هل يمكن للسعودية أن تحقق نجاحات في الطاقة الشمسية تفوق النفط؟

تبدد الرهان على الطاقة الخضراء عقب نكسة أسعار النفط، بعد أن أصبح توليد الكهرباء اعتمادا على النفط اليوم نحو 5 في المائة نزولا من 25 في المائة عام 197، بفضل الطاقة النووية والغاز، فيما تساهم الطاقة النووية ب11 في المائة في توليد الكهرباء حول العالم بعدد 438 محطة نووية تعمل في 30 دولية و67 تحت الإنشاء أغلبها في قارة آسيا، والصين لديها حتى أكتوبر 2015 27 وحدة توليد كهرباء تعمل بالطاقة النووية قيد التشغيل ،بلغ إجمالي سعتها 25.5 غيغاواط، بالإضافة إلى 25 وحدة قيد البناء بسعة 27.51 غيغاواط، بسبب أن الطاقة النووية  تتمتع بميزات تنافسية عديدة، أبرزها إضافة إلى انخفاض أسعاره بخلاف استعمال وقود الديزل فهي تحافظ على البيئة من انبعاثات التقليدية.

حيث ينظر إلى انخفاض أسعار النفط بمزيج من القلق والراحة، بعد أن كانت الدول النامية، خصوصا دول جنوب الصحراء في أفريقيا المعتمدة على توليد الكهرباء من الديزل تكلف ما بين ثلاثة إلى ستة أضعاف ما يدفعه المستهلكون في بقية دول العالم المتقدم وفقا لشركة ماكينزي الاستثمارية.

قدر صندوق النقد الدولي تكلفة دعم الطاقة حول العالم بنحو 5.3 تريليون دولار في 2015 ما يعادل 6.5 في المائة من الناتج المحلي العالمي، في المقابل يمكن أن تحقق الطاقة المتجددة 1.3 تريليون دولار مكاسب عالميا إذا ما رفعت نسبة الطاقة المتجددة بنحو 36 في المائة حسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة ( آرينا)، وتعتبر دول الخليج الست من بين أكثر 10 دول في العالم من حيث استهلاك الطاقة لكل فرد، أي استهلاك الفرد في السعودية عام 2015 نحو 30 برميل خلال العام.

وكلفة الدعم لقطاع الطاقة في دول المجلس وصلت إلى 160 مليار دولار سنويا، وأنفقت السعودية نصف تريليون ريال للكهرباء خلال ثلاث سنوات، بلغ الدعم 150 مليار ريال عام 2014، ما يوازي 4.6 في المائة من ناتجها بشكل مباشر ،بغض النظر عن الأضرار الأخرى، أي أن الدولة تبيع الوقود للشركات المحلية أقل من متوسط السعر العالمي ب97 في المائة، وتكلفة إنتاج الكيلوواط في الساعة إضافة إلى التوزيع والنقل نحو 15.2 هللة للكيلوواط في الساعة، وبلغ استهلاك السعودية لثلاثة أعوام من عام 2012-2014 نحو  829.09 ألف جيجاواط في الساعة، ارتفعت نسبة الاستهلاك في عام 2014 بنسبة 11 في المائة كأعلى نمو خلال الفترة الممتدة من 2006 حتى 2014، استهلك القطاع الصناعي نحو 45 في المائة من نمو الاستهلاك، بينما استحوذ القطاع السكني على 44 في المائة لتبلغ كمية استهلاكه عام 2014 نحو 136.4 ألف جيجاواط في الساعة، في حالة استمرار معدلات الاستهلاك، فإنه يتعين مضاعفة الإنتاج حتى عام 2030 أي أن دول الخليج أن تبني محطات خلال 15 عاما تعادل ما تم بناؤه خلال ال60 عاما الماضية.

حيث بلغ الاستهلاك المحلي 38 في المائة من إنتاج البترول والغاز، وبلغ في يونيو 2015 2.984 مليون برميل يوميا، أي استهلكت السعودية عام 2015 927 مليون برميل، وإذا استمر معدل الاستهلاك الحالي الذي يتراوح بين 4 و 5 في المائة يصل إلى ضعف مستواه الحالي بحلول عام 2030.

تستهلك 12 مليون مركبة 811 مليون برميل من الوقود يوميا، ومن المتوقع أن يصل عدد السيارات إلى أكثر من 26 مليون سيارة بحلول عام 2030، أي أن قطاع النقل يستهلك 23 في المائة من إجمالي الطاقة، والقطاع التجاري 17 في المائة، بينما تستهلك شركة المياه نحو 7.5 في المائة من الاستهلاك المحلي.

 لذلك تسعى الدولة نحو توفير 1.5 مليون نفط مكافئ يوميا بحول عام 2030 من خلال تنفيذ أنشطة البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة مثل استخدام شركة الكهرباء كابلات الألمنيوم بدلا من النحاس، وبصدد طرح 10 ملايين عداد ذكي في عام 2016، فيما تسعى شركة المياه إلى مضاعفة إنتاجها البالغ حاليا نحو 3.4 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من 28 محطة وتستهلك 300 ألف برميل من الوقود المكافئ يوميا، وهي تستهدف إنتاج 8 ملايين متر مكعب من المياه المحلاة يوميا بحلول عام 2030 بنفس كميات الوقود الحالية.

انخفضت تكاليف الألواح الشمسية بشكل حاد جدا، حيث إن ميزة تكلفة ما تقدمه  شركات الكهرباء حتى لو انخفض سعر النفط عند مستوى 25 دولار للبرميل، فتكلفة إنتاج وات من الطاقة الشمسية عام 2015 انخفضت إلى ربع مستواها عام 2008، وأصبح يشكل 5.84 سنت أمريكي لكل كيلوات في الساعة توجها عالميا جديدا في انخفاض تكلفة مشاريع الطاقة الشمسية، لذلك أبرمت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مع الشركة السعودية للكهرباء وشركة تقنية للطاقة اتفاقية لإنشاء محطة طاقة شمسية شانها تأمين سعر شراء طاقة بسعر غير مدعوم بالكامل بقيمة أقل من 0.05 في المائة من الدولار لكل كيلوواط/ ساعة، حيث يعد هذا السعر الأقل على مستوى العالم، وتستثمر السعودية 109 مليار دولار لإنتاج 41 غيغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2032، وهو ما يشكل 30 في المائة من إجمالي احتياجاتها من الطاقة بحلول ذلك الوقت.

ليس فقط رفع الدعم، وإنما رفع كفاءة استخدام الطاقة، لترشيد استخدام الوقود الأحفوري، وتوفير استثمارات لتوليد الطاقة المتجددة، فتجارب العالم تؤكد أن ترشيد الطاقة باب النمو والتنمية، الذي لم يعد خيارا، بل أصبحت ضرورة للسعودية ولدول الخليج، خصوصا وأن السعودية ترتبط بدول الخليج عن طريق الألياف البصرية بطول 42 ألف متر ونحو 46 ألف متر مع مصر، فلابد أن يكون السعر موحد للطاقة الكهربائية مع الدول العربية والأوربية، والذي يشكل أساسا لفتح السوق الإقليمي والعالمي للطاقة الكهربائية بعد استكمال الربط الكهربائي الخليجي – العربي، واستكمال الربط بين السعودية ومصر، ومن ثم الربط الكهربائي مع أوربا.

 بدء تداولات سوق الكهرباء الخليجية المشتركة حاليا، وهناك مفاوضات للربط الكهربائي الخليجي مع السوق الأوربية عبر كهرباء تركيا، وهو ما يزعج روسيا ويجعلها تتمسك بسوريا لحرمان أوربا من الطاقة عبر تركيا القادمة من دول الخليج التي تكسر احتكار روسيا لتصدير الطاقة إلى أوربا.

مكاسب تصدير السعودية للطاقة المتجددة، يمكن أن يضعها على خارطة العالم بجانب تصدير منتجات النفط الخام، خصوصا مع تبني دول الاتحاد الأوربي للمستويات المستهدفة الصارمة لتغير المناخ لعام 2030، فهناك فرصة لإعادة الاتحاد الأوربي النظر في استمراره تقديم الدعم لمشاريع الطاقة المتجددة، في حين يمكنه الحصول على الطاقة النظيفة من السعودية ومن دول الخليج بأسعار أقل من الغاز الذي تحصل عليه أوربا من روسيا.

الطاقة الشمسية تتيح للسعودية فائضا لتصديره لأوربا، وهي مهيأة لتصبح الأولى عالميا في الطاقة الشمسية، هذا النوع من الطاقة المتجددة لبناء اقتصادات مرنة، بل إن السعودية قادرة على قيادة دول الخليج نحو تحول جيد ومتسارع في الاقتصاد الأخضر الذي يتجه نحوه العالم، حيث أن الفترة المقبلة تشهد منافسة شديدة بين موارد الطاقة التقليدية والموارد المتجددة، حيث أن الطاقة المتجددة تتمتع بتنافسية عالية لرخصها وتوافرها في السعودية بشكل خاص حيث تمتلك مساحات كبيرة مشمسة، خصوصا وأن لها دور جوهري ومؤثر في السوق، لأن الطاقة الشمسية ستحدث أكبر تغيير في تاريخ صناعة الكهرباء، خصوصا بعدما بدأت مرافق الكهرباء التقليدية تواجه تحديات لم تكن تواجهها قبل خمس سنوات، وموارد الطاقة المتجددة ستهيمن على قطاع توليد الكهرباء بشكل كامل، وبات كثير يسعى لصد ما يعتبره ضربة شمسية، حيث إن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هما الشكلان الأكثر فاعلية من حيث التكلفة بين مصادر الطاقة المتجددة، وستحقق السعودية نجاحات في الطاقة الشمسية تفوق النفط، وإن كان النجاح الذي تحققه السعودية هو ضمن دور مزيج موارد متعددة.

ووقعت الهيئه الملكية في ينبع في 6/1/2016  إنشاء أكبر مصنع للطاقة الشمسية في الشرق الأوسط بتكلفة ثلاثة مليارات دولار لإنتاج الشرائح السيليكونية والخلايا الشمسية، لتلبية الطلب على استخدام الطاقة الشمسية في إنتاج الطاقة الكهربائية محليا وعالميا من أجل توليد 120 ميغاوات أي ما يعادل 450 ألف لوح طاقة شمسية سنويا من الطاقة الكهربائية اللازمة، والمصنع بدا منذ عام 1994 وهو ثمرة خبرة وتجربة طويلة، حيث بدأت المجموعة بإنشاء ذراع للاعتناء بالأبحاث والتطوير بمجال الطاقة، وأنشأت المجموعة أول مصنع ما بين عام 1994 – 2004، وصدرت إنتاجها إلى ألمانيا، ويأتي إنشاء المصنع الجديد متزامنا مع برنامج التحول الوطني الطموح والاستراتيجي الذي يعد نقلة نوعية في الاقتصاد السعودي، حيث يعد إيجاد بدائل متجددة للطاقة تدعم الاقتصاد الوطني ورفع المحتوى المحلي من أبرز العوامل الأساسية والداعمة للدورة الاقتصادية من خلال إنشاء مصنع كهذا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق