أحجار رقعة الشطرنج الجيوسياسية في سورية تصرخ من أجل حركات جريئة تنقذها

أحجار رقعة الشطرنج في سوريا ترتبط بأحجار رقعة الشطرنج العالمية، خصوصا بعدما اعتبر البعض أن فلاديمير بوتين لاعب شطرنج سياسي ماهر بعد ضمه لشبه جزيرة القرم، اعتبرت المناورة جريئة جاءت بصدمة للغرب على حين غرة، وكأنه كان يريد اتفاقية جديدة ليالطا لتقسيم العالم إلى نفوذ معه وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط وبشكل خاص في سوريا ( اتفاقية يالطا السوفيتية الواقعة على البحر الأسود بين الاتحاد السوفيتي بزعامة ستالين وبريطانيا بزعامة تشرشل، والولايات المتحدة بزعامة روزفلت عام 1945 لمناقشة تقسيم ألمانيا التي هزمت في الحرب العالمية الثانية).

 بينما اعتبره البعض الآخر لاعب شطرنج أحمق ومتهور بعد ترنح الاقتصاد الروسي، لأنه كان هناك تحد له في الغرب، فعندما قال معجبو بوتين إنه يلعب الشطرنج فردوا عليهم بأنهم يلعبون لعبة الداما، ويعتبر الغرب صفقات الطاقة الكبرى التي يعقدها بوتين بأنها فكرة شريرة وبغيضة وتشبه إلى حد ما اتفاق هتلر – ستالين عام 1939 التي تعرضت لانتقادات لاذعة.

الإدارة الأمريكية منقسمة، فإدارة أوباما ترى أن مفتاح إعادة ترتيب الشرق الأوسط يكمن في وجود تقارب بين الولايات المتحدة وإيران، لأن مستشاري أوباما يرون أن الإيرانيين الدنيويين أكثر جاذبية من الأصوليين العرب وهم أكثر خطرا وأكثر تهديدا لمنطقة الشرق الأوسط من طموحات إيران الإقليمية المتطورة من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن القضية النووية مع إيران، حتى يكون هناك شرق أوسط في طور التكوين.

لكن هناك قسم مقابل في أميركا يرون أن الأمر يبدو مثيرا، وليس فقط مثيرا، بل مخادعا كما تراه إدارة أوباما، لأنه ليس هناك ما يضمن أن طهران مستعدة لإنهاء برنامجها النووي، أو حتى الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريين بأن يوافقوا على رفع العقوبات.

هذا الانقسام في الإدارة الأميركية يصطدم بوسائل عديدة، إعلام اجتماعية، والأسواق المالية، والحركات الشعبية التي تعتبر نشطة في منطقة الشرق الأوسط، والأعمال الإرهابية التي تضرب المنطقة، حتى ولو كانت الولايات المتحدة والغرب يوظفهم لصالح أجندات سياسية، رغم ذلك يمكن لتلك العوامل أن تربك وتفشل حسابات حتى الاستراتيجي الجيوسياسي الأبرع التي تمارسها إدارة أوباما في سوريا بشكل خاص وفي المنقطة بشكل عام، وتدير ظهرها لآراء القسم الآخر من الأمريكيين الذين يرون أن سياسة أوباما يعتريها فوضى في منطقة الشرق الأوسط، ويمكن أن تفاجأ إدارة أوباما بأن أحجار رقعة الشطرنج يمكن أن تدور من تلقاء نفسها.

بعد أكثر من 11 جولة مفاوضات لم تفض إلا لمزيد من التأجيل، ولا يزال الحل على حافة الانهيار، بل هناك انقسام بين الإدارة الأمريكية والفرنسية حول النووي الإيراني، فقد أظهرت فرنسا تشددا واضحا في التعاطي مع الملف النووي الإيراني، لأنها تتخوف من استعداد أميركي لقبول حل لا يستوفي كافة الضمانات المطلوبة، بسبب حاجة إدارة الرئيس أوباما إلى تحقيق إنجاز دبلوماسي مهم، لكن إيران تعي حقيقة قدرة الأوربيين (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) على عرقلة أي اتفاق لا يحمل في طياته ضمانات كافية.

فرنسا تختلف مع الولايات المتحدة كذلك حول سوريا كما تركيا، وهي تريد إنقاذ حلب وإقامة مناطق آمنة يحميها حظر جوي، واستهداف قوات النظام السوري مباشرة من خلال ضربات جوية غامضة على غرار مطالب تركيا بتكوين منطقة عازلة على حدودها.

تركيا حذرة من أن تورطها الولايات المتحدة في المستنقع السوري، لذلك هي رفضت الانخراط التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة داعش من دون استهداف النظام السوري، لأن تركيا ترى المشكلة في نظام الأسد رغم أن الكل ينظر إلى داعش بأنه المشكلة، لذلك فشل بايدن في ضم أنقرة للتحالف الدولي ووافقت الولايات المتحدة على فترة انتقالية بعيدا عن نظام الأسد كعادة الدبلوماسية الأميركية في مراوغة الحلفاء.

نتيجة الملف النووي أصبحت الأزمة السورية تستعصي أمام كبار دبلوماسي العالم، ويأتي بعد الملف النووي ملف الإرهاب، يتضح ذلك بعد مطالبة كيري بطلب تفويض أوسع على مدار ثلاث سنوات لا يقتصر على العراق وسوريا من خلال نشاط استخباراتي إقليمي – غربي لمواجهة داعش لملاحقة رؤوس الإرهاب الكبيرة يسميها البعض بالحرب العالمية الثالثة على الإرهاب.

بينما الأزمة السورية أوجدت خريطة جديدة لسوريا يتقاسمها المتشددون والنظام، وداعش تعلن عن تمددها في جنوب سوريا وهو ما يهدد معاقل المعارضة ويدخلها في صراع جديد وهو مطلب الولايات المتحدة التي تضع خطة لتدريب المعارضة السورية على مدى ثلاث سنوات، في كل سنة تدريب خمسة آلاف معارض لمقاتلة داعش أي تخدم الأجندة الأميركية وليس السورية.

يتزامن مع تشديد دي مستورا المبعوث الدولي إلى سوريا بتجميد القتال في منطقة ونقله لأخرى بأنه يخدم النظام السوري ولا يخدم المعارضة، وهناك تساؤلات المعارضة حول ضمانات أي اتفاق في حلب.

واشنطن ممتنة لاستضافة القاهرة لقاءات المعارضة السورية، وممتنة أيضا لموسكو لعقد مؤتمر موسكو، بينما روسيا تريد موسكو 1 وليس جنيف 3 لسوريا، رغم أن النظام السوري أبلغ موسكو رفضه تشكيل هيئة حكم انتقالية بعد اقتراح موسكو وقف القتال في سوريا تمهيدا لتشكيل حكومة ائتلافية.

عادت سوريا إلى الألعاب الاستعمارية القديمة، وقد صممت الأساليب إلى بلقنة سوريا الكبرى واستدعاء سياسة فرق تسد حتى تحولت سوريا إلى أرخبيل الجهاديين، إذ يأمل النظام السوري أن يواصل رهانه بالاحتفاظ بالسلطة بدعم إيران وروسيا عبر تحريض أقليات سوريا على الأغلبية فيها، لأن النظام السوري يخيف الأقليات بأنها ستباد على أيدي الأغلبية السنية الجهادية، وعليها أن تنشئ تحالف الأقليات من أجل أن يستعير النظام السوري تجربة اجتياح أثينا من قبل الملك الفارسي زركسيس الذي يتألف معظمه من جنود الأقليات ،وهي نفس الطريقة التي حاول تطبيقها القذافي ضد الشعب الليبي، لكن كانت فرنسا له بالمرصاد وتركت الشعب الليبي يقبض عليه ويقتله.

أي أن الأزمة السورية ليست في صلب الإستراتيجية الأميركية وليست لها أي أهمية تذكر، بينما الأولوية في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، والأولوية الثانية بعدما عادت الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط لمواجهة الإرهاب.

 أمام عدم رغبة موسكو في ممارسة ضغوط على نظام الأسد واستمرار تشدد إيران يستمر الدوران في حلقة مفرغة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق