واشنطن بين الرياض وموسكو: استكشاف الخيارات المتاحة حول طبيعة المرحلة الانتقالية

ركزت الولايات المتحدة على تفكيك قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، التي نمت على مدار ال 15 عاما الماضية، رغم ذلك هناك شكوك لدى الجمهوريين، ومنظمة أيباك المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، من أن الاتفاق يعطي إيران فرصة للتخصيب في إطار مظلة الاتفاق.

تحت غطاء المحادثات تصاعد العدوان الإيراني عبر مختلف أرجاء الشرق الأوسط من دون مقاومة أمريكية حقيقية للدفاع عن مصالحها في المنطقة، وتطبيق اتفاقيات الدفاع الموقعة مع دول المنطقة، بجانب استثمار زلزال ما يسمى بثورات الربيع العربي التي تسببت في انهيار العديد من الدول في سوريا وليبيا واليمن، وهشاشة الأمن في العديد من دول المنطقة، حتى أصبحت المنطقة بين إرهابين، إرهاب إيراني بحجة الدفاع عن المستضعفين في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وحتى في الكويت والمنطقة الشرقية من السعودية وبين داعش وبقية الجماعات المتطرفة.

 وهو ما أكده الولي الفقيه خامنئي بعد توقيع الاتفاقية النووية، بينما هناك دول خليجية تريد الانفتاح على إيران، على غرار الدول الغربية بعد رفع العقوبات عن طهران، ولكن فوجئت الكويت بعد اكتشاف خلية تابعة لحزب الله في الكويت، ما تسمى بخلية العبدلي، وبدلا من احتواء إيران الغضب الكويتي الخليجي، سارعت إلى افتعال أزمة جديدة مثيرة للاستغراب، وأججت مشاعر الغضب عند الكويتيين والخليجيين، عندما طرحت مشروعين لتطوير حقل الدرة النفطي من دون انتظار ترسيم الحدود البحرية والجرف القاري مع الدولة الخليجية، من أجل الضغط على دولة الكويت، من أجل التخلي عن مواصلة التحقيقات حول الخلية وربطها بحزب الله اللبناني وإيران.

لكن يتساءل البعض لماذا ترسل الولايات المتحدة مبعوثها راتني ما بين الرياض وموسكو، لاستكشاف الخيارات المتاحة حول طبيعة المرحلة الانتقالية، ويصرح مبعوث الولايات المتحدة راتني، بأنه لا يمكن أن يتم إرغام الأسد على الرحيل بحسم عسكري وهو بذلك يرضي موسكو وإيران، ويرد على عادل الجبير وزير خارجية السعودية الذي صرح بان بشار الأسد إذا لم يرحل سياسيا فإنه سيرحل بهزيمة عسكرية.

تنظر الولايات المتحدة إلى الأزمة السورية والصراع الإيراني السعودي في خضم أزمة ثانوية، بينما هي تنظر إلى التوازن الاستراتيجي مع روسيا أزمة أساسية، لذلك لجأ البنتاغون الى التهديد بضربة عسكرية إذا زودت روسيا إيران بصواريخ إس 300.

صحيح أن الاقتصاد الروسي لا يمثل نصف الاقتصاد الألماني، لكن روسيا تتمتع بموقع استراتيجي، وبمساحة هائلة تبلغ ضعف مساحة القارة الأوربية بنحو 17 مليون كيلو متر مربع، ومنذ الأزمة الأوكرانية وضع الغرب عقوبات على روسيا، انكمش الاقتصاد الروسي، ووصلت العملة الروسية من نحو 35 روبلا مقابل الدولار عام 2014 إلى نحو 65 روبلا منتصف عام 2015.

كما انخفضت أسعار البترول إلى أقل من 40 دولار في أغسطس 2015، وتعتمد الحكومة الروسية على دخل البترول بنسبة 50 في المائة  مثلها مثل السعودية، وترفض السعودية المساهمة في رفع أسعار البترول، إذا لم تتعاون الدول المنتجة من خارج أوبك مثل روسيا، ما دفع إيران إلى اتهام السعودية بوجود مؤامرة دفعت بأن لا يكون هذا التراجع فعلا بريئا في محيط سياسي دولي يشكل النفط محركا للجزء الأكبر من جوانبه، رغم أنه يضر بموازين دول الخليج، ولكن السعودية فضلت أن تكون المعالجة اقتصادية، وترك الأسعار للسوق، حتى تقل دخول إيران وروسيا للضغط عليهما من أجل القبول بحل مشاكل المنطقة.

لا زالت روسيا التي تسيطر على مساحة هائلة من الأراضي الواسعة، ولا زالت تطمح لعودة إمبراطوريتها السابقة، كما استثمرت إيران غزو أمريكا للعراق عام 2003 وتقديم لها الخدمات اللوجستية، ولكنها نافست الولايات المتحدة في السيطرة على العراق، واستثمرت كذلك زلزال الثورات العربية في التمدد وأيضا المفاوضات النووية في التمدد في المنطقة العربية، وتثبيت نفوذها عبر وكلاء في المنطقة.

وبالعودة إلى التاريخ في تعامل الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي عندما رفض ريغان حينما تسلم الرئاسة اتفاق سالت 2 الذي وقعه كارتر مع الاتحاد السوفيتي آنذاك النووي، واعتبره اتفاقا سيئا، وهو ما قد يحدث مع الرئيس الجديد للولايات المتحدة بعد أوباما حول الاتفاق النووي الإيراني.

واصل الكرملين تهديداته بوقف المحادثات النووية، استثمر ريغان هذه الفرصة، ونشر صواريخ نووية في أوربا، وساد الذعر مما تسبب في زعزعة الاستقرار.

استأنف ميخائيل جورباتشوف المحادثات النووية مع الولايات المتحدة عام 1986 في قمة ريكيافيك، وعند اقتراب التوصل إلى اتفاق تاريخي بين الجانبين لتقليص الأسلحة النووية الهجومية، رفض ريغان سعي جورباتشوف الحصول على تنازل من الجانب الأمريكي يمكن أن تقتل مبادرة الدفاع الاستراتيجي.

هذا دأب أمريكا في التعامل مع روسيا، بينما اليوم يحاول كل طرف بعد الأزمة الأوكرانية تكثيف التدريبات العسكرية، وأن الجانبين يتدربان على احتمال حدوث مواجهة عسكرية.

 ولا زالت دائرة الفعل وردة الفعل مستمرة، وفي مارس 2015، قامت روسيا بمناورات لاستعراض قوتها، ووضعت أسطول الشمال على أهبة الاستعداد في القتال الكامل في القطب الشمالي، بالقرب من النرويج العضو في الحلف الأطلسي، وأجرى الحلف الأطلسي مناورات في أوربا الشرقية ودول البلطيق، ويعتزم الحلف الذي يضم 28 دولة إلى جانب شركائه القيام في أكتوبر 2015 بأكبر مناورة عسكرية منذ ما يربو على عشر سنوات.

رغم أن روسيا لا تنفق على السلاح عام 2013 سوى 88 مليار دولار، بينما ينفق حلف الناتو 850 مليار دولار، ثم تأتي الولايات المتحدة ب 640 مليار دولار، وتنفق الصين 188 مليار دولار، تأتي السعودية رابع دولة تنفق على السلاح بنحو 67 مليار دولار.

الولايات المتحدة كما روسيا يريدان طرفا قويا يحارب داعش، بينما تركيا والسعودية يريدان تنحي الأسد الذي قتل شعبه، ولن تقبل بوجوده في أي حكومة انتقالية لن يرحل فيها.

الأمريكيون يرون أن الصراع داخل سوريا معقد للغاية، وإدارة أوباما حذرة من أن ترتبط بجماعات جهادية سبق أن خاضت تجربة معها في الثمانينات من القرن الماضي، والتي أسفرت عن قيام تنظيم القاعدة.

وتبحث أمريكا عن جماعة معتدلة وهو شيء مستحيل، من أجل ترك الأزمة السورية معلقة حتى تحسم أمرها مع روسيا، بينما يتعاون الأوربيون مع جماعة أحرار الشام، ولكن القرار ليس بيدهم، بل بيد الولايات المتحدة، التي نأت بنفسها عن تلك الاجتماعات، بسبب أنها تتعامل مع جبهة النصرة التي تتعامل مع القاعدة، ما يعني أنها جماعة متطرفة.

رغم أن جماعة أحرار الشام ترفض تقسيم سوريا، وتعهدت بحماية الأقليات، ومحاربة داعش، واعترفت بأن مبدأ الخلافة المعلنة هو تحريف للدين، وهي أفضل خيار مطروح على الساحة السورية، تعترف الولايات المتحدة بقدرتها على المواجهة، وأنها تتلقى الدعم من تركيا وقطر، وهما جناحا السعودية، كما أنهما حلفاء الولايات المتحدة، بعدما ساهمت أحرار الشام في تشكيل غرفة عمليات لجيش الفتح في أكثر من منطقة.

هناك تقارب أميركي روسي لوضع حل للأزمة السورية، بتحقيق انتقال سياسي، وبيان جنيف يظل الأساس المناسب للتسوية، وأنقرة تعلن تذليل آخر العقبات أمام المنطقة الآمنة، وساعة الصفر سبتمبر.

خصوصا بعد رعاية تركيا وقطر بإعادة هيكلة أحرار الشام قوتها العسكرية لمواكبة تطوراتها، التي يحتمل أن يزور الملك سلمان موسكو، ما يدل على أن هناك جنيف 3 لحل الأزمة السورية، قد تتوصل الأطراف حول اتفاق سياسي، رغم أن السعودية مصرة على رحيل الأسد هو ومن كانت يده ملطخة بدماء السوريين.

تود أمريكا كوسيط بين السعودية وروسيا اللتان تخوضان قيادة الأزمة في سوريا، السعودية وقطر وتركيا يدعمون المعارضة السورية ضد النظام السوري، بينما سلمت موسكو مؤخرا ست مقاتلات ميكويان غوريفيتش ميغ -31 وهذا الصنف من الطائرات الاعتراضية، يعد الأفضل عالميا، وبدأت روسيا بتزويد دمشق بصور الأقمار الصناعية، وكما ترى أنه سوف يقلب الأوضاع العسكرية رأسا على عقب، مع وصول مستشارين عسكريين روس خلال الأسابيع الأخيرة في أغسطس 2015، لبحث إنشاء قاعدة عسكرية روسية في مدينة جبلة على الساحل السوري.

لذلك ترى الولايات المتحدة أن حل الأزمة السورية لا يمكن إلا بالتنسيق بين مواقف السعودية وروسيا، حتى تضمن الولايات المتحدة بعدم تسليم روسيا إيران صواريخ أس 300 التي تغير من موازين القوى في المنطقة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق