الاغتصاب والرجم في مواجه عفو خامنئي عن السجينات

تتوسّع الشرائح المجتمعية التي تعاني من استبداد النظام السياسي والمنظومة الدينية في إيران، لتشمل النساء إلى جانب الأقليات العرقية والدينية. حيث تشهد المرأة في إيران اعتداءات متكرّرة وممنهجة على حقوقها، في ظلّ نظام كرّس حالة عدم المساواة بين المرأة والرجل طيلة العقود الماضية. وإن كانت المرأة الإيرانية قد استحصلت على كثير من حقوقها إبان حكم الشاه، إلا أنّ نظام خميني عمد إلى إسقاط تلك الحقوق، وخَلَق منظومة قِيَمِيَّة سياسية ودينية تزدري المرأة وتهين كرامتها البشرية.

ونحاول في هذه الدراسة تسليط الضوء على بعض جوانب الحيف الواقع على المرأة في إيران، من خلال تناول أوضاع السجينات.

حيث تضمّ السجون الإيرانية عشرات آلاف السجينات، وتتنوّع تهمهنّ ما بين تهم سياسية وأخرى أخلاقية ودينية وجنائية، إضافة إلى سجينات الإدمان. وتشهد ظروف سجنهّن معاملة غير إنسانية، سواء لناحية الاغتصاب والضرب ومنع الزيارات العائلية عنهنّ، وحرمانهنّ من حقهنّ في محاكمة عادلة.

وتأتي مناسبة هذه الدراسة في وقت أفادت فيه وكالة مهر للأنباء أنّ “قائد الثورة الاسلامية آية الله العظمى السيد علي خامنئي وافق على اقتراح رئيس السلطة القضائية آية الله آملي لاريجاني بالعفو وتخفيف العقوبة على مجموعة من السجينات المحكومات في المحاكم العامة ومحاكم الثورة والمنظمة القضائية للقوات المسلحة ومنظمة التعزيرات الحكومية، وذلك بمناسبة الذكرى الميمونة لولادة فاطمة الزهراء(1)“.

ويتّضح من نص المرسوم، حجم المؤسسات القضائية المسؤولة عن إصدار أحكام على المعتقلين الإيرانيين، وعدم حصرها في مؤسسة قضائية واحدة، بل تتّسع لتشمل محاكم سياسية خاصة بالحرس الثوري والقوات المسلحة، ومحاكم دينية مختصة بتطبيق تعزيرات دينية لا سند لكثير منها. وذلك خارج إطار السلطة القضائية المتمثلة بالمحاكم العامة.

كما إنّ العفو الذي أصدره خامنئي على السجينات، لا يشمل الجرائم ذات الطابع الجنائي، وهو ما يوضح طبيعة الاعتقالات التي تطال النساء، وفق تهم غالبيتها سياسية ودينية، تهدف في الأساس إلى إحكام السيطرة على المجتمع من خلالها. بل إنّ كثيراً منهنّ لم تتم محاكمتهنّ محاكمة عادلة قبل سجنهن، وهو ما يعطي مساحات للتدخل السلطوي في المنظومة القضائية غير المستقلة أيديولوجياً، وما إطلاق سراح هؤلاء السجينات إلاّ دليل على بطلان المسبب الرئيس لمحاكمتهنّ وسجنهنّ.

وقد سبق وأن كشف تقرير عام 2012 لأحد مواقع المعارضة الإيرانية أن 9 سجينات سياسيات في سجن “إيفين” بطهران بدأن إضراباً عن الطعام، احتجاجاً على سوء معاملة حارسات السجن لهن. وأوضح التقرير الذي نشره موقع (kaleme.org) المعارض أنّ السجينات قررنّ خوض إضراب عن الطعام، بعد تعرضهنّ للتفتيش الذاتي والضرب والإهانة، وأنهنّ طالبن السلطات بالاعتذار، وضمان عدم تكرار مثل هذه الإهانات في المستقبل. يشار إلى أنّ هؤلاء السجينات هنّ ناشطات سياسيات وصحافيات، تم اعتقالهنّ عقب التظاهرات التي شهدتها إيران، في عام 2009 (2).

وسبق لعدد من عوائل السجينات السياسيات في إيران والتي يقبع ذويها في سجن “كوهر دشت” في مدينة كرج غرب طهران أن وجهوا رسالة جماعية إلى رئيس السلطة القضائية في إيران آية الله صادق لاريجاني طالبوه فيها بالعمل الفوري على إنقاذ السجينات السياسيات اللواتي يقبعن في السجن.

حيث جاء في رسالتهم تأكيد على أنّ هنالك حالات عدة من الاغتصاب حدثت للسجينات السياسيات من قبل بعض المجرمين وسلطات السجن، حيث وضعت سلطات السجن عنبر سجن السجينات السياسيات بالقرب من عنبر المجرمين الذين اغتصبوا عدة سجينات، دون اكتراث. ولم يقف المسؤولون عند هذا الحد، بل إنّهم قاموا بعمليات الاغتصاب بأنفسهم. ونقل البعض من السجناء السياسيين الذين أُطلِق سراحهم في أوقات سابقة أخبار مروعة عن السجينات السياسيات، تشير الى وضع مسؤولي السجن عدداً من المجرمين في عنابر السياسيات من أجل إرعابهن ومعاقبة السجينات بسبب انتماءهنّ لأحزاب سياسية وأخرى تنظيمية ونسوية(3).

وأكّد مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في إيران أحمد شهيد، قبل عدة أشهر، أن 85% من النساء و35% من الرجال يتعرضون للاغتصاب في السجون الإيرانية. وقال إنّ: “التعذيب في إيران أصبح ممنهجاً ومنتشراً في المعتقلات الإيرانية .. التعذيب يستمر في إيران مادام هناك نظام يعفو عن المتورطين في التعذيب(4)“.

ونُشِرت خلال السنوات الماضية تقارير عن عمليات اغتصاب في سجون إيران خاصة خلال الفترة التي رافقت احتجاجات 2009، حيث وجّه الزعيم الإصلاحي المعتقل مهدي كروبي رسالة الى رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني آنذاك أكبر هاشمي رفسنجاني، أكّد فيها أنّ بحوزته شهادات لبعض النساء والرجال الذين تعرضوا للاغتصاب في السجون (5).

وقد تراجع تصنيف إيران لدى منظمة “هيومن رايتس ووتش” في مجال حقوق الإنسان، لتحتل المرتبة الثانية بعد الصين، كأكثر الدول تنفيذاً لحكم الإعدام. وتتنوع أسباب تلك الأحكام وطرائق تنفيذها، إذ تطال النساء عقوبات الإعدام نتيجة النشاط الثقافي والسياسي، وهو ما يحصل تجاه الحركات القومية بالذات، حيث تعتبر السلطات الإيرانية أي نشاط للمرأة في إيران، بحكم النشاط الأقلوي المناهض، والتي غالباً ما تنفذ عن طريق الإعدام شنقاً.

ويضاف على المرأة عبء الأحكام الدينية، التي تعاقب المرأة أكثر من الرجل بالرجم حتى الموت على جريمة الزنا، وهي جريمة فضفاضة في القانون الديني الإيراني، تتخذ طابعاً انتقائياً وسياسياً أكثر منه شرعي، بل إنّها تدعو المواطنين إلى المشاركة في إنزال العقوبة بالمتهمات.

وفيما تتعرض السجينات لعمليات الاغتصاب داخل السجون، فإنّ ذات الحكم لا يقع على مغتصبيهم من باب أولى، إذ تتغاضى السطات عن تلك الجرائم بحق المعتقلات من جهة، وتُيسِّر حصولها كأداة قمعية إرهابية تجاه المجتمع، وتجاه الشرائح الأكثر ضعفاً فيه، ضمن منهج تمييز على أساس الجنس مترسخ منذ الثورة الخمينية في إيران.

رغم أنّ النظام الديني الفارسي، قد استحدث قوانين خاصة به، ألبسها طابعاً دينياً، لتشريع الدعارة والاعتداء على القاصرات من قبل رجال الدين خاصة، ونشرها بين فئات مجتمعية تدين بالولاء له بشكل عام، تحت مسميات الزواج والجهاد والتدين، لكنها في ذلك الوقت تحمل ثغرات تتيح للنظام معاقبة الخارجين عليه.

ولم يُحدِث وصول روحاني إلى السلطة عام 2013، أيّة تعديلات على المنهجية التي يتعاطى بها النظام الإيراني قضائياً تجاه السجينات. إذ رصدت منظمات حقوق الإنسان استمرار تلك الانتهاكات، وتوسّع بعض منها، وخاصة مع عودة حكم الرجم من جديد، بعد غياب استمر لقرابة خمس سنوات.

إذ في غياب إحصائيات رسمية، تُقدِّر جمعيات حقوق الإنسان أنّ السلطات الإيرانية تحتجز حالياً ما لا يقل عن 10 من السيدات والرجال الذين يواجهون احتمال الإعدام بالرجم بتهمة الزنا. فيما تم إعدام 70 شخصاً على الأقل بالرجم في إيران منذ 1980، وقد تمت آخر عملية معروفة للإعدام بالرجم في 2009. وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “الرجم حتى الموت عقوبة بشعة، لا مكان لها في قانون العقوبات لأي بلد. لكن السلطات الإيرانية، بإصرارها على الإبقاء على الرجم في قانون العقوبات، توفر دليلاً قاطعاً على تحكمها في نظام إجرامي للعدالة، يقوم على الخوف والتعذيب والظلم”(6).

وإضافة إلى الاعتداءات التي تطال السجينات في إيران، يُمنَع عنهن حق المحاكمة العادلة، والزيارات العائلية، وحق التداوي في حالات المرض، وهو ما دفع كثيرات منهنّ إلى إعلان إضرابهن عن الطعام، في محاولة للاستحصال على بعض من حقوقهنّ.

ولعل أحدث قضايا المعتقلات السياسية كانت تلك التي أدانت فيها محكمة ثورية في 2 آذار/مارس 2014 الناشطة مريم شفيع بور، وهي ناشطة في مجال حقوق الطلاب، بتهمة انتهاك الأمن القومي للبلاد وحكمت عليها بالسجن 7 سنوات.

وأكدت أسرتها أنّها منذ أشهر وهي تعاني من المرض والتدهور الصحي، ولكن السلطات الأمنية لم تسمح لأسرتها بنقلها خارج السجن لتلقي العلاج. ورغم أنّها قدمت طلباً لمسؤولي السجن يقضي بخروجها من السجن للعلاج لفترة وجيزة مقابل ضمانات مالية، لكن السلطات رفضت الطلب ولم تسمح لها بالخروج الموقت للعلاج. وأكّدت مصادر حقوقيه طلابية قبل أسابيع تدهور الحالة الصحية للطالبة والناشطة السياسية مريم شفيع بور في سجن “إفين” في طهران. كما حرمتها السلطات من إكمال دراستها في الجامعات الإيرانية نتيجة نشاطها في مجال السياسة وحقوق الإنسان (7).

ومن الأمثلة الأخرى على ذلك، ما يطال الناشطة في حقوق المرأة والطلاب، بهار هدايت، المعتقلة منذ عام 2009.

إذ أكّد زوجها لمنظمة هيومن رايتس ووتش أنّه منذ تم إلقاء القبض عليها عام 2009، لم تسمح لها السلطات بالحصول على العلاج الطبي المناسب خارج السجن، لما تُعاني منه من أمراض نسائية خطيرة. وقالت هيومن رايتس ووتش إنّ نقص علاج الأمراض النسائية في السجن، ورفض الحصول على مثل ذلك العلاج خارج السجن يمكن أن يصل إلى حد التمييز القائم على نوع الجنس (8).

كما تغصّ السجون بحوالي 7000 سجينة بتهم الإدمان، حيث تشكل النساء 10% من حالات الإدمان في إيران، وتتراوح أعمار نصفهن ما بين 15-19 سنة، كنتيجة للفقر الذي طال المجتمع الإيراني في العقود الماضية، وكان أشد وقعاً على المرأة في إيران، إضافة لتفشي العلاقات الجنسية خارج أطر الزواج وبغطاء شرعي، كما هي حال الدعارة التي كانت مسبباً في انتشار حالات الإدمان تلك. والتي انعكست في المحصلة على المرأة ذاتها، إذ كانت المخدرات سبباً في 65% من العنف الأسري الواقع على المرأة، و30% من حالات العنف الواقعة على الأطفال، و55% من حالات الطلاق في المجتمع.

وتعاني سجينات الإدمان من ظروف قاسية لناحية العلاج والمتابعة الصحية والنفسية، لكنها تبقى أقل وطأة من تلك الواقعة على السجينات السياسيات والناشطات.

إنّ فقدان نظام الملالي القائم في طهران، لشرعية سياسية حقيقية يستند إليها، دفعته إلى توسيع حالة العنف الممنهج ضدّ كافة الشرائح الاجتماعية غير السلطوية، ولعلّ المرأة في ذلك من أكثر تلك الشرائح استضعافاً واعتداءً على حقوقها، حتى بات النظام يخشى من خروجها عليه سياسياً وقِيَمِيَّاً، بمعنى خروج مجتمعي على شرعيته المتهالكة. وسيتم تناول حالة عدم المساواة بين الرجل والمرأة، التي تشهدها إيران خلال العقود الماضية، في بحث مستقل مقبل.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

مراجع:

(1) وكالة مهر للأنباء، 20/4/2014: http://old.mehrnews.com/ar/newsdetail.aspx?NewsID=1835283

(2) “اعتقال 70 ناشطاً وكاتباً بطهران .. سجينات سياسات في إيران يضربن عن الطعام”، المختصر، 1/11/2012:

http://www.almokhtsar.com/node/87992

(3) محمد حسن فلاحية، “اتهامات ضد سلطات سجن في طهران باغتصاب سجينات وصمت السلطة القضائية”، الحوار المتمدن، العدد 3324، 2/4/2011: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=253358

(4) “السجون الايرانية تستبيح أعراض الذكور والنساء على حد سواء”، ميدل ايست، 25/8/2013: http://middle-east-online.com/

(5) المرجع السابق.

(6) “إيران ـ استمرار الانتهاكات في ظل الحكومة الجديدة”، هيومن رايتس ووتش، 21/1/2014: http://www.hrw.org/ar/news/2014/01/21-0

(7) “السلطات الإيرانية تمنع السجينة مريم شفيع بور من تلقي العلاج”، مركز الديمقراطية لإيران، 11/4/2014:

http://www.cdi-iran.org/Article

(8) “إيران- يجب الإفراج عن الناشطات”، هيومن رايتس ووتش، 11/3/2014: http://www.hrw.org/ar/news/2014/03/11

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق