هل ينجح حكيم العرب الشيخ صباح الأحمد في إقناع بوتين بالتوافق مع دول الخليج حول الأزمة السورية

اعتادت دول الخليج أن تجد من الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت أن يتدخل في أزمات المنطقة بحنكته السياسية، وأن ينزع فتيل كثير من الأزمات التي تلم بالمنطقة من أجل أن يحافظ على وحدة وتماسك دول الخليج، من خلال إقناع جميع الأطراف المتنازعة على التقارب في وجهات النظر ما أمكن، وهي الخيار الوحيد بدلا من وصول النزاعات إلى مراحل متقدمة تلعب عليها أطراف خارجية.

كان آخر توسط قام به أمير الكويت بين دول الخليج بسبب أزمة الإخوان مع دولة قطر حتى أصبحت دولة قطر دولة أساسية في دول المجلس تعتمد عليها في كثير من القضايا الإقليمية وبشكل خاص أصبحت تعتمد السعودية على دولة قطر في الوقت الحاضر كجناح أساسي في التنسيق مع تركيا حول حل الأزمة السورية.

والكويت ليست بمنأى عن الإرهاب الذي يضرب المنطقة، وقد تعرضت لتفجير مسجد الإمام الصادق، واكتشاف خلية العبدلي، لكن نجح الشيخ صباح الأحمد في إبعاد البلاد عن شبه الفتنة الطائفية التي تضرب المنطقة، بل نجح في ضبط العلاقة مع إيران حتى لا تدخل في مرحلة تأزم، ولم يسمح لأي فئة أو طائفة استثمار ما حدث في الكويت، بل ضبط العلاقة المتوترة داخل البرلمان الكويتي من ناحية وبينه وبين الحكومة.

زيارة الشيخ صباح الأحمد إلى روسيا ولقائه بوتين في 10/11/2015، حيث يدرك الشيخ صباح الأحمد عددا من الحقائق التي يمكن أن يستثمرها في إقناع بوتين في تغيير مواقفه في سوريا، ويدرك كذلك الشيخ صباح أن بوتين يستثمر اعتراف أمريكا بقيود العالم متعدد الأقطاب، خصوصا مع تراجع هيبة وهيمنة أمريكا بسبب صعود الصين ودول عديدة في آسيا، لكن بوتين لا يملك أي أفكار للنهضة، ولكن يستثمر بوتين الواقع الذي يشير إلى أنه يمتلك عاملا واحدا في مصلحته هو الجغرافيا.

لكن يدرك الشيخ صباح الأحمد أن هناك توجه أمريكي- أوربي لتضييق الخناق الاقتصادي على روسيا، وبدأت واشنطن تصدر الغاز لأوربا لتنويع الإمدادات، حتى أصبحت روسيا تواجه مستقبلا اقتصاديا قاتما مع دخول مرحلة الانكماش بعدما هوى الروبل 40 في المائة مقابل اليورو و60 في المائة مقابل الدولار مع نهاية عام 2014.

توسع الناتو والربيع العربي والأزمة الأوكرانية في مقدمة أسباب تفكير بوتين في استراتيجيات جديدة تحولت إلى عقيدة روسيا الجديدة، ما جعل روسيا تكشف عن منظومتها للرد السريع، بل إن الغرب يستخدم الخصوم في الداخل الروسي الذين أصبحوا أكثر تهديدا للأمن القومي الروسي من أعداء الخارج.

حتى تراجعت الاستثمارات الأوربية مع روسيا، بينما ارتفعت الاستثمارات الأمريكية، ما جعل موسكو تتهم واشنطن بتدمير علاقاتها الاقتصادية مع الأوربيين، بل إن الاتحاد الأوربي بدأ يوجه أسلحته القانونية إلى عصب الاقتصاد الروسي بعدما فرضت المفوضية الأوربية عقوبة على غازبروم تعادل 10 في المائة من الدخل السنوي لعملاق الطاقة الروسية.

الشيخ صباح الأحمد يريد أن يقنع بوتين بأن إصرار روسيا على أن أي حل سياسي في سوريا لا يجوز أن تقتصر المناقشات على مصير الأسد ليس في مصلحة روسيا، بينما تصر هي وإيران على القضاء على الإرهاب على المطالبة برحيل الرئيس السوري، خصوصا بعد التقارب العربي اللاتيني الذي يزيد من عزلة إيران وإذا لم تتراجع روسيا عن مواقفها سيزيد عزلتها كذلك، ومن مصلحة روسيا حل الأزمة السورية بالتعاون مع دول الخليج بقيادة السعودية، الذي يمكن أن يعزز من التقارب بين الجانبين وإخراج روسيا من عزلتها، التي يمكن أن تتزايد بإصرار روسيا على الحل السياسي في ظل بقاء الأسد، خصوصا وأن السعودية تقدمت بمشروع للأمم المتحدة تتهم إيران وروسيا في مساندة النظام السوري الذي يقتل شعبه، ووصل العدد أكثر من 300 ألف قتيل وأكثر من خمسة ملايين لاجئ، وأكثر من عشرة ملايين لاجئ داخل سوريا، أي أن سوريا أصبحت مفرغة من سكانها، ولا يمكن لروسيا أن تزيد الأزمة في سوريا.

وبعد التدخل الروسي في سوريا تقدمت داعش نحو الشمال، وتمكنت المعارضة السورية من استرداد المناطق التي ساهمت روسيا في تحريرها من المعارضة بدعم النظام السوري، خصوصا وأن أمريكا والسعودية تقدمان للمعارضة أسلحة نوعية تقود إلى مواجهة مع سوريا في سوريا أي تتحول إلى أفغانستان2.

وأكد وزير الخارجية الكويتي إن زيارة الشيخ صباح الأحمد لروسيا تساهم في تبادل وجهات النظر وتعزيز الفهم المشترك للوصول إلى حل سياسي للصراع الدائر في سوريا، وهو الحل الذي يسعى إليه الجانبان ويمثل لنا أولوية على ما عداه لنضع حدا لمعاناة الشعب السوري الشقيق وتسهم في تحقيق مطالبه المشروعة.

هدف زيارة أمير الكويت هي من أجل التوصل إلى العمل على تعويم النظام السوري، وتعويم المعارضة المعتدلة، بحيث يتمكن الجانبان من إقامة حوار مشترك يفضي لمرحلة انتقالية تحقق مطالب الشعب السوري، ومثل تلك العلاقة هي سياسية تعطي روسيا أهمية بأن دول الخليج لا زالت تود تنويع علاقاتها، وتريد إقامة علاقة مع روسيا حتى لا تستأثر إيران بروسيا ما يجعل روسيا تغلب مصالحها مع دول الخليج على إيران.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق