هل ينجح الحوار الخليجي-الروسي للتعاون في المنطقة؟

في ظل تضارب المؤشرات الإقليمية والدولية، ولا يزال هناك جدل أميركي روسي حول التعاون والتنسيق المشترك في سوريا بسبب تضارب الأجندة على الأرض لأنه حتى الآن لا توجد أجوبة الحل السياسي، وهناك تساؤلات لمن تسلم المدن المحررة، لذلك ترفض الولايات المتحدة مشاركة روسيا في الحرب ضد داعش في الرقة في أول هجوم بري مباشر بدعم دولي لقتال تنظيم داعش، رغم أن الكولونيل وارن رفض إيضاح المزيد من التفاصيل حول هدف المعركة وخطط التحرك القادمة، أو إيضاح ما إذا كان هناك تخطيط لشن هجوم شامل على مدينة الرقة، وقال نحن ذاهبون لجعل العدو يخمن، وترفض أميركا سقوط حلب لأي جهة.

ترى المعارضة إعلان الاتحاد الديمقراطي نيته ضم الرقة إلى الفيدرالية الكردية بعد تحريرها سيؤدي إلى مزيد من الاحتقان بين المكونات السورية، لذلك المعارضة السورية تسابق قوات سوريا الديمقراطية إلى الشريط الحدودي مع تركيا.

وكانت روسيا ترفض كل محاولات دول الخليج التي تتقاطر إلى موسكو من أجل إقناع موسكو بالتعاون في سوريا وفي العديد من الملفات في المنطقة، بسبب أنها كانت تقدم روسيا أولوياتها على مصالح المنطقة رغم مسايرتها للجانب الخليجي، لكن هذه المرة بعد اقتناع روسيا أن لأمريكا أجندة مختلفة رغم مسايرتها روسيا، وتظهر لها بأنها تحتاج إليها في سوريا، لكنها تستخدمها حجة تتحجج بها أمام دول الخليج.

 يبدو أن روسيا فهمت اللعبة خصوصا بعدم الصور التي التقطتها أقمار صناعية تظهر دمارا في قاعدة تستخدمها روسيا بوسط سوريا قرب حمص، ما جعل روسيا تؤجل ضرباتها ضد فصائل سوريا بانتظار تدخل واشنطن، خصوصا بعدما أدركت روسيا أن واشنطن لن تتنازل لها عن أي مواقع جيواستراتيجية، ولن تتقايض معها في سوريا مقابل أوكرانيا، بل نصبت صواريخ عابرة للقارات في شرق أوربا لحمايتها، واضطرت روسيا إلى الاستدارة نحو دول الخليج القوة الصاعدة التي أجبرت أمريكا على الرضوخ في عدد من الملفات، رغم تمسك أميركا بجميع خيوط اللعبة.

وبعد أن كانت روسيا تنتقد المعارضة السورية التي تشكلت في الرياض وكانت تصر على مشاركة وفد الأكراد في محادثات جنيف كوفد مستقل لكن رفضة السعودية مشاركة هذا الوفد، باعتبار أن الأكراد جزء من الشعب السوري وليس كيان منفصل.

 نجد أن لافروف في الاجتماع الوزاري المشترك الرابع للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا في موسكو في 27/5/2016 وهو الأول الذي يعقد في موسكو، بينما اللقاءات الثلاثة السابقة جميعها عقدت في دول الخليج، وهذا يدل على إشارة إيجابية وجيدة لتطوير العلاقات بين الطرفين في المجالات وعلى كافة المستويات، خصوصا وأن السعودية ترأس هذه الدورة.

 وصف لافروف وفد المعارضة السورية الذي تشكل في الرياض بواسع التمثيل، كما رحبت موسكو بتأسيس التحالف الإسلامي العسكري، وأكدت على تطوير علاقاتها مع دول المجلس، رغم أن الرياض وموسكو بحسب تصريح عادل الجبير وزير خارجية المملكة العربية السعودية في نهاية الحوار قوله بأن الرياض وموسكو لم تتمكنا من تجاوز الخلافات حول الأسد.

وقال مسؤول روسي أوليغ أوزيروف السفير الروسي لدى السعودية إن الحوار الخليجي الروسي أسس لمرحلة جديدة من التعاون الشامل، متوقعا أن تشهد المرحلة المقبل نقلة نوعية في العلاقات الخليجية الروسية وستدخل مرحلة جديدة من التعاون السياسي والاقتصادي والأمني ومحاربة الإرهاب، متوقعا عقد صفقات سعودية روسية في مجال التكنولوجيا النووية لتكون ضمن أعمدة برامج رؤية المملكة 2030.

السعودية مقتنعة بأن روسيا يمكنها لعب دور كبير في حل الأزمة في سوريا التي تتطلب التركيز على ثلاثة محاور رئيسية، أولا التزام نظام الأسد بإيقاف العمليات العسكرية وتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى كل مناطق البلاد، وثانيا استئناف المفاوضات بين الأطراف بشكل جاد على أساس بيان جنيف وقرارات الأمم المتحدة 2254، وثالثا تكثيف التنسيق في إطار المجموعة الدولية لدعم سوريا إلى الأمام.

انتزعت دول المجلس من روسيا على أن تكون العلاقات بين الدول مبنية على حسن الجوار والاحترام الكامل لسيادة الدول واستقلالها وسلامة أراضيها، وفقا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ومواجهة التحديات والأزمات من خلال الوسائل السلمية في إطار حوار وطني شامل.

التباعد الروسي التركي استفادت منه أمريكا خصوصا نتيجة التردد التركي وخشيتها من التورط في المستنقع السوري حتى تركت الساحة السورية مفتوحة على جميع الاحتمالات، ما جعل المعارضة السورية تتعاطى بريبة مع الهدن المؤقتة التي يفرضها الثنائي الدولي أميركا وروسيا على التهدئة بريف دمشق وموسكو تلزم النظام السوري بهدنة 72 ساعة.

يبدو أن روسيا حينما استمعت إلى كيري في النمسا عندما قال الرهانات الآن عالية جدا، وهذا الصراع طال ولن نسمح لأي طرف بوقف زخم السلام، فهمت روسيا من تصريح كيري هذا جدية الولايات المتحدة هذه المرة خصوصا حينما تزيح الثنائي روسيا من كثير من المشاركات في سوريا ما يشكل ضغط سياسي بل وتهميش لم تتوقعه روسيا.

يبدو كذلك أن الولايات المتحدة وصلت إلى قناعة بأن لا حل في سوريا أي لا حل في العراق، يتضح هذا من الاجتماع العاصف بين قيادات أميركية وعراقية بعد قصف الحشد الشعبي العشوائي على الفلوجة نتج عنه قتل 32 مدنيا بيتهم أطفال ونساء وإصابة 50 آخرين، فيما سقطت بعض الصواريخ على منزل يضم 12 شخصا من عائلة واحدة تسببت في مقتلهم جميعا بينهم خمسة أطفال، لتكون حصيلة عدد القتلى منذ بدء معركة الفلوجة حتى تاريخ 25/5/2016 263 قتيلا وجريحا.

وموسكو تتجنب الضغط حتى لا تخسر نفوذها لصالح إيران، خصوصا وأن واشنطن تدعم علنا المواقف السعودية في دعم المعارضة الحصول على سلطة سياسية رغم أن الأسد عقدة الخلاف بين روسيا وأميركا، بينما تحاول السعودية إقناع روسيا بالتخلي عن الأسد.

ويعترف لاريجاني بوجود خلافات عميقة في القيادة، ما جعل خامئي يدعو إلى الجهاد الكبير لضمان بقاء النظام ويهاجم منتقدي الحرس الثوري، وخبراء القيادة يختار مقربا من خامنئي وسط تراجع رفسنجاني، بل نجد أن زعماء شيعة منهم مقتدى الصدر يشعرون بالاستياء من عدم احترام إيران لسيادة العراق ومن دعمها للمليشيات.

 ما يعني أن المنطقة بحاجة إلى تسوية إقليمية بين إيران وتركيا والسعودية لإجبار طهران التخلي عن سياساتها العدوانية، خصوصا وأن السعودية وإيران ساهمتا قبل 56 عاما من تأسيس أوبك، بل إن سياسات إيران العدوانية هي التي أفرزت داعش، ورفضت تسليم قيادات القاعدة للولايات المتحدة أو إعادتهم إلى الدول التي جاءوا منها، ومسؤولون باكستانيون يؤكدون سفر الملا منصور إلى إيران بجواز سفر مزور قبل أن ينتقل إلى باكستان حيث لقي حتفه على يد طائرة الدرون الأمريكية، فيما يرى البعض بأن المنطقة تحتاج إلى ما يشبه اتفاقية وستفاليا التي أنهت الحروب بين الكاثوليك والبروتستانت في أوربا في عام 1648.

أثارت تصريحات جون كيري زير الخارجية الأمريكي الخاصة بتشجيع البنوك والشركات الأوربية على الاستثمار في إيران، استياء الكثيرين في واشنطن، وقال إليوت أبرامز المسؤول السابق في إدارة جورج دبليو بوش ببساطة ما من سبب يبرر انشغال أي مسؤول أميركي ناهيك عن كونه دبلوماسيا بارزا بحجم الاستثمار والربح الذي يمكن لإيران أن تحققه من وراء الاتفاق النووي.

أعتقد أن إيران دخلت مرحلة العزلة الكاملة حتى روسيا التي ستعلي مصالحها مع دول الخليج على حساب إيران حيث أكد السفير أوزيروف أن هناك لقاءات أخرى مثمرة ومعززة وضامنة لنتائج الاجتماعات السابقة، ليس فقط على مستوى الوزراء وإنما على مستوى الزعماء والقادة، لأن هناك خطا واسعا للتعاون بعد توفر إرادة سياسية كبيرة ليس فقط لتسوية الأزمات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، بل لتعزيز التعاون في المجالات السياسية كافة في سوريا وليبيا واليمن لما لذلك من نتائج مثمرة ستجنيها دول المنطقة في المستقبل القريب.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق