هناك من لا يعرف إلا منطق القوة

لو تابعنا الساسة الإيرانيين وطريقة تعاملهم مع دول الجوار الصغيرة سنجدهم يرون أنفسهم الكبار والأقوياء ويرون الأخرين عبارة عن أقزام وضعفاء لا يفهمون لا بالعلم ولا بالسياسة. وهذا منطق شريعة الغاب كما يقال. ولا صلة له بالقانون الدولي المنظم للعلاقات الدولية اليوم. واحترامه والالتزام به سبب في نزع فتيل حروب وأزمات جنبت الإنسانية إراقة الدماء الكثيرة. وعدم احترامه أيضا وعدم الالتزام به سبب كوارث للإنسانية لا تعد ولا تحصى. ودائما ما يكون هنالك من لا يلتزم بالقانون الدولي ويفضل تطبيق شريعة الغاب.

وإيران تندرج طبعا ضمن الصنف الثاني ممن يرون القانون الدولي معرقلا لتنفيذ طموحاتهم ومغامراتهم. لذا يرون أنفسهم غير ملزمين بتطبيقه ولو اتيحت لهم الفرصة لاخترقوه دون تردد ألف مرة. وفهم إيران نتيجة هذه العقلية القاصرة للقانون الدولي ولسيادة الدول التي حددها هذا القانون فهم خاطئ. إذا ترى إيران أن التعداد السكاني والمساحة الجغرافية والقوة العسكرية العناصر الأساسية التي تحدد سيادة الدول وأهميتها وتعلي من شأنها. لهذا لا تسمي إيران الدول الخليجية مثل الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان والبحرين دولا، بل مشيخات. ولو راجعنا الإعلام الإيراني لوجدنا أن القليل من سمى هذه الدول بتسمياتها الحقيقية التي حددها القانون الدولي ويعترف بها الجميع إلا إيران.

ومن هذا المنطق القاصر تتعامل إيران مع هذه الدول ذات السيادة. وهذه مشكلة قد تجذرت في عقلية الإيرانيين مسؤولين ومواطنين نتيجة عمل ممنهج وضخ إعلامي مشوه للحقيقة، كما هي نابعة عن غطرسة وغرور لا مثيل لهما. ولو طبقت الطريقة الإيرانية في العلاقات الدولية لما وجدنا سويسرا بصغر حجمها وقلة عدد سكانها منارة للحرية وحقوق المواطنة. ولما وجدنا فرنسا وألمانيا وبريطانيا دولا ذات شأن. إذ هذه الدول ليست الأكثر تعددا للسكان ولا الأكبر مساحة في العالم. وبالعكس لوجدنا كوريا الشمالية من الدول المؤثرة وذات الشأن العظيم من بين دول العالم بسبب ترسانتها الصاروخية ومشروعها النووي.

وبعيدا عن دول الجوار واحترام سيادتها نرى عندما انتقد العالم مشروع إيران النووي بعد أن تبين أن هذه الدولة كانت تبني منشآت سرية غير تلك المكشوفة، صرح المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إن الإسلام لا يسمح لنا بصناعة القنبلة النووية وذلك تطمينا للمتخوفين من قنبلة إيران النووية. وعم الارتياح عند البعض ممن يعتقدون أن من يلبس العمامة والجلابية العربية التي ترمز للتدين والزهد والصدق عندما يقول فهو يلتزم. واعتبروا تصريح المرشد المعمم فتوى ملزمة للحرس الثوري الإيراني يستوجب تطبقها. أي بمعنى انتهى الخوف واطمأن العالم على أن إيران لن تنتج القنبلة النووية، ليس خوفا من الغرب ولا التزاما بالقانون الدولي البشري، بل التزاما بشريعة الله.

ولكن رغم هذه الفتوى المطمئنة ظاهرا تم اكتشاف منشأة نووية سرية، والسؤال المطروح إذا كان مشروع إيران النووي سلمي لماذا بناء كل هذه المنشآت السرية التي تكشف مرة بتسريب ومرة بتجسس؟  إذن فتوى المرشد أيضا يمكن أن تكون مضللة وخادعة وقد لا تلتزم بها إيران مثل عدم التزامها بالقانون الدولي. وعدم الالتزام بالفتاوى أو استخدامها بشكل سلبي حدث كثيرا في السابق. على سبيل المثال لا الحصر عندما جهز رضا شاه ملك إيران ومؤسس البهلوية جيشه لغزو الأحواز العربية، أفتى رجال الحوزة المعممون الذين روج لهم كأهل زهد وتديّن حسب التقاليد الصفوية أكثر بكثير مما يروج لخامنئي المرشد الحالي، أفتى هؤلاء: إن رضا شاه المعروف بعمالته لبريطانيا لدى القاصي والداني يبشر بقدوم المهدي المنتظر ومن ناصره يناصر المهدي ومن عارضه إنما يعارض المهدي المنتظر! وتم احتلال الأحواز بكاملها وانتهكت سيادة شعبها المسلم الآمن. لأن رضا شاه ورجال الحوزة كانوا يؤمنون بشريعة الغاب والشعب الأحوازي يؤمن بالإسلام ومبادئه وبمبادئ حسن الجوار.

وأحدث دليل على عدم التزام إيران بالقانون الدولي أو بالمبادئ الإسلامية هو مشروع القرار المقترح في البرلمان الإيراني المكون من ثمانية مواد والذي جاء ردا على قرار البرلمان الأوروبي في إدانة إيران بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان وكثرة الإعدامات. إحدى هذه المواد تحث حكومة روحاني على مطالبة الأمم المتحدة بدفع الأموال بدل استضافة إيران للاجئين الأفغان وتطالبه بإعادة النظر في موضوع مكافحة تهريب المخدرات التي تمر عبر الأراضي الإيرانية لتصل إلى أوروبا أي أن تسمح إيران بعبور المخدرات! كما طالب نواب البرلمان حكومة روحاني بعدم السماح للهيئات الدبلوماسية الغربية بزيارة إيران وطالبوه بالكثير مما لا تقبله لا المبادئ الأساسية المذكورة في الإسلام ولا مبادئ القانون الدولي.

حقا هل كانت إيران تحارب تهريب المخدرات كما تزعم من أجل كسب ود الدول الغربية أم لأن المخدرات آفة تضر بحياة البشر والإسلام يحرم الإضرار بالبشر؟ هل استضافة اللاجئين الأفغان واجب ديني وإنساني بسبب ما يمر به هذا البلد المسلم من ظروف أمنية ومعيشية صعبة أم تستضيفهم إيران للمساومة مع الغرب؟ هل تستضيف إيران الهيئات الدبلوماسية للدول الأخرى تطبيقا للأعراف الدبلوماسية الحميدة التي تشجعها الديانات ويحث عليها القانون الدولي أم أن إيران تضيّف الدبلوماسيين مقابل الحصول على مكاسب أو مقابل السكوت عما تقوم به من انتهاكات؟

وأخيرا عندما انتقد البرلمان الأوروبي إيران بسبب تنفيذها أحكام الإعدام دون محاكمات شفافة وبسبب انتهاكها لحقوق الإنسان بشكل ممنهج وممارستها التعذيب، لم يكن يرتكب هذا البرلمان جريمة بحق إيران. فإيران ليست سويسرا كي تثور ثائرتها وتعتبر قرار البرلمان الأوربي وقاحة كما ذكر أحد المسؤولين الإيرانيين. بل الوقاحة ما تقوم به إيران من أعمال شنيعة وتنسبها للإسلام. إذ قالت المتحدثة باسم الوزارة الخارجية الإيرانية: على الغرب أن يحترم ثقافتنا وخصوصيتنا ونحن نعمل على احترام حقوق الإنسان حسب الشريعة الإسلامية!

في النهاية يجب أن يعلم الجميع أن إيران إذا طبقت بندا واحدا من بنود الاتفاقيات والمعاهدات الدولية فهي إنما تطبقه خوفا من خطر محدق بها أو طمعا بمكسب تبتغيه وليس التزاما منها، لا بالإسلام ولا بالقانون الدولي. دولة تعامل شعبها وجيرانها بمنطق القوة وشريعة الغاب لا تعرف إلا المنطق ذاته.

موسى الفاخر

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق