هل يمكن أن يغير الحشد العسكري الروسي الجديد في سوريا المعادلات؟

يحق للمتابعين للشأن السياسي، أن يتساءلوا، لماذا أوباما كان صلبا في أوكرانيا في مواجهة روسيا ورخوا في سوريا؟، والسؤال الآخر كيف نجح بوتين في استثمار ضعف أوباما، وتمكن من تغيير وجهته، عندما جهزت الحربية الأمريكية سفنها، ووصلت السواحل السورية في سبتمبر 2013، انسحبت على إثرها فرقاطة روسية كانت أرسلتها موسكو لاستعراض دعمها للأسد، ثم تمكن بوتين من إقناع أوباما من التراجع عن توجيه ضربة لنظام بشار الأسد، عندما استخدم بشار الأسد الكيماوي ضد شعبه، واستبدل الضربة بنزع سوريا من الأسلحة الكيماوية، التي تصب في صالح إسرائيل على حساب الشعب السوري المنتفض؟

والآن يود بوتين أن يعيد الكرة، وينتزع زمام المبادرة في الملف السوري، وخطفه من الجميع بمن فيهم إيران، وبات الجميع يعتقد أن المجتمع الدولي مجبرا على التعاطي مع موسكو وفقا لرؤيتها الخاصة لحل الأزمة السورية، وهو ما أكدته واشنطن بأنها منفتحة على موسكو في حل الأزمة السورية، وهي رؤية تنبني أساسا على بقاء الأسد في موقعه وتعتبره جزءا من الحل لا غنى عنه.

هل أصبحت سوريا مثل القطب الشمالي المتجمد، من يرسل قواته أولا يسيطر عليه؟، مستثمرا بوتين أزمة اللاجئين التي بدأت تؤرق الأوربيين، ربما ينال دعمهم ويخففون من ضغطهم عليه في أوكرانيا.

هناك تحليلات تؤكد أن إرسال روسيا أسلحتها إلى سوريا بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران الغرب، بعد التقارب بين الولايات المتحدة وإيران، لعقد تسوية سياسية في سوريا على حساب مصالح روسيا في سوريا، وهو ما جعلها تسرع في إرسال قواتها العسكرية إلى سوريا، وبناء قاعدة جوية لتقوية النظام الذي أوشك على الانهيار.

المعادلة الجديدة التي برزت في سوريا، أن روسيا استولت على الورقة السورية من أيدي الإيرانيين، رغم أنه لا يرضي دول الخليج، ولكن يهمهم استبعاد إيران من سوريا ومن المنطقة بأي ثمن، رغم أن مستقبل سوريا أصبح غير واضح، وسيستمر ساحة قتال، لأن موسكو لن توسع من عملياتها العسكرية، بل فقط لدعم وتثبيت وتوسعة الجيب الذي يسيطر عليه الأسد.

أوباما منشغل بعيدا عن أزمة سوريا وعن أزمات منطقة الشرق الأوسط هو والصين، إذ تستخدم بكين قوتها الناعمة في الضغط على واشنطن، وتحريك كوريا الشمالية التي قد تبدأ بصنع قنابل نووية أقوى من القنابل الموجودة لديها لتستخدمها ضد الولايات المتحدة، حتى تتوقف الولايات المتحدة حول التدخل في حديقتها المجاورة في البحر الجنوبي، وحتى لا تستثمر واشنطن نقاط الضعف التي تعاني منها الصين في الوقت الحالي.

العلاقة المرتقبة من زيارة الرئيس الصيني تشي لواشنطن، ستجري حول كثير من القضايا الجوهرية لمسيرة الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين، الجريمة الإلكترونية، وحقوق الملكية الفكرية، والتجسس، والوصول إلى الأسواق، وحوكمة الانترنت، بينما تدرس إدارة أوباما فرض عقوبات إلكترونية على الشركات الصينية التي تعتقد أنها سرقت أسرارا تجارية أمريكية.

رؤساء الشركات الأميركية الكبرى ناشدوا الرئيسين، بناء علاقة اقتصادية دائمة، وإيجابية، تكون نقطة ارتكاز أساسية للنمو الاقتصادي العالمي، بعدما تقلص الاستثمار في الصين بشكل كبير، مع تراجع الطلب، سيكون له آثار سلبية على الاقتصاد العالمي، بسبب أن نحو ثلث الاستثمارات العالمية بأسعار السوق تحدث داخل الصين، فإن التأثير يمكن أن يكون كبيرا، كما ستتأثر الدول المعتمدة على الصادرات مثل اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا.

لذلك ستستسلم الولايات المتحدة للأمر الواقع، وستنسق طلعاتها الجوية مع روسيا، ولكن البعض يتساءل، إلى أين يصل هذا التنسيق التكتيكي؟ وما نوعه؟، سيكون قبول بالدور المتبادل بين الطرفين، ولكن عمليا شرعنة الاحتلال الروسي على غرار الاحتلال الروسي لأفغانستان.

الدبلوماسية الأمريكية سبق أن استخدمت نفس السيناريو الروسي الآن في سوريا بمحاربة الإرهاب عندما استخدمته في العراق، والإرهاب الذي تراه روسيا هو كل مسلم معاد لنظام بشار الأسد فهو إرهابي، ولذلك هناك إسقاط جوي روسي سيكون في إدلب المحررة، وحلب التي تسيطر عليها المعارضة.

إذن الولايات المتحدة ستدير خدها الأيمن، وهي تدرك أنها لم تنتصر على الاتحاد السوفيتي في أفغانستان بل طالبان، وكذلك هي لن تحارب روسيا في سوريا بل ستنتصر عليها المعارضة، فتصبح المسؤولية مضاعفة، ومتعددة على المعارضة، لمحاربة نظام بشار الأسد، وحزب الله، وإيران، ومرتزقتها، وروسيا، وداعش، ستضع الدول الإقليمية في وضع محرج، ولكنها ستدير معركتها للدفاع عن المنطقة.

كما تتخوف إسرائيل من أن يحمل نشر القوات الروسية المتجدد في سوريا عواقب سياسية بالنسبة لها، وتخشى أن تشرعن الوجود الإيراني في سوريا، وتحويلها إلى نقطة انطلاق لحزب الله، والمنظمات الفلسطينية، واستخدامها في حرب استنزاف ضد إسرائيل من الجولان، ولبنان، وقطاع غزة.

وترى إسرائيل أن روسيا تريد أن تحقق مكاسب سياسية أكثر شمولية، لاستعادة مكانتها، ونفوذها في الشرق الأوسط، بعد أن تراجعت كثيرا في العقود الأخيرة، وهي مقايضة جديدة مع الغرب في موضوع أوكرانيا، وأن الاتفاق النووي مع إيران أتاح فرصة لزيادة النفوذ الروسي، وإسرائيل عكس دول الخليج، تخشى أن تدفع روسيا الثمن لإيران، ولأذرعها العسكرية في المنطقة، خصوصا تعزيز قوة حزب الله.

تعليق الولايات المتحدة صدر عن مكتب وزير الخارجية الأميركي كيري، عندما قال بشكل واضح إن استمرار دعم روسيا للرئيس الأسد، يمكن أن يؤدي إلى تأجيج النزاع، وإطالة أمده، وتقويض هدفنا المشترك المتمثل في مكافحة التطرف، وهو تصريح دبلوماسي، بسبب أنه لم يصدر من وزارة الدفاع، وقد تتجه الولايات المتحدة فقط إلى فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية، مثلما فعلت بعد الأزمة في أوكرانيا، واستيلائها على شبه جزيرة القرم، لكن فرض العقوبات لم يغير من حسابات موسكو.

كما أن الدول الأوربية قد لا تكون متحمسة لفرض جولة جديدة من العقوبات، وهناك خيار زيادة دعم المعارضة السورية بمعدات عسكرية وتدريبية، لكن هذا الخيار قد يدفع موسكو إلى مضاعفة نشر قواتها العسكرية، وزيادة المواجهة العسكرية ضد قوى المعارضة السورية، وحتى الآن ليس من المؤكد أن يعقد الرئيس أوباما مع بوتين اجتماعا ثنائيا خلال اجتماعات الجمعية العامة، وهي المرة الأولى التي يشارك فيها بوتين، ويمثل بلاده منذ عشر سنوات.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق