العقوبات الدولية المفروضة على إيران

مقدمة:

تعتبر العقوبات إحدى أدوات المجتمع الدولي في تقويم سلوك دولة ما، بما يتفق مع النهج العام للنظام الدولي. ويلجأ المجتمع الدولي/الدولة إلى هذه الأدوات كمرحلة استبدالية للحرب، من باب منح فرصة للدولة المستهدفة بأن تعدل عن سلوكها، على أمل أن تثمر بنتائج إيجابية تقي المجتمع الدولي/الدولة اللجوء إلى فرض الأوامر عن طريق القوة العسكرية.

وتستخدم هذه العقوبات إما (جماعية) من قبل المجتمع الدولي عبر القوى المهيمنة عليه، سواء عبر شرعنة العقوبات من خلال مجلس الأمن، أو من خارج إطار الشرعية الدولية. كما يمكن أن تكون (فردية) تفرض من قبل دولة منفردة على أخرى وفق قانون القوة في العلاقات الدولية.

ويمكن لهذه العقوبات أن تكون (محدودة) في زمانها أو مجالات تطبيقها، بحيث لا تشمل سوى نقاط محددة قد تكون ذات صبغة سياسية أوامرية بغية الحفاظ على هيبة المجتمع الدولي/الدولة وفقاً لاستجابة الدولة المستهدفة. ويمكن لها في المقابل أن تكون (مفتوحة) ذات مدى زمني واسع، أو أن تشمل قطاعات واسعة. وقد تكون تدريجية غير مباشرة، أو كلية مباشرة.

كما أن للمجتمع الدولي/الدولة أن يفرض تلك العقوبات بشكل سياسي-اقتصادي، دون اللجوء لوسائل القوة لفرض حصار على الدولة المستهدفة، وقد يلجأ لذلك في حال عدم امتثال الدولة للأوامر الصادرة بحقها.

لكن استخدام آلية العقوبات، يتطلب فترة طويلة نسبياً من الزمن حتى تعطي نتائجها، كما أن تلك النتائج تبقى مستمرة حتى بعد رفع العقوبات، إذ أن مفعولها الأساس يستهدف بنية الدولة واقتصادها، ويحدث اختلالات هيكلية اقتصادية تستمر حتى على المدى الطويل.

وتعتبر إيران مثالاً جلياً على العقوبات الدولية، التي بدأت تفرض عليها منذ عام 1979، وإن كان بشكل منفرد ومحدود. إلا أنها ونتيجة تطويرها للبرنامج النووي مع إعاقتها للجهود المبذولة للكشف عن طبيعة هذا البرنامج، والتلاعب بلجان التفتيش الدولية في كثير من المناسبات؛ فقد اتُخذت بحقها سلسلة كبيرة من العقوبات التي اتسعت باستمرار، وخاصة منذ تسعينيات القرن الماضي، ليضاف إليها لاحقاً عقوبات دولية مشرعنة من خلال مجلس الأمن، كانت بدايتها منذ عام 2006.

وسعت جميع تلك العقوبات لإجبار إيران على تجميد برنامجها النووي أولاً، والسماح للمجتمع الدولي بالتحقق من طبيعته ثانياً، وخاصة أنه أقرّ لها بحقها في برنامج نووي سلمي تحت إشراف الوكالات المختصة. ورغم كثير من الصيغ المطروحة كحل توافقي بين إيران والمجتمع الدولي، إلا أنّ تلك الصيغ لم تلقَ استجابة فعلية من السلطات الإيرانية، واستمرت في تجميد تعاونها من اللجان الدولية، وفي تطوير برنامجها النووي وبشكل سري، وتوسيع طاقة تخصيبه، بما يتجاوز المعايير الدولية للاستخدام السلمي. حتى أتت تلك العقوبات بنتائج فعلية على البنية الاقتصادية الإيرانية وخاصة في العامين الأخيرين. مما دفعها منذ منتصف عام 2013، وخاصة بعد استلام حسن روحاني سدة الرئاسة، إلى البحث عن مخارج تحافظ على النظام السياسي من جهة، وتخرج من خطر الانهيار الاقتصادي الشامل الذي بات يحدق بها.

لكن أية عملية تفاوضية تقدم جملة من التنازلات ما كان لها أن تتم إلا في ظل تأزم داخلي حقيقي، وإدراك من قبل المرشد لذلك التأزم، وقابليته لتغيير سلوكه تجاه المجتمع الدولي، وهو ما دفع إلى عقد اتفاق جنيف النووي في نوفمبر 2013.

وسيسلط هذا البحث الضوء على أبرز العقوبات المفروضة على إيران، وأهم بنود اتفاق جنيف بينها وبين القوى الدولية (5+1).

أولاً- العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن:

أصدر مجلس الأمن ستة قرارات ملزمة تفرض عقوبات على إيران، ما بين الأعوام 2006 و 2010. متدرجاً في فرض تلك العقوبات، وفقاً للموقف الإيراني من أزمة ملفه النووي، واستهدفت هذه العقوبات قطاعات الصناعة العسكرية التقليدية والنووية، والاقتصاد والتجارة والمصارف، والشخصيات والكيانات الإيرانية المرتبطة بالملف النووي.

القرار 1696، بتاريخ 31/7/2006:

كان هذا القرار فاتحة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن فيما يتعلق بأنشطة إيران النووية غير السلمية. إذ إنّ شكوك منظمة الأمم المتحدة حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني من جهة، وعدم تعاون إيران في استيضاح سلمية البرنامج من عسكريته، هي الدافع الأساس في سلسلة قرارات مجلس الأمن.

صدر هذا القرار تحت المادة 40 من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، فارضاً جملة من الترتيبات على إيران، أهمها دعوة إيران لاتخاذ إجراءات بناء الثقة عبر الغرض السلمي الخالص لبرنامجها النووي. ودعوتها لتعليق جميع الأنشطة المتعلقة بالتخصيب، والتأكيد على أن الحل الدبلوماسي عبر التفاوض مرتبط بشكل أساس بتعليق تلك الأنشطة، ومنه يتم البحث في آليات التوصل إلى ترتيب شامل طويل الأجل.

وشكلت العقوبات المفروضة في هذا القرار، عقوبات تقنية عبر منع جميع الدول من نقل أية أصناف أو مواد أو سلع تكنولوجية قد تساهم في أنشطة إيران النووية. دون أن يوسع دائرة العقوبات مباشرة، على أمل استجابة إيران لهذا القرار، مهدداً باللجوء إلى المادة 41 (1) من الفصل السابع في حال عدم امتثالها لمضامينه.

القرار 1737، بتاريخ 23/12/2006:

لم يشكل القرار السابق الصادر عن مجلس الأمن، رادعاً فعلياً للسلطات الإيرانية، كي يدفعها نحو التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو مجلس الأمن، ولم يشكل ضاغطاً يؤدي إلى إيقاف البرنامج النووي غير السلمي، في ظل غياب تعاون إيراني يبرهن على سلمية البرنامج.

لذا كان على مجلس الأمن أن يعيد اجتماعه بعد أقل من خمسة أشهر، ليصدر قراراً أكثر حزماً تجاه السلطات الإيرانية، وفقاً للمادة 41 من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة. فاتحاً المجال هذه المرة لاستخدام وسائل القوة عبر الحصار لإنفاذه. مكرراً بعض ما جاء في القرار السابق من جهة، وفارضاً قيوداً وعقوبات على كل الجهات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.

إذ طالب القرار السلطات الإيرانية بتعليق جميع الأنشطة المتصلة بالتخصيب والماء الثقيل. وحظر على جميع الدول توريد أي من أصناف المواد التي تساهم في أنشطة إيران المتصلة بالبرنامج النووي بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم تقديم أي نوع من المساعدة أو التدريب أو الاستثمار وسواها من الخدمات التي تتعلق بالسلع والتكنولوجيا المحظورة في هذا القرار. بل ومنع القرار جميع الدول من تدريس أو تدريب المختصين داخل أراضيها أو من قبل رعاياها لرعايا إيرانيين، في تخصصات ذات صلة بأنشطة إيران النووية. وألزم إيران بإيقاف تصدير جميع الأصناف الواردة في نص هذا القرار والمتعلقة بالنشاط النووي وبالقذائف المتصلة به (2)، وحظر على جميع الدول شراؤها.

وقد لاحظ القرار في كثير من تفاصيله الحالات الإنسانية والحالات السابقة على صدور القرار. وخاصة تلك المتعلقة بالأنشطة المالية. بعد أن دعا جميع الدول إلى تجميد الأموال والأصول المالية والموارد الاقتصادية الأخرى التي يمتلكها أو يتحكم فيها الكيانات والأشخاص المرتبطون بأنشطة إيران النووية. وقد حدد القرار 10 كيانات، و 11 شخصاً مشمولاً بهذا التجميد.

لكن لجوء هذا القرار إلى المادة 41، والتهديد باستخدام القوة، لم يعنِ شن حرب على إيران، بل استخدام القوة في فرض الحصار عليها، إذ انتهى نص القرار بالتأكيد على ضرورة التزام الحل السلمي عبر التفاوض لإنهاء أزمة الملف النووي، بعد أن تمتثل إيران لمقررات الأمم المتحدة في هذا الشأن.

القرار 1747، بتاريخ 24/3/2007:

كعادة القيادة الإيرانية في المناورة والتهرب من مسؤولياتها الدولية، لم تستجب للقرار الثاني الصادر عن مجلس الأمن، مما حدا بالمجلس بعد أشهر قليلة، إصدار قرار آخر تحت المادة 41 من الفصل السابع، يؤكد الترتيبات التي فرضها في قراريه السابقين، ويضيف إليهما ترتيبات جديدة.

حيث حظر هذا القرار على الدول السماح لدخول أو عبور الأفراد المرتبطين في أنشطة إيران النووية، كما حظر عليها الدخول في التزامات جديدة لتقديم منح ومساعدات مالية وقروض إلى حكومة إيران، إلا لأغراض إنسانية أو تنموية. وقد وسّع هذا القرار دائرة الحظر على إيران لتشمل معظم منظومة الأسلحة التقليدية من دبابات ومركبات وطائرات قتالية وقذائف ومدفعية. كما وسع من نطاق المستهدفين بالحظر عبر إضافة 13 كياناً إيرانياً جديداً و15 شخصاً آخرين. ليطال لأول مرة وبشكل مباشرة مؤسسات الحرس الثوري وقياداته. ووضع القرار إطاراً لمجالات التعاون المستقبلي التي ستشملها المفاوضات بشأن اتفاق طويل الأجل، في حال التزام إيران بجميع تلك الترتيبات المفروضة عليها.

القرار 1803، بتاريخ 3/3/2008:

اتسمت السنة الفاصلة بين القرارين الأخيرين، بمماطلة كبيرة من إيران وتعليقها التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من جانب واحد، وإنكار حق الوكالة في التحقق من المعلومات المتعلقة بالتصاميم والمعلومات التي قدمتها إيران. مما حدا المجلس لتوسيع قائمة الحظر والعقوبات من جديد.

إذ وسّع المجلس الحظر على المعدات والسلع التكنولوجية المتعلقة بالنشاط النووي الإيراني، كما قام بتوسيع قيود التعاملات التجارية، ففرض قيوداً على تعامل المؤسسات المالية مع جميع المصارف التي تتخذ من إيران مقراً، وقد خصّ بالذكر مصرفي “مللي” و “سديرات” وفروعهما وتوابعها خارج إيران.

كما طالب القرار جميع الدول بتفتيش الشحنات المتجهة من إيران أو إليها عبر طائرات أو سفن تمتلكها أو تشغلها شركة إيران للشحن الجوي وشركة جمهورية إيران الإسلامية للملاحة.

وقد أضاف القرار 13 شخصاً إيرانياً إلى قائمة الذين يطالهم الحظر، إضافة إلى 12 كياناً إيرانياً آخرين، ضمهم إلى تلك القائمة.

القرار 1835، بتاريخ 27/9/2008:

لم يضف هذا القرار أي جديد للقرارات السابقة، سوى مطالبة إيران بالتزام ما فرض عليها، والتأكيد على ضرورة التوصل إلى حل مبكر عن طريق التفاوض حول المسألة النووية الإيرانية.

القرار 1929، بتاريخ 9/6/2010:

بعد جملة طويلة من التقارير التي رفعها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال خمسة أعوام، تثبت أن إيران لم توقف بشكل كامل ودائم جميع الأنشطة ذات الصلة بتخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة، ولم تستأنف تعاونها مع الوكالة، ولم تمتثل لأحكام قرارات مجلس الأمن. بل قامت بتعليق تعاونها عدة مرات، كما قامت بإنشاء مرفق جديد في قم لتخصيب اليورانيوم وبشكل سري. ووصلت مستوى 20% من التخصيب.

وخلال هذه الفترة تقدمت عدة دول من أهمها تركيا والبرازيل بمقترحات عملية لإيجاد حل تفاوضي شامل وسلمي في صالح كافة الأطراف، دون أن يلقى كل ذلك أية استجابة من القيادة الإيرانية.

لذا جاء هذا القرار الأخير، موسعاً عن كل ما سبقه، تحت المادة 41 من الفصل السابع، موسعاً بشكل كبير جملة العقوبات المفروضة على إيران. حيث حظر هذا القرار على إيران المشاركة في أي نشاط تجاري في دولة أخرى ينطوي على استخراج اليورانيوم أو إنتاج أو استخدام المواد التكنولوجية النووية، كما حظر على الدول قبول مثل تلك الاستثمارات على أراضيها.

ووسع القرار الحظر على الأسلحة التقليدية ليشمل قطع الغيار وكل أشكال التدريب عليها، كما وحدّث قوائم المواد المحظورة ذات العلاقة بالنشاط النووي (3).

كما سمح القرار لكافة الدولة بتفتيش السفن الإيرانية أو المرتبطة بجهات إيرانية خارج مياهها الإقليمية وفي أعالي البحار، بموافقة دول العلم، في حال الشك بنقلها مواد محظورة، ومصادرة تلك المواد والتخلص منها.

كما فرض حظراً على تقديم الخدمات المتصلة بوقود السفن إلى الجهات الإيرانية التي تحمل مواداً محظورة. كما حظر تقديم خدمات التأمين أو تمويل أية أصول أو موارد مالية إلى أراضيها أو عبرها أو منها، إذا كانت تسهم في أنشطة إيران النووية.

كما حظر القرار افتتاح فروع أو مكاتب تابعة للمصارف الإيرانية، وحظر على المصارف الإيرانية إنشاء أية مشاريع مشتركة جديدة خارج إيران، ومنع تزودها بالخدمات المالية، كما حظر على الدول القيام بأنشطة مصرفية في إيران. وقد أضاف القرار إلى قائمة الحظر 40 كياناً جديداً، كثير منها مرتبط بالحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى فرد واحد.

ثانياً- العقوبات الأمريكية:

تعود جذور القائمة الطويلة من العقوبات السياسية والاقتصادية الأمريكية المفروضة على إيران إلى عام 1979 إبان أزمة الرهائن واحتلال السفارة الأمريكية في طهران. ليعلن الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر في نوفمبر1979 حالة طوارئ تقتضي تجميد كل الأصول الإيرانية الخاضعة للولاية القضائية الأمريكية. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات إضافية على إيران في يناير 1984 بعد تورطها في تفجير مقر المارينز في بيروت، حيث أضيفت إيران إلى قائمة الدول التي تساند الإرهاب (حزب الله). فحظرت الولايات المتحدة حينها المساعدات الخارجية لطهران، وفرضت ضوابط قاسية على تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج العسكري-المدني. لتشمل العقوبات في السنوات اللاحقة جملة من المجالات، أهمها (4):

تطوير الأسلحة التقليدية.

المواد النووية التجارة والاستثمار والمعاملات المالية والممتلكات.

النفط الخام والمشتقات النفطية.

حيث شددت الولايات المتحدة عقوباتها على إيران عام 1992 عبر قرار معاقبة من يساعد طهران من أشخاص وشركات في تطوير برنامجها التسلحي (5).

وفي عام 1995 أصدر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أوامر تنفيذية تمنع الشركات الأمريكية من الاستثمار في النفط والغاز الإيرانيين أو الإتجار مع إيران، وفي العام نفسه أقر الكونغرس قانوناً يوجب على الإدارة الأمريكية أن تفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تستثمر في قطاع الطاقة الإيراني بأكثر من 40 مليون دولار في السنة. وقد منعت الولايات المتحدة عام 2008 المصارف الأمريكية من أن تكون وسيطاً في تحويل أموال من أو إلى إيران. واستهدف القانون الأمريكية لعام 2010 إمدادات الوقود الإيراني التي تعتمد على المنتجات المكررة، ونصّ على اتخاذ إجراءات ردٍ على المجموعات الأجنبية التي تستثمر في قطاع النفط الإيراني. وقد شددت واشنطن عام 2011 عقوباتها على الأشخاص الذين يقدمون دعماً لتطوير القطاع النفطي الإيراني. فيما جمدت الولايات المتحدة أرصدة مؤسسات مالية أجنبية تقيم علاقات تجارية مع البنك المركزي الإيراني في ديسمبر 2012، وأعفت الولايات المتحدة 20 بلداً بينها 11 أوروبية من هذه العقوبات (6). إضافة إلى كوريا الجنوبية وتركيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ويتم تعويض الدول من إنتاج نفط دول الخليج العربي ومن زيادة إنتاج النفط الأمريكي.

لكن شركات أوروبية وآسيوية تحدت هذا القرار، بحجة خضوعها لقوانين بلادها وليس قوانين الولايات المتحدة. لذلك استطاعت إيران تجاوز هذا القانون، قبل أن تطرح الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات الجديدة.

وتريثت الإدارة الأمريكية في تطبيق سلسلة عقوبات جديدة أقرها مجلس النواب الأمريكي عام 2013 على أمل إعطاء مجال للقيادة الإيرانية الجديدة لإبداء تعاون في أزمة ملفها النووي. إذ كان الهدف من هذه العقوبات الجديدة شل الاقتصاد الإيراني بمنع طهران من حيازة سلاح نووي، عبر فرض قيود إضافية صارمة على قطاع النفط الإيراني، وعلى قطاعات اقتصادية أخرى بينها المناجم وصناعة السيارات، وتقليص واردات الدول من هذا النفط بمقدار مليون برميل يومياً على مدى العام المقبل، أي بصيغة أخرى تصفير الصادرات الإيرانية من النفط الخام. إضافة لمنع تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة للمديرين التنفيذيين في الشركات التي تنتهك قوانين الحظر على إيران.

ثالثاً- العقوبات الأوروبية:

انضم الاتحاد الأوروبي ككيان سياسي وكدول منفردة، إلى منظومة الدول التي تفرض عقوبات على إيران منذ عام 2010، متخذاً نفس النهج التدريجي في فرض تلك العقوبات، مع تقديم طروحات لحل الأزمة بين الفينة والأخرى، دون أن تلقى استجابة حقيقية من إيران.

إذ منع الاتحاد الأوروبي في يوليو 2010، تقديم المساعدات الفنية أو نقل تكنولوجيا نفطية إلى إيران، وجمد أنشطة بعض المصارف الإيرانية، كما وسع نطاق لائحة الأمم المتحدة للشخصيات المحظورة من السفر، مع تركيز الإجراءات على الحرس الثوري الإيراني. وفي مايو وديسمبر من عام 2011، جمد الاتحاد الأوروبي أرصدة 433 كياناً إيرانياً و 113 شخصاً إضافياً منعوا من الحصول على تأشيرات دخول. وأبرم الاتحاد الأوروبي في يناير 2012 اتفاقاً مبدئياً يمنع قسماً من التعاملات المالية مع البنك المركزي الإيراني. ليبدأ في فرض حظر نفطي في ذات الشهر بشكل تدريجي، تبعه حظر كامل منذ بداية يوليو 2012. كما يستعد الاتحاد الأوروبي لفرض حزم جديدة من العقوبات على إيران، في إطار جهوده لزيادة الضغط عليها بغية إلزامها بالتعاون في ملفها النووي، وفي مقدمة تلك الحزم الجديدة من العقوبات، حظر استيراد الغاز الإيراني (7).

حيث شملت اللوائح الأوروبية للعقوبات، والتي دخلت حيز التنفيذ منذ ديسمبر 2012، كلاً من المواد التالية، سواء على الكيانات أو الأفراد (8):

التجارة في الجرافيت الخام أو نصف الخام.

التجارة في النفط والمنتجات البتروكيماوية والغاز الطبيعي.

التجارة في أنظمة أمن المعلومات.

توفير ناقلات النفط وسفن التخزين.

التجارة في المعدات اللازمة لصناعة النفط والغاز والبتروكيماويات.

بناء الناقلات.

التجارة في المعدات أو التكنولوجيا البحرية.

التجارة في البرمجيات الحاسوبية الخاصة بالعمليات الصناعية.

تصميم وبناء وإصلاح السفن أو أجزائها.

إضافة إلى العقوبات المالية والمصرفية وتجميد الأصول.

رابعاً- اتفاق جنيف النووي:

اتخذت العقوبات الدولية مساراً طويلاً حتى استطاعت أن تنتج ضغطاً كاد أن يطيح بالاقتصاد الإيراني، دفع النظام في طهران إلى البحث عن مخارج تقيه الانعكاسات المجتمعية لتلك العقوبات، مستغلاً حالة “الارتخاء” في السياسة الأمريكية، وخاصة أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يحاول إدارة فترته الرئاسية الثانية بذات النمط الذي أدار به فتره الأولى، بمعنى الابتعاد عن حالة العسكرة، ومحالة الحصول على مكاسب سياسية كبرى عبر التفاوض والضغط معاً. إن اشتداد الخناق على القيادة الإيرانية هو ما دفعها إلى تنشيط سياستها الخارجية، وامتلاكها القابلية للتنازل، ولا يعبر ما جرى في جنيف عن أية مكاسب إيرانية، إلا لناحية بقاء النظام الاستبدادي قائماً. كما لا يمكن تصويره بذات المنطق الإسرائيلي بأنه أكبر نصر دبلوماسي تاريخي لإيران.

فالاتفاق الحاصل جاء متفقاً مع المنطق الذي قامت عليه قرارات مجلس الأمن تجاه الملف النووي الإيراني، لناحية ضرورة سلمية البرنامج فقط، ووضعه تحت الإشراف الدولي الدائم، وتجميد كل ما يشك في طبيعته من مراحل هذا البرنامج.

إذ أن الاتفاق أجاز لإيران الاحتفاظ بنسبة تخصيب 5%، وهي النسبة الكافية لإنتاج الطاقة الكهربائية، وللاستخدامات السلمية، فيما جردها من مخزونها الذي وصلت نسبة تخصيبه إلى 20%، كما أن وضع البرنامج بالكامل تحت الإشراف اليومي للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ولم يرفع الاتفاق العقوبات جميعها عن طهران، بل في نقاط محددة، وبشكل مؤقت، ويغلب عليها الطابع الإنساني والإغاثي، مع بعض التسهيلات النفطية والمالية والمصرفية. كاختبار لمصداقية طهران خلال ستة أشهر، هي فترة الاتفاق المؤقت، قبل الانتقال إلى اتفاق أكثر شمولاً.

وإن كانت إيران تحاول تصوير الاتفاق بأنه نصر سياسي واقتصادي، فإن ما حصل لا يتعدى تقديم جملة من التنازلات الضخمة التي كانت مطالبة بها على مر السنوات الماضية، مقابل السماح لها بالانخراط في المجتمع الدولي وفق شروطه ومراقبته، بعد أن جمّد مسار إمكانية تطوير أي سلاح نووي محتمل في الفترة المقبلة.

وإن لم يعهد على إيران التزام حقيقي بالاتفاقيات الدولية، وامتلاكها درجة عالية من المناورة السياسية، إلا أن الاتفاق يمثل فرصة أخيرة أمامها لأن تستدرك الأضرار الناجمة في البنية الاقتصادية من جهة، وأن تتقي تصعيداً دولياً في حال تهربها من هذا الاتفاق.

خاتمة:

إن دراسة معمقة لبنود اتفاق جنيف المؤقت (ستة أشهر) بين القوى الدولية وإيران، يثبت نجاعة أسلوب العقوبات والحظر في العلاقات الدولية، وأقل كلفة من خوض حروب لا يمكن التنبؤ بنتائجها ولا بحجم المشاركين فيها. حيث استطاعت العقوبات المفروضة على إيران، وخاصة التي تصاعدت في العقد الماضي، من إحداث أضرار كبيرة في الاقتصاد الإيراني، دفعت القيادة الإيرانية إلى تقديم تنازلات، هي في المحصلة تخلٍ عن البرنامج النووي ذي الطبيعة العسكرية، في حال التزام إيران بمضمون الاتفاق، أو إنهاء لعهد العقوبات إلى عمل عسكري واسع في حال تهربها من الالتزام ببنوده كاملة.

لكن الوضع المتأزم في الداخل الإيراني ينبؤ بأن إيران متجهة إلى الالتزام ببنود الاتفاق بحثاً عن رفع شامل للعقوبات مقابل تخلٍ شامل عن البرنامج النووي العسكري ضمن صفقات تسوية إقليمية كبرى قد تكون المنطقة مقبلة عليها.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

المراجع:

(1) الفرق بين المادة 40 والمادة 41 من الفصل السابع، أن الأولى تفرض تطبيق القرار عبر أعضاء الأمم المتحدة عبر التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة، اعتماداً على وقف الصلات الاقتصادية وكافة أشكال المواصلات والاتصالات بشكل جزئي أو كلي، إضافة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية. أما المادة 41، فإنها في حال عدم نجاعة أساليب المادة السابقة، تجيز استخدام القوات الجوية والبرية والبحرية، بما فيها الحصار. للاطلاع على نص المادتين، يمكنك العودة إلى ميثاق الأمم المتحدة.

(2) للاطلاع على تلك المواد، يمكن العودة لنص وثيقتي مجلس الأمن:S/2006/814، S/2006/815. (3) انظر الوثائق:

INFCIRC/254/Rev.9/Part 1، INFCIRC/254/Rev.7/Part 2، S/2010/263. (4) For more about American Sanctions, you can see: Newsteam Staff, “The Lengthening of Iran Sanctions”, (New York: Council on Foreign Relations, 14/102013), in: http://www.cfr.org/iran/lengthening-list-iran-sanctions/p20258.

(5) وليد خدوري، “النفط في أسبوع: آثار العقوبات على نفط إيران”، صحيفة الحياة، 6/10/2013، في: http://alhayat.com/OpinionsDetails/558975

(6) “المحطات الرئيسة لتاريخ العقوبات المفروضة على إيران”، صحيفة القدس، 5/10/2013، في: http://www.alquds.com/news/article/view/id/389555

(7) المرجع السابق.

(8) For more about European Sanctions, you can see: Anthony Woolich and Daniel Martin, “Iran Sanctions Update: the UE Implements new restrictive measures”, January 2013, Holman Fenwick Willan, in: http://www.hfw.com/Iran-Sanctions-Update-January-2013. and for European Union’s approaches in sanctions, you can see also: European union: External Action, in: http://eeas.europa.eu/cfsp/sanctions/index_en.htm.

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق