هل ينجح العبادي في تمرير مشروعه الإصلاحي وهو بمعزل عن محيطه العربي؟

تقرير كتب بقلمين، مهني، وسياسي، وقدم للبرلمان العراقي للتصويت عليه، ولكن دون قراءة التقرير، حتى لا يتم ذكر اسم المالكي الابن المدلل لإيران في العراق، مثل الابن المدلل في لبنان حسن نصر الله.

الضغط على حكومة العبادي كبير ويفتح ملفات كثيرة، والضغط مستمر، وما حصل في الرمادي، نوع من التقاطعات طيلة 13 عاما، وأن داعش عمل نفس عملية الموصل، وأن يصبغ العبادي بنفس صبغة المالكي في الموصل، تحتاج إلى توقف وتساؤل من يقف خلف مثل تلك العمليات؟

قادة عسكريون انسحبوا من الرمادي، من دون أن تكون هناك أوامر عليا من العبادي، وكذلك في الموصل ما يؤكد أن المالكي هو الرئيس الحقيقي وليس العبادي الذي ينفذ أجندة إيرانية، ونفس التكتيك حدث لصالح داعش، ولا تزال الحقيقية غائبة أو مغيبة، والصمت مستمر بل هناك شجار وعراك داخل لجنة سقوط الموصل حول توصيف إدانة المالكي بالتقصير.

ولن تنكشف الحقيقة، بل قد يتم تحميل المسؤولية، لمسؤولين يضحوا بأنفسهم نيابة عن المسؤولين الحقيقيين، لذلك أشار المرجع الديني السيستاني إلى ضرورة إصلاح القضاء، وهي إشارة مهمة قد يتواطأ القضاء في التستر على المجرمين الحقيقيين.

العراق أمام بناء الدولة التي انقضّت عليه إيران، عبر وكلائها منذ احتلال أمريكا العراق عام 2003، وأسقطت الدولة المدنية، بمباركة أمريكية، وكذلك تفكيك المنظومة الأمنية، وحاولت منذ ذلك التاريخ، إبعاد العراق عن محيطه العربي، وخصوصا عن السعودية، حتى يستمر العراق تحت القبضة الإيرانية.

وهو ما نلاحظه في عرض التقرير على البرلمان العراقي من دون قراءته، بسبب وجود اسم المالكي في التقرير، حتى تضمن الحكومة تمرير التقرير والتصويت عليه، والمالكي هرب إلى إيران، بحجة دعوته من قبل إيران لحضور مؤتمر أهل البيت، رغم أنه لا يمتلك منصبا رسميا، بعد إقالة نواب الرئيس وكان أحدهم، وكان للحكومة أن تمنع المالكي من السفر، بعد وضع اسمه في التقرير، لكن سفره يثبت أن المالكي صاحب مليشيا تابعة لإيران، وهي منظمة بدر تدافع عنه، وتصدر تهديدات غير معلنة للحكومة.

ما يدور في العراق هو صراع في البيت الشيعي، بين المليشيات المؤيدة لإيران بما فيها الحشد الشعبي بقيادة منظمة بدر التي يرأسها هادي العامري المتحالف مع المالكي، وهو الرئيس الحقيقي للعراق، وليس العبادي، بدعم إيران.

بينما العبادي بدعم الصدر والحكيم والمرجع السيستاني الذي يرفض ولاية الفقيه وهو صراع بين المرجعية العراقية في النجف، وولاية الفقيه في إيران، التي سنها الخميني في إحياء ولاية الفقيه التي سبقه إليها إسماعيل الصفوي، منذ قرون، الذي أعلن قيام الدولة الصفوية عام 1501، وتشييع سنة إيران البالغ نسبتهم 90 في المائة من السنّة.

وقام باضطهادهم، وإجبارهم على التحول إلى المذهب الشيعي، وأمرهم بتقديس أئمة الشيعة الإثني عشر، واعتمد على فكرة الحق الإلهي لملوك الفرس قبل الإسلام، استثمر إسماعيل كما يقال بأن الحسين بن علي تزوج ابنة كسرى يزدجرد، فاجتمع لأهل البيت حقان، حق ملوك إيران، وحق خلافة آل البيت وفق عقيدة الإمامية.

وذكر الوردي وهو كاتب شيعي، بان إسماعيل الصفوي، قتل ما لا يقل عن مليون سني، وهو الذي ابتدع سب الخلفاء على المنابر، وقام بسبي النساء لكل من يخالف تعاليمه، وقتل العلماء، وأمر بقتل كل من كان من نسل خالد بن الوليد، شبيه بما يعمله داعش والحشد الشعبي، ووكلاء إيران اليوم في المنطقة.

والكثير من علماء الشيعة منهم السيستاني يرفضون ولاية الفقيه، كان منهم آية الله شريعتمداري، الذي منح الخميني درجة آية الله، ثم تنكر له بعد الثورة، وسجنه في بيته، ومات حيث سجن فيه.

ولاية الفقيه منحت الحرس الثوري سلطة دستورية عليا مطلقة في إيران، ومنحت امتدادا للدولة الصفوية لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، جعلت أذناب إيران في أي مكان يتحركون تحت راية ولاية الفقيه، وينفذون الأوامر، دون مراجعة أو تمحيص أو أي ولاء مطلق، حتى ولو كان ذلك يضر بالدولة التي يعيشون فيها.

وهو ما أعطى إيران مشروعا توسعيا، أي أن نظرية ولاية الفقيه، أعطت الإيرانيين مشروعا توسعيا، بعدما حالت دون تمددهم على مدى قرون، نتيجة وقوف الدولة العثمانية أمام طموحاتهم، بينما اليوم يستثمرون عددا من العوامل، منها تسليم أمريكا العراق لهم، بعد غزوه عام 2003، ومجيء الثورات العربية عام 2011، التي أطاحت بالدولة السياسية بعدما استباحتها الفوضى.

هذه التبعية، وهذا الولاء، أتى حتى من الرئيس الإصلاحي حسن روحاني، عندما شبه قيادة المرشد الأعلى خامنئي بإدارة الرسول صلى الله عليه وسلم لشؤون الحكم في المنورة، أتت تلك التصريحات ضمن فعاليات المؤتمر العالمي السادس لأهل البيت، الذي عقد في طهران في 15/8/2015، وحضره وكلاء إيران في المنطقة العربية، نوري المالكي، ونعيم قاسم نائب حسن نصر الله.

واعتبر روحاني أن ولاية الفقيه تهدف ليس لتنفيذ هلال شيعي، بل أسماه بدرا، وقمرا إسلاميا، متجاهلا المشاكل الطائفية التي تثيرها إيران في المنطقة العربية، أبرزها في سوريا بعدما سقطت السيادة الوطنية نتيجة دعم إيران وموسكو نظاما يقتل شعبه بكافة الأسلحة حتى الكيماوية.

ويحمل خطاب حسن روحاني تناقضات مع نشاطات إيران في المنطقة، في حين تمارس إيران داخل إيران قمعا لأهل السنة، كان آخرها هدم مساجد للسنة في رسالة وجهها مولوي عبد الحميد إمام جمعة أهل السنة في بلوشستان، على إثر هدم المصلى الوحيد لأهل السنة في طهران.

شبه روحاني الثورة الإيرانية بالثورة الإسلامية، التي بدأت على شاكلة نهضة إسلامية، وكانت وراء حركة الممانعة في كل العالم الإسلامي.

لكن علي سعيدي ممثل الولي الفقيه في الحرس الثوري، صرح بأن الدول الغربية تريد منع إيران من عمقها الاستراتيجي لإيران في الدول العربية، اعتبره هو الذي لعب دورا كبيرا في جلوس الغربيين على طاولة المفاوضات النووية مع طهران.

واعتبر علي سعيدي، أن خسارة هذا العمق، وهذا النفوذ، سيعزل إيران، وبدوره أكد علي أكبر ولايتي، مستشار خامنئ، أن أزمات المنطقة ليست مذهبية، بينما يسعى الغرب لتحقيق مصالحهم، والإيقاع بين المسلمين، بدل مواجهة إسرائيل.

أدوار لكل مسؤول، وتصاريح متناقضة، وتصاريح التفافية على الحقائق، لإرباك أتباع ولاية الفقيه، خصوصا الشيعة في العراق، الذين بدأوا يكتشفون حقيقة ولاية الفقيه، وأنها دمرت العراق.

وهناك متظاهرون في جميع أنحاء العراق، من جميع الأطياف، يمزقون صور خامنئي، ويطالبون بطرد الإيرانيين وعملائهم من العراق، التي طالب نوري المالكي بقمعها ورفض العبادي الاستجابة لطلبه.

لكن تغلغل إيران والمليشيات الشيعية في العراق، قد لا يمكّن العبادي من تحقيق إصلاحاته، إذا لم يستعن بمحيطه العربي، وخصوصا بالسعودية، لمواجهة المشروع الإيراني التدميري في العراق.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق