وقف إطلاق النار، لا يفيد المعارضة، ولا يحقق مطامع إيران

توصلت الأطراف الضالعة في الثورة السورية، إلى اتفاق وقف إطلاق النار، بعد اجتماعات ماراثونية بدأت بلقاءات موسكو، التي ضمت كلاً من إيران وروسيا وتركيا، وصدر عنه ما عُرِف لاحقاً بإعلان موسكو، الذي ضم ثماني نقاط أساسية مشابهة لنتائج اجتماع فينا سابقاً، وبذلك عُد إعلان موسكو مجرد تكرار لما اتفق عليه سابقاً.

بعد هذا الإعلان، بدأت اجتماعات في تركيا، ضمت كلاً من فصائل المعارضة المسلحة ممثلة عن نفسها والحراك الثوري، وروسيا التي كانت ممثلة عن النظام وإيران.

توصل المجتمعون لوقف إطلاق النار يبدأ مساء يوم الخميس في الساعة صفر بتوقيت دمشق. هذا الاتفاق، هو مجرد خطوة أولية وتمهيدية لعقد سلسلة اجتماعات بعده في أستانة عاصمة كازاخستان، والتي تسرب عنها بعض التوافقات المبدئية، كبقاء الاسد على رأس السلطة لحين انتهاء ولايته، والتأكيد على علمانية سوريا، وعدم تجزئتها، بالإضافة إلى التحضير لبديل عن بشار الأسد، والذي قيل إنه سيكون من الطائفة العلوية ولكنه أقل عدائية للثورة. هذا باختصار ما تسرب، واتُّفق عليه في روسيا وتركيا.

وبذلك يمكن القول إن المعارضة السورية، لم تحقق أية مكاسب من اجتماعات تركيا وروسيا، فبقاء الاسد مؤكد حسب التسريبات، ووجوده رأس مشكلة المعارضة السورية المطالبة برحيله. فعدم رحيل الأسد ونظامه، يعني فشل الثورة وعدم تحقيق أهم أهدافها، هذه الخسارة لا تقف هنا، فتجهيز خلفاً للأسد من الطائفة العلوية، يعتبر ضربة قاضية تتلقاها المعارضة، وخاصة أن الطائفة العلوية تعد هنا هي الداعم الأساسي للأسد وهي تُشكل عمقه المافيوي، فمعركة السوريين هي معركة مع الأسد ونظامه وطائفته، التي وضعت نفسها كعدو للشعب السوري بعد أن تخلت عن وطنيتها ولوثت أيديها بدماء السوريين، واتخذت من جميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم العقدية والإثنية أعداء لها. بالطبع هذا ما سيحصل للمعارضة.

في المقابل، لن تحصل إيران على كامل مطامعها التي سعت لها منذ البداية، فعلمانية سوريا تقف في وجه مشروعها الشيعي، الذي يسعى لرسم هلال شيعي يبدأ من قم في إيران، وينتهي بسواحل سوريا ولبنان مروراً بالعراق. هذه الصفعة التي تتلاقاها إيران بالنسبة لمشروعها الشيعي لا يقف عند هذا الحد، فدخول تركيا كموازن قوي على الأرض، يقلل من نفوذها كثيراً، إضافة لظهور نفوذ روسيا على رأس النظام وائتماره بأمرها، وبذلك تُكف يد إيران عن النظام، ويبقى نفوذها على الميليشيات الطائفية التابعة لها، والتي تُستَنزف في القتال، ويستخدمها كل من النظام وروسيا لتحقيق سيطرتهما.

هذا التحليل المنطقي يؤكد لنا ضعف دعائم وقف إطلاق النار، وبدأ العملية السياسية، في كازاخستان، فكل الأطراف خاسرة على المدى البعيد.

أما على المدى القريب، فليست المعطيات أفضل حالاً، فخسارة حلب بالنسبة للمعارضة هي أحد أهم الاشياء التي ستكون خلف انهيار وقف إطلاق النار. وكذلك الأمر بالنسبة لإيران، فمنع ميليشياتها من دخول حلب، واقتصار الأمر على القوات الروسية والسورية سيكون أهم أسباب فشل اتفاق وقف إطلاق النار.

باعتقادي، سيبدأ الانهيار ببعض الخروقات من الميليشيات الايرانية وقوات النظام، والتي سترد عليها المعارضة بدورها، ما سيؤدي إلى إعادة نشوب القتال مجدداُ بين النظام وحلفائه ضد المعارضة السورية، مما سينعكس سلباً على العملية السياسية والمفاوضات المنطلقة حينها، والتي من المرجح أن تنهار وتعود الثورة السورية لمرحلة العنف مجدداُ.

ولا ننسى تأثير الإدارة الامريكية الجديدة على انهيار وقف إطلاق النار، فمصادقة الكونغرس على تزويد المعارضة السورية بأسلحة مضادة للطائرات، هو رسالة تقول إن ما هو قادم للساحة السورية مختلف عما سبق. بالطبع، يجب علينا أن لا ننسى الأكراد وقواتهم ومدى ارتباطهم بأمريكا، وكذلك الأمر بالنسبة لداعش المستثناة من الاتفاق.

باختصار، فإن ما هو قادم سيكون حرباً طاحنة لن تتوقف إلا بتنازلات دولية كبيرة من كل الأطراف، أو تحقيق ثوابت الثورة بإزالة النظام ورئيسه، وهذا ما هو مرجح إلى الان.

هيثم البدوي

ناشط سوري، وطالب علوم سياسية/أكاديمية مسار

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق