ولادة مشروع عربي تقوده السعودية ومصر

ولادة مشروع عربي تقوده السعودية ومصر

ضربت منطقة الشرق الأوسط ما بين عامي 1980-1988 حرب عشوائية عبثية مأساوية بين صدام حسين والخميني، لم يكن لدى الطرفين أدنى درجات الدراية بالمسائل العسكرية، انتهت تلك الحرب بإرادة الولايات المتحدة، لكن لم يتوقف صدام حسين عن الإقدام على حرب عبثية أخرى تجلت باحتلال الكويت، كانت النهاية لقوة العراق بعدما كانت الصد المنيع أمام تمدد إيران في المنطقة العربية.

مع الانفتاح التقني الجديد ما يسمى بالإعلام الاجتماعي نتيجة الظلم الاجتماعي والاقتصادي بالإضافة إلى القمع السياسي والمخابراتي وخنق الأنفس ساهم في بزوغ ثورات سميت بالربيع العربي، ولكن تلك الثورات لم يكن ربيعا عربيا، بل كان زلزالا عربيا.

بدأ النظام القديم في الشرق الأوسط يتفكك، أيا كانت نظرتنا إلى اتفاقية سايكس – بيكو، فإن الخريطة التي رسمها قبل قرن تقريبا لم تعد تصف الواقع الإقليمي كما ترى الولايات المتحدة، أي تشكيل العالم إذا جاز لنا أن نسميه التشرذم وفق الهوية بدلا من الدولة الوطنية التي أنتجتها اتفاقية سايكس- بيكو بشرط القضاء على الجيوش، ولم تصمد من دول الربيع العربي سوى دولة مصر بجيشها الوطني، وتونس بحضارتها التي أثبتت قدرتها على تجاوز المرحلة.

واجهت أوربا التوجهات الانفصالية بتوسيع الفيدرالية التي أقنعت التوجهات الانفصالية بالبقاء في الاتحاد، كما أن ألمانيا أسقطت مطالبها بالأراضي التي خسرتها لكل من بولندا وروسيا بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1970.

 لكن المنطقة العربية بعد الثورات العربية لم تتمكن من التعامل مع تلك الثورات حتى تحولت إلى منطقة تجاذبات إقليمية ودولية بين إيران وتركيا، وبين روسيا والولايات المتحدة وأوربا.

 إيران وتركيا تستمدان قوتيهما الإقليميتين من الشرخ العربي عبر تعميق الانقسام في المنطقة العربية، ما يدفع إلى تحديد إستراتيجية دفاعية تحمي الكيان العربي، خصوصا بعدما تحولت منطقة الشرق الأوسط إلى أحجار رقعة الشطرنج الجيوسياسية تتحرك من تلقاء نفسها بسبب أن القوى الكبرى هي الآن في فوضى دبلوماسية.

أدركت السعودية ومصر بأن الولايات المتحدة تريد من إيران وتركيا والبلدان العربية تتنازع حول وظائف وأدوار حددتها السياسة الأميركية في المنطقة وليس لرسم آفاق إستراتيجية للمنطقة حتى تستمر حالة الركود والضعف العربي وتفككه وتعميق حالة الاستقطاب والاستقطاب المضاد وتدويل قضاياه بعد تهاوي أسوار الدولة الوطنية بعد انهيار جيوشه، واستبدالها بمليشيات تدعمها الدول الإقليمية ممثلة في إيران في العراق وفي سوريا واليمن ولبنان، وتركيا في ليبيا حتى تصبح تلك الدول تحت القوى الانقسامية والانشطارية الداخلية تسمح بنشوء الجماعات المتطرفة المذهبية والعرقية والتطرف كداعش وغيره.

هناك دور عربي فاعل يتشكل بقيادة كل من السعودية ومصر سيغير دور الجامعة العربية التقليدي، وستنتقل قراراته الجدلية التي تميزت بها القمم السابقة نحو آليات تنفيذية جديدة، وليس مجرد مناشدات كما كانت قرارات القمم السابقة، أي لابد أن تكون هناك مفوضية مثل مفوضية الاتحاد الأوربي والأفريقي، ولن تستمر اجتماعات الجامعة العربية مجرد جمعا ميكانيكيا كما كانت بل يجب أن تعمل تلك الاجتماعات ذاتيا وهو ما أخذ من اجتماع القمة بين وزراء الخارجية وقتا طويلا لدراسة إعادة هيكلة الجامعة العربية بما يتناسب مع مخاض التحولات القائمة

خريطة الواقع العربي مكتظة بالبؤر الملتهبة وقد وفرت البيئة المضطربة، وأصبحت أرضا خصبة لنمو التطرف والإرهاب في ظل تفكك مؤسسات الدولة وغياب دورها كليا أو جزئيا.

لن يظل العرب رهينة للغرب، أو رهينة لاستقطابات إقليمية، الإرهاب عنصر موحد، لكن غايات الدول تختلف نسبيا، تكمن غاية إيران في الحصول على اعتراف بمساهمتها دوليا ومحليا لاستعادة تعاطف العرب الشيعة والسنة، أملا في دفع الغرب إلى إجراء اتفاق نووي قبل انتهاء المهلة الجديدة في يونيو 2015 ورفع العقوبات الاقتصادية المقررة منذ عام 2006.

 أنقرة تنظر إلى حقيقة جيوسياسية تتمثل في كون تنظيم داعش كسر فعليا ما يسمى بالهلال الشيعي بين العراق وسوريا وقد تتفق معها الولايات المتحدة وهو ما جعل وزير خارجية العراق في اجتماع الجامعة العربية في القاهرة في 9 مارس 2015 في خطابه يقول بأن العراقيين يدافعون عن أنفسهم، ووجه كلامه إلى زملائه وزراء الخارجية العرب عندما قال نحن ندافع عنكم، لأنه يدرك حجم اللعبة الإقليمية والدولية.  إيران لا تثق في التحالف الدولي في محاربة الإرهاب في العراق وحتى في سوريا بقيادة الولايات المتحدة، ما جعل ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي يزور بغداد للمرة الثانية مع مرور أسبوع منذ بدء الهجوم على تكريت عندما لاحظ تراجع الدور الأميركي في تلك الحرب على داعش لصالح إيران، خصوصا بعدما تراجع مقتدى الصدر عن وقف سرايا السلام سابقا وبدأت تشارك في تلك الحرب على داعش في تكريت، ولكنه دعا مرة أخرى إلى الصبر الإستراتيجي في تكثيف الضربات الجوية التي يقوم بها التحالف من أجل حماية المدنيين.

 الجزء العسكري الميداني بحاجة إلى قوة عربية أمنية مشتركة للإسهام في حماية الأمن القومي العربي وهو ينطلق من مرجعيات عربية عديدة لكنها لم تفعل سابقا حتى ولو عارضتها الولايات المتحدة التي جعلت من اسبانيا ترفض تسليح الجيش الليبي، وكذلك القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا، خصوصا وأن هناك قوات مماثلة سبقنا إليها الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.

نواة تلك القوة بين السعودية ومصر والإمارات والكويت والأردن تكون متعددة الوظائف كقوة التدخل السريع ومكافحة الإرهاب وأنشطة المنظمات الإرهابية والمساعدة في عمليات حفظ السلام لمساعدة الحكومات على صيانة الأمن والاستقرار وإعادة بناء القدرات والمؤسسات الأمنية.

 تلك النواة ستتشكل حتى يتم عرض مشروعها على مجلس الجامعة العربي في الشهر المقبل في شرم الشيخ، ولكن المشروع قادر على أن يتغلب على أي تناقضات في المواقف العربية، ولابد من الوصول إلى مقاربة عربية مثلما خرجت قرارات الجامعة العربية لوزراء الخارجية في 9 مارس 2015 عبر تسويات دون الخروج بمواقف متناقضة أو رافضة لأي قرارلأن المرحلة الحالية لن تتحمل مثل تلك الاختلافات التي كانت تسيطر على اجتماعات الجامعة العربية في السابق من أجل ولادة مشروع عربي تقوده السعودية ومصر.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق