إرهابيو سيناء استخدموا استراتيجية داعش العسكرية في سورية والعراق

في الذكرى الثانية لثورة 30 يونيو عاش المصريون 48 ساعة عصيبة، بدأت بانفجار سيارة مفخخة بجوار موكب النائب العام المستشار هشام بركات في 29 يونيو، تبعتها عمليات إرهابية في أماكن متعددة، لكن في 1 يوليو شن 70 مسلحا هجوما بسيارات دفع رباعي على خمسة أكمنة للجيش بمدينة الشيخ زويد شمال سيناء السادسة صباحا في هجوم وصف بالأقوى ضد الأمن في سيناء.

بالطبع البعض يتساءل بأن مصر ليست العراق ولا سوريا، فحينما ارتكب داعش عدد من عمليات التفجير في مساجد الشيعة في السعودية التي تمتلك أمنا قويا، ثم بعد ذلك اتجه داعش إلى مناطق أخرى في الخليج مثل الكويت، وسيختار مناطق أخرى إذا لم تتنبه تلك الدول وتحتاط من آفة الإرهاب، وأن الإرهاب قادر على أن يطول كل الدول، وعندما يفشل في استهداف مساجد الشيعة سيتجه إلى التجمعات ومراكز التسوق.

أعلنت المسؤولية عن هذا الهجوم الدموي جماعة أنصار بيت المقدس التي سمت نفسها فيما بعد بولاية سيناء، وأعلنت بيعتها رسميا إلى تنظيم داعش الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق، سبق أن قامت بمذبحة رفح الأولى في أغسطس 2012 بعدما حاولت الاستيلاء على مدرعتين لقوات الجيش، وحاولت اقتحام الحدود مع إسرائيل، ثم ارتكبت مذبحة رفح الثانية في أغسطس 2013، ثم قامت بهجوم كرم القواديس في أكتوبر 2014 تم تفجيره بشاحنة مفخخة تبعها هجوم مسلح لتصفية بقية أفراد الكمين.

تخوض مصر حربا كبرى حقيقية مع أعضاء الجماعات الداعشية في شمال سيناء، ما جعل الرئيس السيسي يصرح عندما كان يشيع النائب العام المستشار هشام بركات قال (نحن نخوض حربا مع عدو خسيس، والقانون ضعيف، ويجب توفير العدالة الناجزة فورا، والآن هناك توجه لإصلاح تشريعي يواكب خطر الإرهاب).

داعش استثمرت الأجواء السياسية والأمنية المضطربة مع جماعة الإخوان المسلمين، خصوصا بعد أحكام الإعدامات التي صدرت ضدهم، رغم أن السيسي وجد نفسه مضطرا إلى أن يشرح ويخفف وقع أحكام الإعدام على الجماعات القيادية للإخوان عندما زار ألمانيا قال: إن التقاضي في مصر شأن كل بلاد العالم، درجات، وأن الأحكام التي صدرت وأحدثت صخبا، هي أحكام درجة أولى، وأنه لا تزال هناك درجة ثانية من التقاضي، ثم ثالثة، وأنه كرئيس جمهورية يملك إصدار العفو عن المتهم، ولكن ليس قبل صدور حكم بات ونهائي.

رغم ذلك لم تهدأ جماعة الإخوان بعد هذا التصريح الصادر من رئيس الجمهورية وهي مصممة على مجابهة الدولة وترفض أن يحتفل المصريون بثورة 30 يونيو، فحادثة استهداف النائب العام الذي أصدر أحكام الإعدام بالتفجير وهو ما أكدته الدولة المصرية عبر تصريحات لمسؤولين، مسؤولية جماعة الإخوان المسلمين عن استهداف النائب العام، وفرت هذه الأجواء المشحونة التي تسمح لداعش باستثمارها واستهداف خمسة أكمنة للجيش في أقوى هجوم ضد الجيش في سيناء، قتل فيها 100 من الإرهابيين و17 جنديا.

استخدم التنظيم الهجوم المتزامن على عدة أكمنة ونقاط تفتيش تساعدهم العمليات الانتحارية للسيطرة على الأرض، ثم فرض طوق أمني عليها، ثم قطع الإمدادات عنها، وهي نفس الاستراتيجية القتالية التي يتبعها داعش في سوريا والعراق، لذلك استمرت العملية ثمان ساعات وهي فترة طويلة لدولة تمتلك جيشا قويا.

اتخذ الجيش عدة اجراءات قبل هذه العملية لوقف خطر الإرهاب في سيناء، شملت قصف مواقع أنصار بيت المقدس، وتدمير أنفاق سرية تحت خط الحدود مع قطاع غزة، كما أقام الجيش منطقة عازلة على الحدود.

رغم ذلك كشفت هذه العملية عن أوجه القصور الأمني، ومنحت التنظيم مساحة كبيرة من الحرية والحركة، مكنته من تنفيذ عمليات متزامنة، ومن المدهش أن يحدث ذلك بعلم أو تنبؤ أجهزة الأمن المصرية بتزايد احتمال حدوث عمليات إرهابية، خصوصا بعد التفجير الذي تعرض له المستشار هشام بركات.

فالأمن المصري يقود مواجهة أمنية ضد جبهتين داخل مصر من القيادات الجهادية لجماعة الإخوان الذي قتل منهم 9 بينهم قياديان بارزان في الجيزة، وتنظيم داعش في سيناء.

دخلت مصر حالة حرب واستنفار أمني وتشريعي يتضمن سرعة إجراءات التقاضي، وتسهيل فحص حسابات البنوك، ومنح سلطات إضافية لمأموري الضبط والمحققين.

مصر مصممة على استكمال مسيرة محاربة الإرهاب وبناء أفضل للوطن، ومصممة كذلك على استكمال المشروعات القومية التي بدأت تنفيذها، على الرغم من التحديات والصعوبات التي تواجه الوطن، ورغم تلك التحديات، فإن مصر تستعد لتنظيم احتفالية افتتاح قناة السويس في أغسطس المقبل، وستواصل مسيرتها التنموية التي تنقلها إلى آفاق مرحلة جديدة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق