أطروحة دكتوراه: “دور الأحزاب اليمنية في السياسة الخارجية تجاه القضايا العربية”

حاز الباحث اليمني جهاد عبد الرحمن أحمد صالح، على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية بتقدير امتياز، من جامعة دمشق/كلية العلوم السياسية، عن أطروحته ” دور الأحزاب اليمنيـّة في السيّاسة الخارجيـة تجاه القضايا العربية “دراسة تحليلية مقارنة”، وتحت إشراف أ.د. عبد العزيز المنصور. وكانت من الأطروحات المميزة التي تناولت الشأن اليمني، حيث تقع الأطروحة ضمن مقدمة، وفصل تمهيدي، وأربعة فصول، وخاتمة.

يدرس الفصل التمهيدي منها مراحل التطوّر التاريخي للتعددية السياسيّة والحزبية في اليمــن، وذلك من خلال مبحث، يتفرع إلى مطلبين، يتناول المبحث الأول: نشأة الأحزاب اليمنيّة وتطوّر أدوارها السياسيّة قبل قيام الوحدة اليمنيّة 1990م، أمّا المطلب الأول، فيتحدث عن تطور أدوار الأحزاب اليمنيّة في مرحلة ما قبل ثورة 1962م في الشمال واستقلال الجنوب 1967م، أمّا المطلب الثاني، فيتناول الحديث عن ملامح أدوار الأحزاب اليمنية منذُ استقلال شطري اليمن حتى قيام الوحدة  اليمنية 1990م، أمّا الفصل الأول: يتناول دراسة التعددية السياسيّة وواقع الخارطة الحزبية والممارسة الدّيمقراطيّة بعد الوحدة اليمنية  1990 -2012م، وينقسم إلى مبحثين، يتفرع عن كل مبحث مطلبين، يتناول المبحث الاول: التعددية السياسيّة والحزبية بعد الوحدة اليمنيّة عام 1990م، ويتحدث المطلب الأول عن الوحدة اليمنية ومراحل مسارها السياسي. هذا في حين يتناول المطلب الثاني واقع التعددية السياسيّة والحزبية في اليمن بعد عام 1990م (الإطاران السياسي والقانوني)، أمّا المبحث الثاني فيتناول: الخارطة السياسيّة والحزبية في اليمن وواقع الممارسة الدّيمقراطية بين عامي 1990-2012م، حيث يستعرض المطلب الأول أدوار الأحزاب اليمنيّة في واقع الحياة السياسيّة للفترة الانتقالية وفترتي الائتلاف 1990 -1997م، أمّا المطلب الثاني يناقش واقع الحياة الحزبية والسياسيّة في اليمن في فترة حزب الأغلبية (حزب المؤتمر الشعبي العام)  1997- 2012م.

 أمّا الفصل الثاني: يتناول بالأطروحة والتحليل توجهات السيّاسة اليمنيّة الرسمية والحزبية تجاه تسوية قضايا النزاع الحدودي مع دول الجوار خاصة مع المملكة العربية السعوديّة وسلطنة عُمان، وينقسم إلى مبحثين، يتفرع عن كل مبحث مطلبين، يتناول المبحث الأول: السيّاسة اليمنيّة تجاه تسوية قضية النزاع الحدودي اليمني- السعودي ودور الأحزاب اليمنيّة في التسوية، حيث يستعرض المطلب الأول السيّاسة اليمنية تجاه تسوية قضية النزاع الحدودي اليمني– السعودي، أمّا المطلب الثاني فيتناول أدوار الأحزاب اليمنيّة وتأثيرها على السيّاسة اليمنيّة في تسوية قضية النزاع الحدودي مع السعوديّة، أمّا المبحث الثاني يتناول: السيّاسة اليمنيّة تجاه تسوية قضية النزاع الحدودي بين اليمن وسلطنة عُمان ومواقف الأحزاب فيها، حيث يتحدث المطلب الأول عن السيّاسة اليمنيّة وتوجهاتها نحو تسوية قضية النزاع الحدودي بين اليمن وسلطنة عُمان، أمّا المطلب الثاني، فيتناول الحديث فيه عن مواقف الأحزاب اليمنيّة من تسوية قضية النزاع الحدودي بين اليمن وسلطنة عُمان.

أمّا الفصل الثالث: يتناول دراسة المواقف اليمنيّة الرسمية والحزبية من حربي الخليج الثانية والثالثة، وينقسم إلى مبحثين، يتفرع كل مبحث إلى مطلبين، حيث يسلط المبحث الأول الضوء على: مواقف اليمن الرسمية والحزبية من أزمة الخليج الثانية وحربها عام 1991م، ويستعرض المطلب الأول السيّاسة اليمنيّة وموقفها تجاه أزمة الخليج الثانية وحربها وتداعياتها على اليمن وعلاقته مع بعض الدول العربية أمّا المطلب الثاني يناقش دور الأحزاب اليمنيّة وتأثيرها على الموقف الرسمي اليمني تجاه أزمة الخليج الثانية وحربها ومواقفها من تداعياتها، أمّا المبحث الثاني يتناول: المواقف الرسمية والحزبية اليمنيّة من حرب الخليج الثالثة عام 2003م، حيث يتناول المطلب الأول عن الموقف الرسمي اليمني من  التدخل والاحتلال الأمريكي- البريطاني للعراق وتداعيات ذلك الاحتلال على النظام العربي، أمّا المطلب الثاني فيدرس أدوار الأحزاب اليمنيّة ومواقفها من التدخل والاحتلال الأمريكي- البريطاني للعراق 2003م.

أمّا الفصل الرابع: يتناول دراسة دور السيّاسة اليمنيّة الرسمية والحزبية ومواقفها تجاه أهم القضايا العربية، وينقسم إلى مبحثين، يتفرع كل مبحث إلى مطلبين، ويتناول المبحث الأول دراسة: السيّاسة الرسمية والحزبية في اليمن وقضية الصراع العربي- الإسرائيلي، حيث ينصب المطلب الأول بالحديث عن دور السيّاسة اليمنيّة تجاه قضية الصراع العربي – الإسرائيلي ومواقفها من مشاريع التسوية، أمّا المطلب الثاني يسلط الضوء على أدوار الأحزاب اليمنيّة تجاه  قضية الصراع العربي- الإسرائيلي ومواقفها من عملية التسوية، أمّا المبحث الثاني فيتناول: سلوك السيّاسة اليمنيّة الرسمية والحزبية تجاه تفعيل العمل العربي المشترك ومواقفها من قضية الوحدة العربية، حيث يدرس المطلب الأول السيّاسة اليمنيّة ومبادرتها لتطوير العمل العربي المشترك ضمن جامعة الدول العربية وتوجهاتها تجاه قضية الوحدة العربية، أمّا المطلب الثاني، فيتناول الأطروحة حول رؤية الأحزاب اليمنيّة وسلوكها نحو العمل العربي المشترك ومواقفها من قضية الوحدة العربية.

كما هدفت الأطروحة إلى دراسة مراحل نشوء الأحزاب اليمنيّة وتطوّر أدوارها السياسيّة قبل قيام الوحدة اليمنيّة، والتعريف بالخارطة الحزبية في اليمن، وواقع ممارسة الأحزاب للتحول الدّيمقراطيّ بين عامي 1990– 2012م، وتحليل أدوار الأحزاب اليمنيّة، وبيان مواقفها تجاه قضايا السيّاسة الخارجيّة موضوع الأطروحة، وتسليط الضوء على مدى فاعلية مواقف الأحزاب اليمنيّة وتأثيرها على الموقف الرسمي اليمني تجاه كل قضية عبر تطوّرها الزمن، ودراسة كيفية توظيف الأحزاب اليمنيّة للقضايا العربية في برامجها السياسيّة والانتخابية وخطاباتها السياسيّة، تعبيراً عن وجودها للإسهام في القضايا الخارجيّة لليمن، ومعرفة العوامل والمتغيرات الداخليّة والخارجيّة المؤثرة على أدوار بعض الأحزاب اليمنيّة ومواقفها تجاه القضايا العربية.

وقد اعتمدت الأطروحة في المنهجية على: المنهج المقارن، والمنهج الوصفي التحليلي، والمنهج الاستشرافي.

أمّا خاتمة الأطروحة، فقد تضمنت النتائج (الإجابة عن التساؤلات، واختبار الفرضيات)، والمقترحات.

وتمثلت في تتبُّع أدوار الأحزاب اليمنيّة ومواقفها تجاه قضايا السيّاسة الخارجيّة ولا سيما القضايا العربية موضوع الأطروحة، وبذلك تمثلت نتائج هذه الأطروحة من خلال الإجابة عن التساؤل الرئيس لها حول أثر العوامل والمتغيرات المحليّة والإقليميّة والدوليّة على دور الأحزاب السياسيّة اليمنيّة تجاه القضايا العربية؟ والذي تمّ الإجابة عليه عبر الإجابة عن التساؤلات الفرعية المنبثقة عنه، وعن الفرضيات التي انطلقت منها، والتي مثلت في مجملها إشكالية هذه الأطروحة، والتي تتمثّل في وجود ما يشبه التناقض الواضح ما بين تمكن الأحزاب اليمنيّة من الوصول إلى المجلس النيابي في ظل وجود مناخ وبيئة سياسية تتيح المجال للتعددية الحزبية في الحياة السياسيّة اليمنيّة بعد قيام الوحدة اليمنيّة، وبين دور هذه الأحزاب اليمنيّة، ومدى تأثيرها على صنع السيّاسة الخارجيّة اليمنيّة ولا سيما فيما يتعلّق بالقضايا العربية.

لذلك، تسعى هذه الأطروحة إلى توضيح تأثير الأحزاب اليمنيّة على بيئة صنع القرار السياسي اليمني في عملية صنع السيّاسة الخارجيّة تجاه القضايا العربية، سواء أكانت هذه البيئة محليّة أم إقليميّة أم دوليّة.

ففيما يخص التساؤل الفرعي الأول عن موقع القضايا العربية من اهتمامات الأحزاب اليمنيّة؟

انتهت هذه الأطروحة إلى أنّ الأحزاب اليمنيّة أكدت انتماءها القومي للأمة العربية، حيث حظيت القضايا العربية موضوع الأطروحة باهتمام كبير لدى تلك الأحزاب. وتجلى ذلك في صياغة اولويات سياستها الخارجيّة في برامجها السياسيّة والانتخابية لتلك القضايا العربية، في ظل استطاعة الأحزاب اليمنيّة أنْ يكون لها سياسة خارجية مستقلة تجاه القضايا العربية، وتمّ ملاحظة ذلك في صياغة برامجها وبياناتها وخطاباتها السياسيّة.

وفيما يتعلق بالتساؤل الفرعي الثاني للدراسة عن مدى اتساق أو تباين مواقف الأحزاب اليمنيّة ورؤاها لقضايا السيّاسة الخارجيّة مع الموقف الرسمي؟

أكدت الأطروحة بأنّ اتساق أدوار الأحزاب اليمنيّة ومواقفها تجاه قضايا السيّاسة الخارجيّة موضوع الأطروحة، جاء وفقاَ للأيديولوجية الفكرية والخلفية السياسيّة لتلك الأحزاب، وأنّ هناك اتساق وتباين في مواقف الأحزاب اليمنيّة مع الموقف الرسمي تجاه القضايا العربية موضوع الأطروحة، فقد اتسقت مواقف تلك الأحزاب اليمنيّة مع الموقف الرسمي اليمني تجاه تسوية قضية النزاع الحدودي بين اليمن وسلطنة عُمان عام 1992م، ومع تسوية قضية النزاع الحدودي بين اليمن والمملكة العربية السعوديّة عام 2000م، وكذلك مع الموقف الرسمي في موقفه تجاه حرب الخليج الثانية عام 1991م، وأيضاً مع الموقف الرسمي في مبادرته ومواقفه في تفعيل آليات العمل العربي المشترك لتحقيق الوحدة العربية، وقد تباينت مواقف الأحزاب اليمنيّة مع الموقف الرسمي تجاه موقفه في حرب الخليج الثالثة لعام 2003م، وأيضاً في مواقفه ورؤيته لعملية التسوية السلمية للصراع العربي– الإسرائيلي التي انطلقت من مؤتمر مدريد عام 1991م، وقد تمّ إثبات ذلك الاتساق والتباين من خلال الفرضيتين الأولى والثانية اللتين انبثقتا عن هذا التساؤل لهذه الأطروحة، ففيما يتعلق بالفرضية الأولى التي تنص على: كلما كانت مواقف الأحزاب اليمنيّة متسقة فيما بينها تجاه القضايا العربية، شكلت عامل ضغط على الموقف الرسمي اليمني ليأخذ تلك المواقف بعين الاعتبار. ومن خلال اختبار هذه الفرضية، فقد تبيّن صحتها في تأثير الأحزاب اليمنيّة (الإسلامية واليسارية والقومية) على الموقف الرسمي اليمني تجاه أزمة الخليج الثانية وحربها، حيث أتسقت جميع الأحزاب اليمنيّة في رفض الحرب على العراق، والتأثير على الموقف الرسمي اليمني، وذلك بتفعيل دور الجماهير الشّعبية من خلال إقامة المظاهرات والضغط عليه لاستمرارية موقفه القومي الرافض لتلك الحرب، وعدم التراجع عنه، وهذا ادى إلى مساهمتها في صناعة قرار السياسيّة الخارجيّة اليمنيّة.

كما اتسقت مواقف الأحزاب اليمنيّة تجاه قضية الصراع العربي- الإسرائيلي في رفضها لعملية التسوية السلمية لذلك الصراع، ومشاركة اليمن في المؤتمرات الاقتصادية الشرق اوسطية التي كانت تشارك بها “إسرائيل” بالرّغم من توافق الموقف الرسمي اليمني مع عملية التسوية السلمية، والمشاركة فيه وفقاً للتغيرات في البيئة الإقليميّة والدوليّة التي شكلت عامل ضغط عليه للمشاركة، وكذلك في حضور المؤتمرات الشرق أوسطية، إلا أنّ ضغوط الأحزاب اليمنيّة التي تمثل البيئة المحليّة شكلت عامل تأثير على الموقف الرسمي في إيقاف توجهه نحو التطبيع السري والعلني مع “إسرائيل” وفي عدم الذهاب أكثر مما يجب على حساب المبادئ التي يؤمن بها ويعلنها في مواقفه الرسمية. واستطاعت الأحزاب اليمنيّة الضغط على الموقف الرسمي لإيقاف الزيارات السياحية التي قامت بها بعض الوفود اليهودية من أصول يمنية عام 2000م، لليمن بعد أنْ كانت الحكومة اليمنيّة قد سمحت بذلك.

أمّا الفرضية الثانية، التي تنص بأنه كلما اشتد التباين بين الأحزاب اليمنية، اتسم دورها بالمحدودية في عملية صنع السيّاسة الخارجيّة ولا سيما تجاه القضايا العربية. فقد تبين بالفعل صحة هذه الفرضية، حيث تباينت مواقف الأحزاب اليمنيّة تجاه حرب الخليج الثالثة 2003م، فقد التزم بعضها بالاكتفاء باستنكار تلك الحرب والصمت تجاه الموقف الرسمي كحزب التجمع اليمني للإصلاح ذو (التوجه الإسلامي) من خلال الخضوع لقانون منع التظاهرات الذي أعلنته الحكومة اليمنيّة قبل قيام الحرب على العراق لمحاولته مع الحزب الحاكم حزب المؤتمر الشعبي العام كسب الدعم والتأييد الأمريكي والخليجي في التنافس الانتخابي للانتخابات النيابية لعام 2003م، والتي تزامنت مع احتلال العراق، وأيضا عدم مطالبته للموقف الرسمي اليمني بقطع العلاقات الدبلوماسيّة مع دول التحالف في حربها ضد العراق في ظل تأثير التغيرات المحليّة والإقليميّة والدوليّة عليها والعوامل الداخليّة والخارجيّة، على عكس الموقف الحزبي للحزب الاشتراكي اليمني ذو (التوجه اليساري)، وحزب البعث العربي الاشتراكي، وحزب البعث العربي الاشتراكي القومي، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري ذات (التوجه القومي) التي كانت تطالب الموقف الرسمي اليمني بقطع العلاقات الدبلوماسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة مع دول التحالف في حربها على العراق في مظاهراتها ضد تلك الحرب واحتلال العراق. وعلى ضوء تلك التباينات استمر الموقف الرسمي في استنكار قيام تلك الحرب واحتلال العراق، إلا أنه لم يقم بقطع العلاقات الدبلوماسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة مع دول التحالف في تلك الحرب.

وفيما يخص التساؤل الفرعي الثالث للدراسة عن الدور الذي تؤديه الأحزاب اليمنيّة للمشاركة في توجهات السيّاسة الخارجيّة اليمنيّة تجاه القضايا العربية؟ وإلى أيَّ مدى ساهمت في ترسيخ تلك التوجهات؟

توصَّلت هذه الأطروحة إلى أنّ الأحزاب اليمنيّة استطاعت بعد قيام الوحدة اليمنيّة عام 1990م، أنْ تساهم في تنشيط الحراك السياسي والدبلوماسي للسياسة الخارجيّة اليمنيّة، في ظل التفاعلات المحليّة والإقليميّة والدوليّة، فقد كان لها دور غير مباشر تجاه القضايا العربية نتيجة إسهامها في توظيف الرأي العام الشعبي في ظل اهتماماته بالقضايا القوميّة من خلال الاتصال السياسي به ليشكّل ضغطاً على توجهات السيّاسة الرسمية اليمنيّة تجاه تلك القضايا، ومع أنّ دوره كان محدوداً إلا أنه كان يشكّل ضوابط على توجهات تلك السّياسة.

وكذلك استطاعت تلك الأحزاب أنْ يكون لها دور مباشر تجاه بعض القضايا العربية كـ(حربي الخليج الثانية والثالثة، والصراع العربي- الإسرائيلي) من خلال وضع سياسة خارجية خاصّة بها تمثلت في تقديم الدعم المادي والمعنوي لتلك القضايا في ظل مشاركة قاعدتها الشعبيّة، وبذلك كان لها تأثير على توجهات السيّاسة الخارجيّة اليمنيّة في تقديم الدعم المادي والمعنوي لتلك القضايا.

وكان للأحزاب اليمنيّة دور أيضاً في عملية صنع القرار المعنى بالعلاقات الخارجيّة العربية لليمن، ولا سيما تجاه القضايا الثنائية  في ظل تمثيلها في السلطة التشريعية، من خلال الاسهام بالموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود بين اليمن وسلطنة عُمان عام 1992م، ومعاهدة ترسيم الحدود بين اليمن والسعوديّة عام 2000م.

ومن هذا التساؤل انبثقت الفرضية الثالثة، التي تنص بأنه كلما كانت الأحزاب اليمنيّة تعبيراً صادقاً عن رؤى قاعدتها الشّعبية زاد دورها وتأثيرها على عملية صنع السيّاسة الخارجيّة تجاه القضايا العربية التي تشكّل القاعدة الجماهيرية.

إنّ هذه الأطروحة أكدت صحة هذه الفرضية، واثبتت بأنّ هناك علاقة إيجابية بين تلك الأحزاب موضوع الأطروحة وجماهيرها الشّعبية فيما يخص أدوارها ومواقفها تجاه القضايا العربية، فبالرّغم من عدم قدرة الأحزاب السياسيّة اليمنيّة في التأثير على توجهات السيّاسة الخارجيّة اليمنيّة عبر السلطة التشريعية لافتقادها للأغلبية النيابية في ظل استمرارية هيمنة حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم على تلك الأغلبية في داخل مجلس النواب وانفراده بالسلطة بين عامي 1997-2012م، وبالتالي أصبحت السلطة التشريعية تابعة للسلطة التنفيذية، ومع ذلك استطاعت الأحزاب اليمنيّة التأثير خارج السلطة التشريعية مباشرةً على السلطة التنفيذية من خلال مراقبة أعمالها عبر صحافتها الخاصّة، والتأثير على صانع القرار السياسي اليمني، للأخذ برأي الجماهير اليمنيّة وتوجهاتها القوميّة. ولكن دور تلك الأحزاب لم يرتقِ إلى مستوى فرض توجهاتها بشكل كامل فيما يهم قضايا السيّاسة الخارجيّة ولا سيما القضايا العربية موضوع الأطروحة.

وفيما يخص التساؤل الفرعي الرابع عن أثر انتفاضة عام 2011م على الخارطة السياسيّة والحزبية في اليمن؟ وما أثر الصراعات الحزبية والسياسيّة اللاحقة على شكل أدوار الأحزاب السياسيّة تجاه القضايا الخارجيّة في الأمد المنظور والمتوسط؟

إنّ التغيرات الداخليّة التي حدثت في اليمن بعد عام 2011م، أدت إلى زيادة حدة الأزمة السياسيّة الداخلية، وبالتالي تضاعف تأثيرها السلبي في صنع قرار السيّاسة الخارجيّة اليمنيّة، حيث كرّست تلك التغيرات استمرارية حالة الصراع بين القوى الحزبية والسياسيّة في ظل المحاصصة الحزبية التي أوجدتها المبادرة الخليجية، كما أنّ تلك التغيرات لم تمثل عملية انتقال واضحة وصريحة نحو التنافس الديمقراطيّ بين الأحزاب من خلال إقامة انتخابات نيابية ورئاسية، والتي كان من المفترض إقامتها بعد انتهاء المرحلة الانتقالية في 21 شباط/ فبراير 2014م. إلا أنّ استمرارية الصراعات السياسيّة والحزبية حالت دون ذلك، وقد أثبتت تلك الأحداث بأنّ الواقع السياسي في اليمن لا يحتاج الى اتفاقات لا تطبق بل يحتاج إلى إرادة سياسية وفعل سياسي يطبق الاتفاقيات من قبل تلك الأحزاب. وهنا يجب على الأحزاب اليمنيّة خلق تلك الإرادة من خلال المصالحة مع بعضها لإيقاف ذلك الصراع السياسي، الذي نتج عنه صراع مجتمعي، وانعكس هذا بدوره على السيّاسة الرسمية اليمنيّة تجاه القضايا العربية التي أصبحت تعيش حالة انكفاء على قضاياها الداخليّة. ولذلك لم تنجح السياسة الرسمية اليمنيّة والحزبية بأدوارها الحقيقية تجاه القضايا العربية إلا في ظل نظام ديمقراطي حقيقي يقبل بالتداول السلمي للسلطة.

كما شهد اليمن أيضاً بعد أحداث عام 2011م، تكوين عشرات الأحزاب الجديدة التي لا تمتلك أبسط مقومات العمل الحزبي، وهذا يرجع إلى تسهيل إجراءات وشروط إنشاء الأحزاب، مما أحدث فوضى حزبية، من خلال تكوين أحزاب ذات توجه فكري واحد خاصّةً الأحزاب الدينية، حيث إنّ كثرة الأحزاب ذات المرجعية الدينية قد تكون عائقاً لإقامة حياة حزبية حقيقية وسليمة، وهي تسبب انقساماً طائفياً في المجتمع، وتُعدُّ جزءاً رئيساً في استمرارية الصراع المجتمعي والسياسي في اليمن كما أنّ نشاط الحياة السياسيّة لا يتمثل في كثرة الأحزاب في الخارطة السياسيّة لأن العبرة ليست في الكم، وإنما في التأثير على الحياة السياسيّة ومدى التحامها بالجماهير، وفي قضاياها الوطنية والقومية. وإنّ مستقبل الأحزاب اليمنيّة يتوقف على طبيعة العلاقة بين الأحزاب القائمة، فإذا كانت علاقة تعاونية فسوف تساعد على إنضاج التجربة الدّيمقراطيّة والعكس صحيح.

ولا يخفى على المهتمين بالشأن السياسي والحزبي في اليمن أنّ الأحزاب السياسيّة القائمة في الساحة السياسيّة اليمنيّة (الإسلامية واليسارية والقوميّة) حتّى إعداد هذه الأطروحة أخفقت إخفاقاً ذريعاً أمام الرأي العام اليمني، الذي لم يُفاجأ بإخفاقها، بل كان يتوقع لها ذلك مسبقاً، لأن الصورة النمطية الراسخة في العقل السياسي اليمني عن الأحزاب سلبية، وخاصّةً تجاه قضاياها الداخليّة حتّى صار الحديث عن إخفاقها وفسادها عادة لدى الجماهير الشّعبية اليمنيّة يتناولونهُ في مجالسهم ومنتدياتهم السياسيّة. وإنّ بقاء هذا الانطباع الشعبي السلبي عن الأحزاب في اليمن بعد أحداث 2011م، لا يصلح لبناء دولة حديثة أساسها الثقة المتبادلة بين الشّعب والقيادات السياسيّة في السلطة أو المعارضة. كما أنّ تغيير هذا الانطباع لا يكون بشعارات وخطابات رنانة وخطط تنموية ارتجالية، وإنما يحتاج إلى وقت، وجهد مخلصين، وقيادات سياسيّة صادقة، وبرامج سياسيّة وتأهيلية وتطويرية صحيحة. فالأحزاب السياسيّة القديمة والجديدة مطالبة بإقناع الرأي العام اليمني بدورها الإيجابي في بناء الوطن، وخدمة المواطن وتمهيد الطريق لبناء دولة مدنية حقيقية.

ولا يُمكن أنْ يكون للأحزاب اليمنيّة دوراً فاعلاً تجاه القضايا العربية بعد أحداث 2011م، مالم تكن في الأساس قد استطاعت تسوية بيئتها السياسيّة والحزبية الداخليّة، حيث ما يزال العمل الحزبي في اليمن يواجه مشكلات متعددة في ظل استمرارية الصراعات القائمة بين تلك الأحزاب للاستحواذ على السلطة، وانشغالها بالقضايا الداخليّة، فلكي يكون لها دور تجاه القضايا العربية لا بدَّ  لها من أرضية صالحة تقف عليها.

وبناء على ما سبق، فإنه من الضروري إعطاء رؤية مستقبلية عن مدى قدرة  الأحزاب اليمنيّة في أنْ يكون لها دور تجاه قضايا السيّاسة الخارجيّة في المستقبل، ومدى قدرة القيادات الحزبية على تنمية القدرات والإمكانات التي تعزز دورها وتأثيرها على الموقف الرسمي اليمني ليكون له دوراً واضحاً تجاه تلك القضايا، التي شهدها اليمن بعد أحداث 2011م.

ولكي يكون للأحزاب اليمنيّة دوراً فاعلاً تجاه القضايا العربية بعد أحداث 2011م، يتطلب منها أنْ تأخذ  بالمقترحات الآتية:

  • إنّ من المتطلبات الأساسية التي يجب على الأحزاب اليمنيّة أنْ تنطلق بها هي إعادة تقويم ودراسة البدائل والخيارات للسياسة الخارجيّة اليمنيّة وتوجهاتها تجاه القضايا العربية. وكذلك يجب إعادة ترتيب السيّاسة الخارجيّة اليمنيّة للتعامل مع الدول الإقليميّة والدوليّة، وفقاً لدبلوماسيّة نشطة وواقعية تنسجم مع المصلحة الوطنية والقومية بعيداً عن الدبلوماسيّة الارتجالية.
  • أنْ تعمل الأحزاب اليمنيّة على ترسيخ أهمية البُعد الاقتصادي في السيّاسة الخارجيّة اليمنيّة في البيئتين الإقليميّة والدوليّة.
  • أنْ تساهم الأحزاب اليمنيّة في إنشاء العديد من مراكز الدراسات السياسيّة الاستراتيجية لمعاونة صناع قرار السيّاسة الخارجيّة في دراسة المواقف وإعداد البدائل المتاحة وتحديد جدوى كل بديل بصورة منهجية تأخذ في الاعتبار العوامل الداخليّة والخارجيّة المؤثرة مما يساعد صناع القرار السياسي على اتخاذ القرارات الرشيدة التي تحافظ على المصالح الوطنية والقوميّة بأقل قدر من الخسائر تجاه توجهاتها الخارجيّة.
  • يتطلب من الأحزاب اليمنيّة بلورة رؤية استراتيجيّة للسيّاسة الخارجيّة اليمنيّة تجاه القضايا العربية تكون فيها الأهداف واضحة ومنسجمة مع قدرات وإمكانات اليمن وتعبر عن التوجهات الحزبية والشعبيّة التي تؤدي إلى تحقيق أعلى درجة من الفعالية لمساهمة اليمن في لعب دور تجاه تلك القضايا.
  • يتطلب من جميع الأحزاب اليمنيّة أنْ تقوم مراجعة شاملة لذاتها لاستيعاب المرحلة القادمة في المستقبل، وأنْ تضع في اعتبارها أن ما بعد أحداث 2011م، ليس كما قبلها، ويجب عليها أنْ تصحح الخطاب الإعلامي الحزبي، واعتماد خطاب سياسي خارجي واحد بين تلك الأحزاب، وخطاب سياسي داخلي منسجم وضرورة فتح باب النقد الذاتي المنضبط وتشجيعه والشروع بإصلاحات داخلية سياسيّة واقتصاديّة وإداريّة ذات مصداقية تؤدي إلى تقوية الجبهة الداخليّة والالتفاف الوطني بهدف الحفاظ على المصالح الوطنية والقوميّة لليمن. لمواجهة أيَّ إملاءات خارجيّة قد تضر بالجميع.
  • يتطلب من الأحزاب اليمنيّة أنْ تتخذ سلوك الحوار مع بعضها لحل جميع الخلافات أو الاختلافات في المواقف والرؤى والتوجهات، لأنّ هذه الطريقة هي الأسلوب الحضاري في حل الخلافات، فالاحتكام للسلاح لا يخلف إلا الدمار وهو سبب رئيس لحصول أيَّ شرخ في الوحدة الوطنية اليمنيّة نتيجة لما ينتج عنه من قتل.
  • يتطلب من الأحزاب القوميّة ذات التوجهات المتقاربة والأيديولوجيات المتشابهة أنْ تتوحد في حزب واحد، فبقاؤها مقسمة لا يخدم الدّيمقراطيّة ولا يخدم دورها القومي تجاه القضايا العربية.
  • يتطلب من الأحزاب اليمنيّة أنْ تغير تلك الشبكة المعقدة من التحالفات السياسيّة، وأنْ تلجا إلى سياسة تنافسية على البرامج السياسية والانتخابية للوصول إلى السلطة، بعيداً عن خلق أزمات سياسية واقتصادية وأمنية.
  • يتطلب من الأحزاب اليمنيّة أنْ تعمل على تنشئة سياسية ترسخ أفكار الدّيمقراطيّة، والتداول السلمي للسلطة بغرض بناء مجتمع واع بحقيقة الدّيمقراطيّة، للخروج من الصراعات الأيديولوجية في الانتماء الحزبي. حيث أثبت واقع الحياة السياسيّة باليمن بأنّ الاحزاب اليمنيّة لا تعيش حالة من التنافس البرامجي، وانما التعصب الأيديولوجي تجاه قضاياها الداخليّة والخارجيّة.

وأخيراً يمكن للأحزاب اليمنيّة في المستقبل أنْ تقيم علاقات خارجية على أساس الثوابت الوطنية والمنافع المتبادلة وأنْ تخلق توازن في علاقات اليمن الإقليميّة والدوليّة. وكذلك على صانع القرار السياسي اليمني أنْ يدرك أنّ قوة التوجهات للسيّاسة الخارجيّة اليمنيّة الرسمية تجاه القضايا العربية وأدوارها يأتي من قوة أحزابها السياسيّة ومواقفها.

د. جهاد عبد الرحمن أحمد صالح

باحث وأكاديمي يمني

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق