استراتيجية موحدة غائبة منذ البداية في سوريا!

بعدما أعلنت دمشق بدء استخدام أسلحة روسية جديدة، والبنتاغون يشير إلى مركز عمليات جوية، وتصريح مطاطي جديد لكيري، بأن على الأسد الرحيل، لكن ليس بالضرورة على الفور.

يرى بعض المحللين السياسيين، أن الأمر أصبح أكثر تعقيدا في سوريا من الولايات المتحدة وروسيا، إذ أن هناك في سوريا لاعبين كثر غير الولايات المتحدة وروسيا، من إيران إلى تركيا إلى السعودية ودولة الإمارات وقطر وجماعات لا حصر لها، من حزب الله وداعش والنصرة ..إلخ من تلك الجماعات.

كل تلك الأطراف لديها مطالب متناقضة، وإذا لم يكن بينهم أرضية مشتركة، فهل هناك إمكانية لاجتماعهم على طاولة واحدة للبحث عن استراتيجية موحدة؟ لا يستطيع أحد يستطيع أن يجيب على مثل هذا السؤال.

ومنذ البداية كان البحث عن استراتيجية موحدة في سوريا غائبا، بل وترى الولايات المتحدة، كما ترى روسيا: إن غادر الأسد فمن سيحل محله؟ هل تحل داعش؟ أم تحل جبهة النصرة؟ أم من هو جاهز لكي يملئ الفراغ؟ خصوصا بعدما نجحت إيران في بث الفوضى، وخلق حواضن جاهزة لعشعشة ونمو الإرهاب، والجميع يمتنع عن محاربته، بل اقتصرت الحرب بين المعارضة السورية والنظام السوري، وترك داعش وغيرها من جماعات جهادية متشددة تنشط وتقوى، بل بدأت تتصارع فيما بينها، وهو سؤال جوهري ليست هناك إجابة جوهرية يمكن أن يجيب عليه أي سياسي.

دخل الحشد العسكري الروسي لمنع انهيار نظام بشار الأسد، أي أن أيا من الأطراف في سوريا لن ينتصر على الآخر وهي بغية أمريكية تولتها روسيا نيابة عن أمريكا، مما يفرض على الطرفين المتقاتلين تقديم تنازلات، وإلا فإن الأزمة السورية تبقى أزمة مؤجلة.

يصف لافروف وزير خارجية روسيا أن محاولات حل كل قضايا سوريا برحيل الأسد بالوهم، فيما يبدو الغرب الغارق في أزمة المهاجرين يبحث عن حل سياسي مقابل أي ثمن للنزاع في سوريا، وإن كان ذلك يعني تسوية مع الرئيس بشار الأسد.

لذلك بدأ وزير الخارجية السوري وليد المعلم تسويق أولوية محاربة الإرهاب بالتنسيق مع موسكو، واعتبرت خطة دي مستورا منحازة لمصلحة الحلف المعارض الأميركي التركي السعودي، ويطالب بأن يكون الحل السياسي قبل الحرب على الإرهاب.

وتتولى السعودية إبراز دورها من خلال تركي الفيصل السفير السابق في واشنطن ولندن، في محاضرة ألقاها في جلسة برلمانية في العاصمة البريطانية في 16/9/2015، موضحا أن داعش الإرهابي هو أحد أعراض نظام الأسد، مشيرا إلى أن معضلة داعش لن تنتهي، ما دامت الأزمة السورية مستمرة، مؤكدا أن السعودية لن تقبل بأي حل للحرب في سوريا يبقى بشار الأسد في السلطة، معتبرا ذلك إهانة لأرواح 350 ألف سوري قتلوا على أيدي النظام.

واعتبر تركي الفيصل أن الروس يصورن الأسد كمحارب للإرهاب، أما السعودية فتعتبر الأسد نفسه إرهابيا، بل ومجندا للإرهاب والإرهابيين، كما وصفه ديفيد ميليباند وزير الخارجية البريطاني السابق، واعترض الفيصل على نية الناتو لمناقشة ضربات جوية ضد تنظيم داعش، معتبرا أن ذلك لن يحل الأزمة، حيث إن الداء لم يعالج، في إشارة إلى بقاء الأسد في زمام السلطة.

وأكد الفيصل أن السعودية لا تريد تجريد سوريا من هيكلها الحكومي، أو حل الجيش، والمؤسسات الأمنية، بل التعريف بالمسؤولين عن القتل ومعاقبتهم، فلا يصعب تحديد من أمر بإلقاء قنابل ضد المدنيين، أو باستعمال الأسلحة الكيماوية، وأن السعودية تدعم جنيف 1الذي يدعو إلى حكومة انتقالية يشارك فيها ممثلون للحكومة والمعارضة.

رغم تعارض المواقف بين السعودية وروسيا، إلا أن الملك سلمان اتصل بزعماء العالم، وكان من ضمن الزعماء بوتين، ودعا إلى تدخل مجلس الأمن باتخاذ تدابير لإيقاف انتهاكات إسرائيل على الأقصى، الذي يغذي التطرف بالعالم.

وهو ما يعني أن السعودية رغم اختلاف المواقف بينها وبين روسيا، إلا أنها ترى روسيا طرفا يمكن التفاهم معه، بخلاف التدخل الإيراني في المنطقة لتنفيذ مشاريع توسعية، وهو ما انعكس عليها سلبا، ومظاهرات العراق المناهضة لها، أبرز مثال على ذلك، بل وحتى مظاهرات لبنان.

وبدأت الولايات المتحدة تقتنع برؤية السعودية، بأن التعاون مع العشائر في الأنبار لابد منه لتحريرها من داعش، بدلا من ترك الحشد الشعبي بمفرده، الذي سيست إيران دعوة السيستاني، لتشكيل حشد شعبي لمحاربة داعش، من أجل تنفيذ مشروع طائفي، وباعتراف الرئيس معصوم، فإنه اعترف بأن هناك سياسيين عارضوا زيارته للسعودية، بينما السيستاني دعمه.

ويطالب كيري بضرورة التوصل إلى خطة دبلوماسية مستقبلية، مؤكدا أن الكل تحت ضغط الوضع الملح، واعتبر أن مستويات الهجرة، والدمار المستمر، وخطر التصعيد المحتمل، بسبب أي خطوات أحادية الجانب، تعطي للدبلوماسية في هذه اللحظة أولوية قصوى، أي لا تزال مواقف الولايات المتحدة مترنحة، وتخدم مصلحة الأسد ما يعني أن الأزمة السورية مؤجلة الحل حتى الآن.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق