديون أن الجار الإيراني لم يكف عن نشاطه التصديري، لذا أعيدت المصالحة إلى الثلاجة.

إيران الآن في حالة هجوم لا مثيل لها في تاريخنا المعاصر. إيران اليوم، للأسف الشديد، وسط أربع مشاكل وأزمات لم تُفرض واحدة منها عليها، ولا مصلحة للشعب الإيراني أو عموم الشيعة في إيران وخارجها.. في أي منها!

1- التدخل في شؤون العالم العربي بوسائل غير دبلوماسية ودون مراعاة للأعراف الدولية. وأبرز مثال خلق «حزب الله» في لبنان ودعمه سياسياً ضد بقية الشيعة في لبنان وضد كافة الأقليات وضد من يعارض الحزب، وتزويد «حزب الله» بالسلاح واقحامه في الحرب ضد الشعب السوري وقواه السياسية. وهناك سياسات مماثلة في العراق على نطاق أوسع، لا يعلم أحد إلام تنتهي!

وبالطبع، لا مصلحة للإيرانيين في تبديد ثرواتهم وتدمير سمعتهم السياسية وتخريب علاقاتهم وفرص عملهم في الدول الخليجية وغيرها لمجرد أن بلادهم تتبع سياسات لم يوافقوا عليها وليس لهم حتى حق الاعتراف عليها.

2- السياسة النووية ومشاكل تخصيب اليورانيوم، رغم إقرار العالم بحق إيران مثل غيرها في الاستفادة من الاستخدام السلمي المفيد من الطاقة الذرية. ولكن ما يخيف دول المنطقة والعالم الخارجي من هذه السياسة أنها مرتبطة بتوجهات مثيرة للريبة والخوف في مجال تطوير الأسلحة الصاروخية والإعلام الراديكالي مما يضاعف عزلة إيران، إلى جانب الهدر المالي الذي لا يجرؤ أحد داخل إيران على الاعتراض عليه.

3- تتبع إيران منذ ثلاثين عاماً ونيف سياسة معادية للولايات المتحدة والدول الغربية دون مبرر مفهوم ودون أن تنجح حتى إقناع شعبها وجيرانها بمثل هذه السياسة. ومن حق إيران أن تتفق وأن تختلف مع من تشاء، ولكن ألا يعني استمرار مثل هذه السياسة أياً من معاني الفشل في السياسة الخارجية لإيران؟ وما الذي جناه الشعب الإيراني من مثل هذه السياسة سوى الفقر والحصار والعزلة وتدهور العملة وصعوبة الحصول على أي تأشيرة أو فرص العمل في أي مكان؟ ويقدر البعض أن عوائد إيران المجمدة في مصارف آسيا وحدها تبلغ 130 مليار دولار.

4- لا يفهم أحد لماذا تصر إيران على اعتبار نفسها صاحبة القرار في الشأن الفلسطيني! فالفلسطينيون شعب له قيادة ومصالح ورؤى واستراتيجية وتوازنات. وللقضية علاقات وثيقة وروابط محكمة بالعالم العربي وبمصالح لا تتحكم بها إيران ولا تستطيع أن تهيمن عليها. وقد رأينا جميعاً كيف أن الفلسطينيين انحازوا للدور التركي بعد القليل جداً من عبارات الغزل السياسي!

لماذا تضع إيران نفسها وسط كل هذه المشاكل والأزمات، وكيف لنا أن نفهم تصريح مستشار الرئيس روحاني للشؤون الدينية والأقليات السيد «علي يونسي» حول العراق، وقد نشر في التاريخ نفسه يقول: «العراق ليس جزءاً من نفوذنا الثقافي فحسب، بل من هويتنا.. وهو عاصمتنا اليوم.. وهذا أمر لا يمكن الرجوع عنه، لأن العلاقات الجغرافية والثقافية القائمة غير قابلة للإلغاء».

هل إطلاق مثل هذه التصريحات «الإمبراطورية» المدمرة، بعض تجليات الحنكة السياسية نفسها؟

مرة أخرى: ماذا يستفيد الشعب الإيراني من مثل هذا التصريح؟ وكيف يفهمها العرب؟

نقلا عن الاتحاد

خليل علي حيدر

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق