إيران والاشتباك الإقليمي في غزة: إعادة تدوير محور المقاومة بين حزب الله وحماس، وموقع الحالة السورية

تتوضح معالم الاشتباك الإقليمي، بصفقاته وتسوياته على حساب المنطقة العربية، في الوقت الذي ترزح فيه غزة تحت وطأة العدوان الإسرائيلي، كما يرزح لبنان تحت وطأة الفراغ الأنسب لحزب الله وإيران، حيث يتصاعد الاشتباك الإقليمي – أكثر من أي وقت مضى-  مع تنامي التنسيق القطري- التركي – الإيراني، وصعود جناحيهما المتمثلين بحركتي الإسلام السياسي حماس ( السنية) وحزب الله ( الشيعية).

وفي حالة من الدعاية السياسية، التي وحّدت الأطراف المتصارعة في لبنان بنشرة إخبارية حول غزة، تتوحد  القوى الإقليمية – في حالة دعائية أيضاً-  في ” الهم” الغزاوي، كمحاولة  لإيجاد صيغة جديدة للخروج من عملية الاشتباك الإقليمي، لاسيما بعد الفشل في الرهان على حركات الإسلام السياسي في الثورات العربية، ليصار إلى ربط هذه الحركات بإعادة تدوير محور المقاومة، عن طريق ربط إقليمي جديد بين حركة حماس وحزب الله.

 يبدو كل من حزب الله، وحركة حماس، في إطار عملية جديدة لمحور متجدد من ” المقاومة”، التي تتناسب من جديد والجموح القطري، كما تتناسب وموقع القوتين الإقليميتين (إيران وتركيا)، وإعادة اصطفافهما في إطار بنية النظام الدولي، القائم على تراجع الصراعات الإيديولوجية لصالح الصراع الإقتصادي، الذي يقوم على الانكفاء والتعاون والتنافس والتواطؤ والاستمالة والردع، كنوع جديد من الحرب الباردة بين القوى الإقليمية والدولية، التي تسخن في مناطق النفوذ، من خلال وكلاء أو لاعبين غير دوليين.

  وفي خضم العدوان على غزة، يظهر التقارب بين حزب الله و حماس، تتويجاً للتقارب التركي – القطري مع إيران، الذي بدأ بالتنسيق السياسي وانتهى بالشراكة الاقتصادية.

عدوان غزة، فرصة لإعادة التنسيق الإيراني مع حماس

في مواجهة ذلك، وفي خضم صراع طائفي محموم، ولّدته الأطراف الإقليمية ذاتها، يبدو حرص حزب الله، على إظهار مدى التنسيق، بينه وبين حركة حماس، في محاولة لإيجاد موطئ قدم، لدوره كحزب مقاوم، لاسيما بعد أن أفقد القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، بعد حرب تموز 2006، أي دور عملي للحزب ضد إسرائيل، وهو ما يفسر الحرص الشديد مؤخراً لحزب الله في إظهار تفاصيل التقارب واللقاءات، بين الطرفين بعد انقطاع دام ثلاث سنوات، على خلفية اختلاف الراعيّين الرسميين لهما ( قطر وإيران)، حول الملف السوري.

وعلى أساس ذلك، جاء اللقاء بين الأمين العام للجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح، والأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، الذي أشاد بصلابة الموقف الذي يبديه المقاومون في غزة، وأثنى على الصبر الهائل للشعب الفلسطيني في غزة، معبراً عن مدى التلاحم في الموقف بين المقاوميين في لبنان، وبين أخوانهم في غزة، واستعداد حزب الله للتعاون والتضامن بما يخدم إفشال العدوان الإسرائيلي.

 

إعادة تدوير محور المقاومة

في خضم العدوان الدموي على غزة أيضاً، جاء  لقاء “شلح” و” نصر الله” ليمهد الطريق من جديد، لفتح أبواب التنسيق بين حماس وإيران، كنتيجة للتقارب القطري الإيراني، وهو ماترجمه التواصل بين الأمين العام لحزب الله  وخالد مشعل،  الذي توّج بالعديد من الاتصالات الإيرانية التي أجراها رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، ووزير الخارجية الإيراني، وضباط في الحرس الثوري، برئيس المكتب السياسي لحركة ” حماس” خالد مشعل، الذين أكدوا إعادة فتح طهران لأبوابها أمام حركة حماس، مايمهد لإعادة جبهة المقاومة في وجه إسرائيل، وعودته إلى نقطة “الثقة” في حرب تموز، لاسيما بعد الحراك الديبلوماسي الفاشل – حسب شلح- الذي تبديه أطراف غير قادرة على مجاراة ما يحدث في الميدان في غزة، قياساً بالتلاحم المصيري بين حزب الله وإيران وفصائل المقاومة الإسلامية في غزة، في إشارة – من شلح- للأدوار والمبادرات العربية التي ترفضها قطر وإيران، تمهيداً لدور إيراني – قطري  في ملف غزة.

 

ماوراء الاندفاع الإيراني نحو حماس

  

يأتي الاندفاع الإيراني نحو حماس، بعد التصريحات التي ساقتها مصادر فرنسية، بأن إسرائيل وضعت في خياراتها شن حرب على لبنان في الربيع المقبل، للضغط على إيران في برنامجها النووي، لاسيما بعد أن أدرك الإسرائيليون موقف الانكفاء الأمريكي حيال شن أية حرب في الشرق الأوسط، أو الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول قدرة التحالف الجديد بين حماس وحزب الله في تجاوز الاصطفافات الطائفية؛ التي أورثتها القوى الإقليمية، لاسيما عندما يتعلق الموقف بعقدة الملف السوري، الذي دفع ثمنه الشعب السوري  دماء ودمار وتشريداً وفوضى.

وفي مواجهة التحالفات القطرية –الإيرانية- التركية في غزة، التي يتأسس على انقاضها اليوم محور “مقاوم” تقف وراءه القوى الداعمة لحركات الاسلام السياسي بشقيه الصفوي والعثماني، ثمة أسئلة تُطرح:

أين آل الاندفاع القطري في “الثورات العربية”، وأين آلت الغيرة الإيرانية على المراقد المقدسة، أو النخوة التركية تجاه شعوب الإمبراطورية العثمانية البائدة.

أسئلة لاتجيب عليها إلا إنكشاف عورة النظام الإقليمي، الذي أظهر غايته النهائية، التي تخفي محو سورية من الخارطة السياسية، والثقافية، ولي عنق الحاجز النفسي لدى الشعب السوري تجاه إسرائيل، كل ذلك تحت ذريعة إسقاط النظام، الأمر الذي يكشف البنية الإيديولوجية الهشة للمحور القادم.

وعليه، وطالما أن الحرب خارج حدودها، لن تتورع القوى الإقليمية في الترويج لتصعيد جديد سواء على الجبهة اللبنانية أو الفلسطينية، وهو ما دفع إسرائيل مؤخراً، وعلى لسان “ايهود باراك” للحديث عن أهمية التهدئة على الحدود اللبنانية بقولة: “إن الهدوء القائم حالياً يخدم مصالح الطرفين، لذلك ننصح الطرف الآخر بأن لايسعى إلى تغيير هذا الوضع”، وذلك في إشارة منه لالتزام حزب الله  بمندرجات القرار 1701، كما يفهم منه أيضاً تحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية عدم الانضباط على حدودها، قبل أن تُقدم هي على ضبط ذلك. وهي – أي إسرائيل- وإن اكتفت بالتهديد على الجبهة اللبنانية، إلا أنها لن تتورع في حسم مسألة العداء بالوكالة لصالحها.

الثقافة الجماهيرية أقوى على البقاء من السياسات الخارجية

 لقد نجحت إيران من خلال حزب الله في تشكيل محور مقاوم على صعيد القيادات السياسية، إلا أن إشكالية تكوينه من طرفها على أساس طائفي، حال دون التأسيس لمحور مقاوم ببعد  جماهيري. فحزب الله ” اللبناني”، لايتورع في التباهي على الملأ  بتبعيته للولي الفقيه في إيران،  الأمر الذي حال دون تشكيل ثقافة مقاومة ذات بعد جماهيري، بسبب التباين الإيديولوجي بين مكونات المحور ” المقاوم”، في كل من سورية، ولبنان، وفلسطين من جهة،  وإيران من جهة أخرى.

فالشعب السوري- على سبيل المثال-  خاض جميع الحروب العربية مع إسرائيل، وتربى على فكرة الدولة المدنية، ووحدة المصير العربي، ولم يعهد في تاريخه أية ثقافة طائفية، وبذلك أصبحت قناعاته مهددة في أول اختبار له. فهو – أي الشعب السوري- وجد نفسه شريكاً في محور، حال دون انصهاره جماهيرياً بسبب مايحمله الآخر من  أجندات طائفية، يسوقها ويتباهى بها على العلن، سواء في ممارساته أو وسائل إعلامه، التي اشتغلت بشكل استفزازي غير مبرر، في النيل من ثقافة أبناء المحور  يشترك معه في الهم المقاوم، فتفوقت آلة الإعلام الطائفي على ثقافة المقاومة، وذلك بالنيل من  رموز عربية وإسلامية، لايمكن أن يتقبلها الشعب السوري، أو اللبناني، أو الفلسطيني، وإن عضّ على جرحه سنوات، في الوقت الذي تسوق له القيادات السياسية، وحدة المصير في المحور المقاوم، وهو مايتنافى مع أبسط مبادئ السياسة الخارجية التي تؤكد” أن الثقافة الجماهيرية، أقوى على البقاء والاستمرار من السياسات الخارجية”.

معادلة تحتاج إلى قراءة وصياغة جديدة، تبدأ من تعريف وتوحيد الثقافة الجماهيرية للمحور المقاوم، وهي ذات الصعوبة، التي ستواجه المحور المقاوم الجديد بين حماس وحزب الله، هذا إن لم يكن ” وليمة لأعشاب البحر”، لاسيما بعد الصناعة الطائفية الممنهجة للصراع في سورية،  التي يخطأ من يظن أن استقراراً،  أو محورا،ً أو حلاً سياسيا،ً سيكون في منطقة الشرق الأوسط، قبل وقف” قصة الموت المعلن” للسوريين.

د. محمد خالد الشاكر

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث 

الوسم : إسرائيلغزة

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق