هل يوقف الاتفاق النووي الانهيار الاجتماعي في إيران؟

لا تتعلق الإشكاليات التي تطال بنية النظام الإيراني بالوضع الاقتصادي والسياسي في الدولة فحسب، فبالإضافة إلى الإشكاليات التي باتت مستعصية على الحل، ومنها على سبيل المثال، إشكالية قضايا الشعوب داخل إيران وما يتصاعد عنها من صراع إثني ينذر بتصادم لاحق، إضافة إلى إشكاليات اقتصادية باتت تسم المجتمع الإيراني وفق الإحصائيات الدولية بالمجتمع الواقع في غالبيته تحت خط الفقر والفقر المدقع، عدا عن إشكالية إصلاح النظام السياسي ذاته، وعجزه عن إحداث تحول ديمقراطي حقيقي، ما يمنع بالتالي ترسيخ حقوق الإنسان، ويضع إيران في ذيل التصنيفات العالمية فيما يتعلق بانتهاكات تلك الحقوق.

يضاف إلى كل ما سبق، بنية اجتماعية عانت من ضغوط عقود الثورة الخمينية، وأنتجت مجتمعاً مفكّكاً، يعاني من جملة أمراض اجتماعية خطيرة، ما عاد بالإمكان اتخاذ إجراءات إصلاحية وترقيعية لتفادي أحد خيارين محتّمين، فهكذا بنية باتت أمام احتمال الانهيار الاجتماعي مع ما يترافق عنه من انتهاكات الحقوق المعيشية الأساسية من توفير الغذاء والعمل والمسكن، إلى ما هو أكثر من ذلك لناحية توفير الأمن الفردي. في حين يقع الخيار الثاني ضمن سياق إحداث ثورة جديدة تأتي على سابقتها، وتعيد ترتيب الداخل الإيراني، على كافة المستويات، وتخرج البيئة الاجتماعية من تدهورها، وتعمل على وضع أساس بنية جديدة. وإن كانت كافة مقوّمات قيام هكذا ثورة موجودة على كافة الأصعدة، إلا أنها ما تزال في حالة انتظار فرصة سياسية تُشكِّل وعياً ثورياً، وتعمل على بلورة تلك المقوِّمات باتجاه إسقاط النظام السياسي وما بُنِي عليه.

وإن كان النظام الإيراني قد وسّع من تطلعاته الاقتصادية والسياسية عقب الاتفاق النووي، آملاً في إحداث قبول دولي لدوره الإقليمي في المنطقة، وساعياً إلى استدراج استثمارات وعقود نفط بمئات المليارات من الدولارات، وإن كانت لهذه التطلعات كثير مما يعيقها ويمنع تحقّقها بالشكل الذي يتطلع إليه النظام الإيراني، فإنّه يبقى لها بعض الأساسات التي يمكن البناء عليها.

غير أنّ الاتفاق النووي بحدّ ذاته، غير قادر على انتشال المجتمع الإيراني من الهوة التي بلغها، كما أنّ التطلعات السياسية والاقتصادية للنظام الإيراني، ما تزال قيد الانتظار، وتحتاج إلى سنوات من العمل ضمن بيئات مناسبة وغير متوافرة حالياً، عدا عن أنها تحتاج لسنوات أطول بكثير لتنعكس على البنية الاجتماعية وعلى الداخل الإيراني.

وخاصة أنّ مرونة التغيير تنخفض من السياسي إلى الاقتصادي، لتبلغ أدناها في الأوضاع الاجتماعية، ونقصد بالمرونة هنا، القدرة على التجاوب مع المتغيرات، بحيث أنّ البنية الاجتماعية وفي حال توفّر كافة المقوّمات والبيئات المناسبة، فإنها بحاجة إلى عقد أو أكثر لمعالجة الاختلالات والانهيارات التي تشهدها، والحال يغدو أكثر صعوبة في حال عدم توفّر تلك المقومات.

وفي حين أنّ العوائد السياسية بالدرجة الأولى، والاقتصادية اللاحقة لها، ستصبّ في مصلحة الفئات الحاكمة في إيران، بمختلف تصنيفاتها، فإنّها ستتأخر حتى يبلغ تأثيرها المجتمع الإيراني، ما يعني ازدياد الهوة المعيشية بين الطبقة الحاكمة (السياسية والدينية والاقتصادية والعسكرية) من جهة، وباقي فئات المجتمع الإيراني من جهة أخرى، ما يُفتَرض به أن يزيد من الإحساس بالغبن الاجتماعي، وبالتمييز الطبقي، وغياب العدالة الاجتماعية، ومنه ازدياد حالات اليأس والنقمة على الفئات الحاكمة، ما يقودنا ثانية إلى الخيارات المطروحة سابقاً.

ويمكن لنا أن نستدل على ما سبق من خلال بعض المؤشرات المعاشية والاجتماعية في إيران، لتبيان حجم الكارثة الإنسانية التي بات المجتمع الإيراني تحت وطأتها:

إذ انخفضت القدرة الشرائية للمواطنين أكثر من 20% عام 2015، فيما يعيش أكثر من 15 مليون إيراني تحت خط الفقر. وفي تصريح سابق لوزير العدل الإيراني فإنّ هذا الرقم يصل إلى 20 مليون. وتشير الاحصائيات المستقلة لعام 2013، إلى أنّ التضخم الاقتصادي وصل إلى 47% وبنسبة نمو اقتصادي -5.4% (نسبة سالبة). وفقاً لنائب رئيس الجمهورية للتنمية الإدارية والبشرية، فيما يوجد في إيران أكثر من 10 مليون عائلة بحاجة مستمرة إلى مساعدات عام 2014، ما يمثِّل 40 مليون شخص يعيشون على المساعدات، وهو ما يعادل أكثر من نصف سكان البلاد تقريباً.

وفقاً لنائب وزير الدولة للشؤون الاجتماعية والثقافية، عام 2014: “لدينا 9 ملايين مواطن لا يمتلكون سكناً، و3.5 مليون عاطل عن العمل، و1.5 مليون مدمن على المخدرات، و2.5 مليون أرملة”. في حين ترى إحصائيات غير رسمية أن نسبة العاطلين عن العمل تتجاوز حاجز 7 مليون عاطل.

ويمكن أن نلحظ مزيداً من ذلك في المسائل غير الاقتصادية، ومنها على سبيل المثال:

ما أوردته صحيفة الجاردين البريطانية، من أن مدينة طهران وحدها تضمّ 15 ألف مشرد، بمن فيهم 5000 امرأة، من بينهم أستاذة جامعات وشعراء ورياضيون سابقون.

ووفقاً لوزير العدل الإيراني فقد شهد عام 2014 ما يقارب 14 مليون ملف طلاق في المحاكم الإيرانية، وهذا يعني أن 28 مليون مواطن إيراني يعانون من الآثار المترتبة من الحالة الاجتماعية، وبنسبة تتجاوز 35% من المجتمع. عدا عن تبعات ذلك على الأطفال، وهو ما يعني نسبة 70% من المجتمع الإيراني في حال احتساب أن لكل عائلة طفلان فقط. فيما شهد عام 2013 قرابة 120 ألف حالة إجهاض بطرق غير قانونية في إيران، وارتفع عام 2014 إلى 220 ألف حالة.

فيما ارتفعت نسبة الانتحار 17% عام 2014 مقارنة بعام 2013، بمعدل 11 حالة انتحار يومي.

وقد بلغ الإحصاء الرسمي لعدد المدمنين عام 2014، قرابة 1.3 مليون مدمن، بمعدل استهلاك يومي يتجاوز 1.5 طن. فيما يرى المدير العام السابق لمكافحة المخدرات أن العدد يتجاوز 3.6 مليون مدمن.

وقد أشار تقرير قسم الأبحاث التابع لمجلس الشورى الإيراني عام 2014 إلى أن 24889 من أصل 141552 من طلاب المدارس في العاصمة طهران الذين شملهم الاستبيان (17.5%) هم مثليون جنسياً. فيما العديد من المراهقين ممن لم يتجاوزوا 18 عاماً يمارسون الجنس قبل الزواج، و52% من البنات يعشن مع أصدقائهن الشباب في السكن الجامعي، و10% منهن لديهن علاقات جنسية. و73% من المراهقين في طهران لديهم علاقات جنسية مع أكثر من شخص، وهو ما يفاقم من مشكلة انتشار الإيدز في المجتمع، حيث تشير أرقام غير رسمية إلى أن عدد المصابين بالإيدز في إيران تجاوز حاجز الـ 100 ألف شخص. وتذهب إحصائيات أخرى إلى أن 23% من الشباب في المدرسة الثانوية لديهم تجارب جنسية، وأن 20% من الجنود في طهران على علاقات جنسية دون زواج، فضلاً عن نحو 31% من النساء على الأقل لديهن تجربة واحدة قبل الزواج. وتشير الأرقام إلى أن 12 -35% من النساء و4-9% من الرجال تعرضوا للاغتصاب قبل سن الـ 18 في أيام طفولتهم.

لا تغطي هذه المؤشرات إلا حيزاً بسيطاً جداً من الواقع الاجتماعي في الداخل الإيراني، فيما تعمل المؤسسات الإعلامية الإيرانية وبإشراف الحرس الثوري، على منع اكتمال صورة الواقع الاجتماعي الإيراني، سواء على المستوى الخارجي، أو على المستوى الداخلي بما يمنع من تشكل وعي نخبوي ثوري جديد. وإن كانت بعض تلك الأرقام ذات مصادر حكومية، فإنها تأتي من باب التنفيس عن الاحتقان الأزموي الذي تشهده الدولة من جهة، ومحاولة معالجة الأزمات بمنطق التقزيم لها، وتقديم أرقام في غالبيتها لا تشكل تعبيراً حقيقياً عما يجري في الداخل الإيراني، وهو أسلوب طالما اعتدنا عليه في الجمهوريات العربية التي شهدت انفجاراً ثورياً. وخاصة أن الجهات المستقلة ممنوعة من القيام بأي إحصاء في إيران حول تلك المؤشرات، دون أن ينفي ذلك حالة الإنهاك التي طالت البنى الإيرانية كافة.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق