کي لا ننسى بصمات الرجال؛ الشيخ غضبان بن أبنية وعلاقاته بالأمیر خزعل بن جابر

لم يتخيّل الأمير خزعل بن جابر الذي كان يستمع للمقيم البريطاني العام في الخليج العربي السير پرسي زكرياس كوكس عام 1914م  أن الحكومة البريطانية تنكث بوعودها وتتخلى عن أشجع أمير عربي وقف بجانبها بالرغم من فتاوي الجهاد والتكفير الدينية الصادرة عن مراجع الحوزة في النجف آنذاك.

ولد  كوكس عام 1864 في هيرون بيت في منطقة إكسيس البريطانية، من أبوين يهوديين وتخرج من الكلية الملكية البريطانية العسكرية في ساند هيرست ثم انتقل من
بريطانيا للعمل في  الخليج العربي عام 1993 سافر بعدها الى بريطانيا ثم عاد لمنطقة الخليج عام 1914م .

جاء السير بيرسي كوكس لديوان الأمير خزعل بن جابر حاكم الاحواز مبعوثا من قبل حكومة بلاده للمحمرة من أجل تسليم رسالة بريطانية هامة  طالبت بريطانيا  أمير الاحواز في هذه الرسالة أن يناصر الانجليز  في حربها ضد العثمانيين وأن يقف بجانب بريطانيا  ويتعهد بحماية حقوق البريطانيين في الاحواز والبصرة ويؤمن لهم خط أنابيب النفط المتدفق من مسجد سليمان آنذاك وأن يحافظ على مصفاة عبادان الحديثة.

 ومقابل ولاء الشيخ خزعل للانجليز ونظرا لأهمية القرار السياسي الذي أراد السير برسي كوكس  أن يتخذه امير الاحواز كرر كوكس اعتراف بريطانيا  باستقلال امارة  المحمرة  واعتبار الشيخ خزعل بن جابر حاكمها المطلق وذريته من بعده بصفته المندوب السياسي البريطاني في الخليج العربي كما تعهدت الحكومة البريطانية  بالدفاع عن استقلال الاحواز(عربستان) وأخذت على عاتفها الوقوف بجانب أمير الاحواز في حال أن تعرّضت بلاده لأي اعتداء خارجي أو أذى سواء كان من قبل الدولة الفارسية أو دول أجنبية اخرى.

941849_470160599721231_889955723_nوضعت الحرب العالمية الأولى امير الاحوازالشيخ خزعل بن جابر أمام خيارين لا ثالث لهما ، الخيار الأول خيار سياسي يتمثل بمناصرة الانجليز  والوقوف بجانب القوات البريطانية  في الحرب بأعتباره قرار استراتيجي يضمن  بقاء و استقلال الامارة العربية ويبعد عنها كل مكروه  والثاني خيار مذهبي يتمثل بأتباع مراجع رجال الدين الشيعة في النجف وتبني فتاوي الجهاد التي أصدروها ضد الانجليز و تكفير كل من يتعاون معهم.

وبعد ما تأكد الامير خزعل بن جابر من الضمانات والتعهدات البريطانية اخذ قراره السياسي من أجل استقلال الامارة العربية المزدهرة ومستقبل أجيالها ووقف بجانب الانجليز في الحرب العالمية الأولى دون أن يتخيّل حتى للحظة واحدة أن تتخلى أكبر وأقوى دولة في العالم آنذاك عن تعهداتها وأن ينسى رجالاتها كل هذه المواثيق والتعهدات والضمانات التي قدموها لأمير الاحواز .

نتيجة لموقف الشيخ خزعل الداعم للقوات البريطانية وبالرغم من وجود فتاوي الجهاد من قبل رجال الدين الشيعة في النجف والتي حرضت معظم القبائل العربية  ضد الانجليز وكفرت من يتعامل معهم  انتشرت القوات البريطانية في عبادان والمحمرة والاحواز و إحتل البريطانيون ميناء البصرة في تشرين الثاني سنة 1914 واستقرت قواتهم في بعض الدور السكنية والقصور العائدة لملكية أمير الاحواز في البصرة على أن تعاد اليه في ما بعد.

وتسبب هذا القرار الجرئ الذي اتخذه الامير الشيخ خزعل بشق الصف الاحوازي آنذاك ،حيث انقسم زعماء القبائل العربية الاحوازية على أنفسهم وتوزعوا ما بين مؤيد وموافق للمعسكر الانجليزي و للامير الشيخ خزعل وتابع لأوامره في مناصرة  القوات البريطانية وما بين مخالف للانجليز مطيعا لفتاوي الجهاد التي صدرت من قبل المراجع الشيعية في مدينة النجف  العراقية الأمر الذي أدى الى خروج بعض الزعماء و القبائل الاحوازية على حاكمهم الشيخ خزعل بن جابر و دخولهم في الحرب بجانب العثمانيين تلبية لفتاوي الجهاد.

 انتهت الحرب العالمية الأولى وفاز فيها البريطانيون وخسر العثمانيون وتشتت شمل الزعماء والقبائل الاحوازية التي لم تطع الشيخ خزعل وخرجت عليه ومنهم الشيخ غضبان أبن أبنية بن مزبان النصيري اللامي( 1875-1935) شيخ  وزعيم لواء بني لام .

بني لام هي مجموعة قبائل عربية  متحدة، امتد نفوذها من شمال غرب الاحواز إلى شرق العراق بدء  من المنطقة الشمالية لملتقى نهري دجلة والفرات ( القرنة ) حتى الشاطيء الشرقي من نهر ديالي ومن الجهة الشرقية من شرق نهر كارون لتشمل منطقة السوس(الشوش)الاثرية ودسبول(دزفول) والصالحية (انديمشك) والجنوب من كوردستان حيث مدينة موسيان ونهر الصيمرة لتشمل جميع الاراضي المعروفة تاريخيا بالاراضي العيلامية ومركزها مدينة السوس( الشوش) الأثرية  في شمال الاحواز .

وباعتقادي أن كلمة بني لام هي نفس  كلمة عيلام وكلمة عيلام هي بالواقع كلمة مركبة تتكون من كلمتين (عيل+لام) و (عيل=ايل= آل = بنو) و بهذا معنى(عيل لام= ايل لام= بني لام) ، لم تستخدم كلمة ايل في اللغة العربية حاليا و انقلبت هذه الكلمة الى آل و بنو و لكن في اللغتين التركية و الفارسية كلمة ايل متداولة حتى الان  و مثلها ايل قشقائي و ايل شاهسون و ايل خاني و من يعتقد أن كلمة عيل هي نفس كلمة ئيل ويعني الرب ولام يعني المرتفع أو العالي و بهذا تصبح كلمة عيلام يعني الرب العالي وقد يكون هذا الاعتقاد ايضا صحيح خاصة وأن هناك يقع معبد الزيقورات و هو كان أكبر معبد في زمانه.

ترأس الشيخ غضبان بن أبنية عشائر بني لام بعد وفاة والده عام 1897 وكان فارساً قوياً وشجاعاً ، تمرد على حاكم الاحواز الشيخ خزعل بن جابر(1897-1925) ودارت بينهم معارك دامية  من أشهرها معركة ( جحيف ) في شهر رجب عام 1331هـ حزيران 1913م ، التي أنتصرت قوات الشيخ خزعل فيها  كما أزعج الشيخ غضبان بن أبنية  القوات الفارسية في زمن القاجاريين التي كانت تأتي لفرض الضرائب  ولم يعترف ببلاد فارس ولم يدفع لهم  وتمرد على السلطات العثمانية بعدم دفعه الضرائب (الكودة) لهم .

وبعد الحرب العالمية  الأولى وانتصار الانجليز فيها أصبح مطلوبا من الانجليز فذهب للمحمرة بمعيه احد رجال الدين من السادة العرب و هو السيد موسى الموسوي واعتقد من بيت العلوية  ليتوسط له عند الأمير الشيخ خزعل الذي كان يعيش نشوة النصر بمعية حلفائه الانجليز وكان ذلك في بداية عام 1336هـ ـ 1917م و تمت المصالحة بينهم شرط أن يستقر الشيخ غضبان البنية في المحمرة و تزامنت هذه المصالحة مع زيارة الملك السعودي عبدالعزيز ابن سعود للمحمرة وتولى رئاسة بني لام من بعد غياب الشيخ غضبان البنية إبنه الأكبر عبدالكريم.

217322_475478085856149_1011828072_nواستقر الشيخ غضبان بطلب من الشيخ خزعل في المحمرة و أثناء وجوده في المحمرة تمكن من التقّرب للشيخ خزعل أكثر و تمت المصالحة بين الزعيمان الاحوازيان و طي صفحة الماضي بينهم  وأخذ الشيخ غضبان يوجه أبنه عبدالكريم الذي تولى رئاسة قبائل بني لام من بعده ويتواصل معه عبر الرسل و البرقيات التي كانت ترسل من المحمرة الى دسبول و العمارة  وكان يوصي نجله عبدالكريم بضرورة جمع السلاح وإعداد المقاتلين الامر الذي أزعج الانجليز الذين كانوا يخططون لتضعيف سلطات الشيخ خزعل من أجل التمهيد لتسليم امارته العربية للدولة الفارسية ومن هنا تخوفوا من التفاف قبائل بني لام  حول الشيخ خزعل وتعاضدها مع الأمير العربي الذي صدّق وعودهم و وقف معهم اثناء الحرب العالمية الأولى ولولاء مناصرته لهم لما حققت بريطانيا انتصاراتها على العثمانيين آنذاك وفي أواخر عام عام 1338هـ ـ أيلول 1920م وجهت الحكومة البريطانية تهمة المؤامرة للشيخ غضبان وأبنه عبدالكريم ضد المصالح البريطانية، فأقدمت على إبعاد الشيخ غضبان إلى جزيرة هينجام في الخليج العربي ليقطعوا الطريق أمام تحالف الشمال والجنوب الاحوازي و عودة اللحمة الاحوازية  لينفردوا بامير المحمرة  وحيدا في ما بعد.

أنتقل بكم هنا الى الكاتب حسين خلف الشيخ خزعل مؤلف كتاب تاريخ الكويت السياسي حيث جاء في كتابه:

أراد الشيخ خزعل أن يتدارك الأمر فطلب من نائب الحاكم الملكي العام بالبصرة ، أن يرسل الشيخ غضبان إلى الكويت ريثما يتم له مخابرة الجهات العليا البريطانية في شأنه ، فوافق نائب الحاكم على طلبه .

وفي خمسة ذي الحجة 1338هـ ـ 19 آب 1920م أقلت الباخرة ( مشرف ) الشيخ غضبان إلى الكويت فأبرق الحاكم الملكي العام في بغداد برقية إلى المعتمد السياسي البريطاني في الكويت ، ليخبر الشيخ سالم بقدوم الشيخ غضبان إلى الكويت ، فكتب المعتمد كتابا إلى اليخ سالم ، تحت رقم 82 بتاريخ 6 ذي الحجة 20 آب يعلمه بذلك ، فأجابه الشيخ سالم بالكتاب الآتي :

من سالم مبارك الصباح حاكم الكويت”

إلى حضرة حميد الشيم الأجل الأفخم المحب العزيز ميجر جي . سي . مور بولتكل أجنت الدولة البهية القيصرية الإنكليزية بالكويت دام محروساً

بعد السلام والسؤال عن خاطركم دمتم بخير وسرور بعده يد الوداد أخذت كتابكم المؤرخ في 6 ذي الحجة 1338هـ نمرة 82 وفهمه مضمون التلغراف الوارد لجنابكم من سعادة الحاكم العام في بغداد المنبيء عن مجيء شيخ غضبان للكويت في مركب مشرف . هذا مالزم ودمتم محروسين .

في سبعة ذي الحجة 1338 وصل الشيخ غضبان الكويت في صباح 9 ذي الحجة 1338هـ ـ 23 آب 1920م ومكث فيها ينتظر ما يقرره الحاكم الملكي العام البريطاني في بغداد .

وكان الشيخ خزعل قد أبرق برقية إلى الحاكم العام في بغداد ، يطلب منه ابقاء الشيخ غضبان في الكويت ولكن الحاكم لم يجب طلبه . ثم ابرق الحاكم الملكي العام برقية إلى المعتمد السياسي البريطاني في الكويت يعلمه بضرورة تسفير الشيخ غضبان عن الكويت ، ويطلب أيضا التشديد في مراقبته أثناء مدة مكوثه فيها ، لحين ورود الباخرة التي ستقله إلى منفاه .

فكتب المعتمد كتابا إلى الشيخ سالم يتضمن هذا المعنى ، تحت رقم 717 وتاريخ 9 محرم 1339هـ ـ 22 أيلول 1920م فأجابه الشيخ سالم مطيعا لما أمر بكتاب هذا نصه :

” من سالم مبارك الصباح حاكم الكويت”

 إلى حضرة حميد الشيم الأجل الأفخم المحب العزيز ميجر جي . سي . مور بولتكل أجنت الدولة البهية القيصرية الإنكليزية بالكويت دام محروسا

بعد السلام والسؤال عن خاطركم دمتم بخير وسرور يد الوداد أخذة كتابكم المؤرخ 9 محرم 1339هـ نمرة 717 وبه ذكرتم أنه ورد لجنابكم تلغراف من الحاكم الملكي العام يذكر بأنه على الشيخ غضبان أن يسافر إلى الهند في أول مركب وإنكم الآن تعملون التدبير لأجل سفرة وأن الحاكم الملكي يطلب المسؤولية منا عن خروجه من الكويت من دون رخصة ويشير علينا أن نضع المراقبة عليه خفيةً ـ فأجاوب سعادتكم أنه من حين وصول المذكور إلى الكويت واضعين عليه المراقبة بصورة خفية كما أشرتم لنا سابقاً بناءً عليه الآن إذ تلقون مسؤوليةً علينا يلزم نعامله غير هذه المعاملة فأرجوكم الإفادة هذا مالزم ودمتم محروسين .

في 10 محرم 1339هـ .

ثم أبعد الشيخ غضبان من الكويت منفياً إلى جزيرة هينجام ، ومكث في منفاه إلى أن قام الحكم الوطني في العراق . عند إذن طلب الشيخ خزعل من الشيخ صالح باش أعيان ( الذي كان متصرفا للواء العمارة ) أن يحرض قبائل العمارة على تقديم عريضة بواسطته ( أي بواسطة الشيخ صالح ) ، إلى الحكومة الوطنية القائمة حديثاً ، يطلبون فيها السماح إلى الشيخ غضبان بالعودة إلى وطنه . فكتبت تلك العريض ، وقدمت إلى رئيس الوزراء السيد عبدالرحمن النقيب ، بواسطة الشيخ صالح . فكتب السيد عبدالرحمن إلى السير برسي كوكس ، كتابا يطلب فيه إعادة الشيخ غضبان من منفاه .

فأجيب طلبه وسمح للشيخ غضبان بالعوده إلى العراق . ثم إنتخب عضوا في المجلس التأسيسي العراقي الأول .

ثم اقتطعت له الحكومة العراقية قسما من الأراضي الواقعة في ناحية كميت . فأسكن فيها عائلته ، وإستقر هو في بغداد إلى أن توفي ، وإنتهت صحيفته السياسية وبموته قوضت مشيخة بني لام في تلك الربوع.

 

نقلاً مركز دراسات عربستان

بقلم: حامد الكناني

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق