واقع عسكري جديد في سوريا بدأت تتكشف خيوطه

بعد حصار النظام السوري لمطار أبي الضهور العسكري لمدة عامين في محافظة ادلب، استطاعت جبهة النصرة، وفصائل إسلامية مقاتلة منضوية في إطار جيش الفتح، من تحريره بالكامل، وإعدام 71 عنصرا من النظام منذ السيطرة عليه، بينما قتل ثلاثون عنصرا من قوات النظام في المعركة حينها، ووقوع العشرات في الأسر، وكثفت فصائل جيش الفتح عملياتها العسكرية ضد بلدتي الفوعة وكفريا بعد استهدافهما بأكثر من تسع سيارات مفخخة يقود انتحاريون سبعا منها مراكز اللجان الشعبية الموالية للنظام في محيط البلدتين.

وسبق أن انهارت هدنتان لوقف إطلاق نار متزامن في كل من مدينة الزبداني في ريف دمشق وفي بلدتي الفوعة وكفريا في إدلب برعاية تركية إيرانية، تم التوصل إلى هدنة ثالثة بعدما حققت فصائل المعارضة المنضوية تحت جيش الفتح تقدما في محيط بلدتي الفوعة وكفريا ذاتي الأغلبية الشيعية، وذلك بسيطرتها على تلة الخربة ذات الأهمية العسكرية الكبيرة المطلة على الفوعة.

وبناء على تلك الهدنة الثالثة ستتوقف العمليات العسكرية في بلدتي الفوعة وكفريا بريف ادلب وفي الزبداني ومضايا القريبة من الحدود اللبنانية.

تلك الأحداث تشير إلى أن المساعدات الإيرانية والروسية المقدمة للنظام السوري لم تعد تجدي، فدخلت الحشود الروسية إلى الأراضي السورية لحماية النظام السوري من السقوط، خشية أن يترك فراغا يمكن أن يملأه داعش، وليس المعارضة المعتدلة كما تدعي روسيا التي لم تتمكن واشنطن من تهيئة المعارضة ودعمها الكافي، وبعدما دخلت الفرقة 30 اختطفت جبهة النصرة قائدها وبقية عناصرها في منطقة أعزاز في ريف حلب، قبل أن تفرج عن سبعة من عناصرها فيما بعد، والآن دخل 75 من نفس الفرقة إلى شمال حلب معززين بقوات جوية لمحاربة داعش.

وللمرة الثانية استطاعت موسكو قلب الموازين في سوريا، وبدأت تقنع واشنطن بأنها تستطيع أيضا التواصل مع النظام السوري مباشرة، مثلما سبق أن تعاملت معها لدى حل مشكلة تصفية الأسلحة الكيماوية، وانضمام سوريا إلى معاهدة حظر الانتشار.

لم تجد واشنطن من يدخل بقوات برية على الأرض لمحاربة داعش، وهي تكتفي بالضربات الجوية ويرفض أوباما إرسال قوات على الأرض، بينما يطالب الدول الإقليمية بإرسال قوات على الأرض لكنها ترفض إذا لم يوازي ذلك التخلص من نظام بشار الأسد، باعتباره المتسبب في وجود داعش.

وجدت واشنطن بغيتها في انتشار القوات الروسية على الأرض، وقالت واشنطن نرحب بالتعاون من أجل القضاء على داعش بأسرع الطرق وأكثرها فاعلية، وقالت نحن مستعدون للتفاوض، ولكن هل الأسد مستعد للتفاوض الحقيقي؟ هل روسيا مستعدة لإحضاره إلى الطاولة والعثور فعلا عن حل لهذا العنف؟

ولأول مرة منذ 18 شهرا أجرى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ونظيره الأمريكي أشتون كارتر، مكالمة هاتفية، أنهت الجمود، بسبب غضب حلف شمال الأطلسي (الناتو) من التدخل الروسي في أوكرانيا.

أوروبا لا يمكن أن تساهم في حل الأزمة السورية، بل هي فقط قلقة من الأزمة التي يتسبب بها المهاجرون، وتعتبر أن الأسد جاذب للمقاتلين الأجانب، الذي يمكن أن يهدد أمن أوربا، عند عودتهم، ويحرج أوروبا الآن بسبب توافد المهاجرين على أوروبا، وكيفية تقاسمهم.

لن يتمكن من حل الأزمة السورية، سوى الدولتين، أمريكا وروسيا، ووجدت أمريكا ضالتها في القوات على الأرض التي يرفض أوباما إرسال قوات على الأرض، على غرار ما يحققه التحالف العربي في اليمن، من خلال نشر قوات على الأرض بجانب القصف الجوي والتغطية الجوية، فوجدت ضالتها في روسيا، مقابل أن تحقق أيضا روسيا أهم موطئ قدم للروس في الشرق الأوسط منذ عقود.

لذلك تتظاهر روسيا بأنها تريد أن تقضي على داعش، الذي يريد إقامة دولة الخلافة من باكستان وحتى البرتغال، وأن هذا يشكل خطرا مباشرا على الأمن القومي الروسي.

وبعدما اعتبر الموقف الأمريكي المعارض للوجود الروسي في سوريا حسب صحيفة واشنطن بوست وتوجيه تحذير شديد اللهجة إلى الكرملين، بشأن الخطط العسكرية الروسية في سوريا، وانعكاساتها على الحرب الأهلية السورية، لكن يبدو أن البيت الأبيض يقر الآن بأن موسكو قلبت الموازين في سوريا، لا يمكن عكسها قريبا، رغم الاحتجاجات الأميركية على خططها.

كذلك كشفت روسيا عن مواقفها بشأن مصير الأسد الذي هو رهن الشعب السوري، وهو وحده الذي يملك حق اتخاذ قراره بشأنه، وأنها تهتم أكثر بضرورة ضمان أمن واستقرار سوريا والحيلولة دون انتشار داعش.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق