هل يشكل التحرك الأحادي الأمريكي فرصة للانقضاض على الدب الروسي؟

لا تزال أمريكا هي صمام الأمان الأوحد في العلام حتى الآن، ولا يزال العالم مقيد اليدين في أي تحرك مشترك من دون الولايات المتحدة، لن يستطيع التحرك من دونها في سوريا خصوصا بعد تعطيل موسكو الحقيقة والعدالة بعد هجوم خان شيخون والتي تعتبر شريكة في الجريمة.

 لكن العالم يعتبر أن ما يحدث في مجلس الأمن ليس متناسبا مع حجم الجريمة، وأصبحت فرنسا تصرح بقولها إذا لم تتحرك أميركا الآن فمتى ستتحرك؟، وإن كان أمريكا حتى الآن لم تتخذ القرار النهائي، وإنما اكتفت بقولها أن الخيار العسكري في سوريا ليس مستبعدا خصوصا بعدما غيرت واشنطن من نظرتها في سوريا بعد الجريمة الشنيعة التي ارتكبت في إدلب.

 ليس هذا فحسب بل إن جريمة كيماوي إدلب يسمم علاقة بوتين مع ترامب خصوصا بعد رفض دولي لحماية روسيا جرائم نظام الأسد، وأصبح تلويح أمريكا بالعمل الأحادي مفتوح أمام أمريكا وفق حسابات استراتيجية معقدة.

تصريح ترامب بأن الهجوم على إدلب الذي يعتقد بأنه كيماوي قد تجاوز خطوط كثيرة في إشارة إلى تهديد سلفه باراك أوباما بالإطاحة بالأسد بغارات جوية إذا استخدم مثل هذه الأسلحة، واعتبر أن ما حدث اهانة للإنسانية وأن هذا الهجوم كان على أطفال كان له تأثير كبير علي، وأن موقفه من نظام الأسد قد تغير، وهو يعد بمثابة انقلاب في موقف الرئيس ترامب واختبار في نفس الوقت.

 وهو يشي بانتهاج سياسة معارضة لسياسة الرئيس الروسي بوتين وربما متصادمة، ويبدو أن سياسة الاحتواء بين الطرفين قد انتهت، لكن في نفس الوقت إما أن يتجه بوتين نحو العجرفة والتوسع في ليبيا والعراق لكن شعبيته في الداخل الروسي ستتقلص وهو يدرك ذلك، فليس أمام بوتين إلا أن يحاول احتواء الدور الأمريكي مثلما استطاع احتواء أوباما، قد يتجه نحو تقليص الدور الإيراني في سوريا والضغط على النظام السوري في القبول بحل سياسي من دون الأسد بشرط أن يضمن بوتين حماية الأسد من أي محاسبة.

 وهذا يتضح من الموقف الروسي الذي قدم مشروعا بديلا في مجلس الأمن لا يتضمن دعوة للنظام السوري تحديدا للتعاون مع التحقيق بعدما رفضت روسيا قرار غربي يدعو لفتح تحقيق كامل في الهجوم واعتبرته غير مقبول، لكن تراجعت روسيا وطالبت النظام السوري بالتعاون ريثما تنتهي الـ 72 ساعة على بداية الهجوم حتى تتلاشى الأدلة.

الضغط على روسيا كبير جدا خصوصا عندما هاجمت السفيرة الأميركية في مجلس الأمن نيكي هايلي روسيا بسبب دعمها الأسد وقالت كم من الأطفال يجب أن يموتوا لكي تبدي روسيا اهتماما بالأمر، ولم يكن الضغط على روسيا بل كان هناك ضغط على الولايات المتحدة من فرنسا وطالبت بجدية تحرك الولايات المتحدة بهدف التوصل إلى حل في سوريا، وأن تلقي بكل ثقلها في سبيل ذلك وقالت إذا لم يكن الآن فمتى؟

رغم ذلك لا تريد فرنسا وخصوصا بريطانيا على لسان بوريس جونسون الذي قال إنه يجب استصدار قرار في الأمم المتحدة قبل أي تحرك منفرد في سوريا، وترفضان الدولتان أي تدخلا عسكريا سريعا، وإنما تفضلان الدبلوماسية بأن تكون لها الأولوية، وهما لا يريدان أن يسيطر عليهما هول الصدمة بعد تورط النظام السوري في مقتل 86 شخصا بهجوم كيماوي، وتعتبر فرنسا على غرار بريطانيا أن المرحلة الأولى هي التصويت على قرار في مجلس الأمن قبل الانخراط في أي عمل عسكري بعد الإدانة الواسعة لهجوم خان شيخون.

وقال وزير خارجية بريطانيا لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لأي شخص في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يتقاعس عن الانضمام إلى اقتراح لإدانة أفعال النظام المسؤول بصورة شبه مؤكدة عن تلك الجريمة.

وكيف تدافع موسكو عن النظام بأنه قام بقصف مستودعا لمسلحي المعارضة يتضمن مواد سامة، ويضيف المعلم وزير خارجية سوريا التي لم تحسب للعواقب بأن جبهة النصرة وداعش والمجموعات الإرهابية استمرت بتخزين أسلحة كيماوية في المدن والمناطق المأهولة بالسكان وأن لديه معلومات استخبارية عن انتقال مواد كيماوية من داعش من العراق إلى سوريا ومن تركيا إلى سوريا، لكنه لم يقل أنها أتت أيضا من السعودية وقطر، وكأن المعلم يحاول أن يتجاهل مجتمع دولي يرمي بكامل أقماره الصناعية في سوريا ومراقبة دقيقة لكافة التحركات وكيف أن الأقمار الإسرائيلية التقطت تهريب أسلحة لحزب الله وضربتها لكن المعلم يريد أن يثبت إيجاد علاقة ما بين المعارضة السورية وداعش فيما أن المعارضة السورية هي التي قاتلت داعش بينما النظام السوري والمليشيات الإيرانية كل منهما يتفادى قتال الآخر.

يبدو أن روسيا في ورطة وبدأت تستميت في الدفاع عن هذه الورطة، واعتبرت أن أمريكا لا تملك معلومات موضوعية عن الهجوم الكيماوي الذي أودى بحياة العشرات، وبدأت روسيا تستخدم لغة مضطربة خصوصا عندما قال بيسكوف متحدثا للصحافة بأن أي معلومات يمكن أن تكون بحوزة الطرف الأمريكي، لا يمكن أن تكون مبينة على مواد أو شهادات موضوعية تعكس الواقع محذرا من استنتاج متسرع عما حصل في المنطقة الواقعة بالكامل تحت سيطرة فصائل مقاتلة وجهادية وأن روسيا لا توافق على التقييمات الصادرة بشأن الهجوم الذي استهدف مدينة خان شيخون في محافظة إدلب بشمال غرب البلاد.

الموقف الروسي المرتبك والمحاصر دوليا وحتى الصين قد لا تستخدم الفيتو إلى جانب موسكو في مجلس الأمن، لكن الولايات المتحدة أمام فرصتها إما في القضاء على الدب الروسي، أو استخدامه أداة لتحقيق ما لم تتمكن من تحقيقه في الفترة الماضية كخيار بديل عن ضربة قاضية للنظام السوري وتمكن الجهاديين من السيطرة على النظام في سوريا عندها ستخسر روسيا مكاسبها التي حققتها في الفترة الماضية لأن الجهاديين لن يقبلوا بتواجد روسي في سوريا وسيهاجون القواعد العسكرية والتواجد الروسي، فروسيا أمام خيارين إما التعاون مع المجتمع الدولي وإما الخسارة الكاملة، خصوصا وهي تعرضت مؤخرا لهجوم إرهابي على يد أحد الجهاديين.

لكن لم تمهل أمريكا روسيا بل وجهت ضربة صاروخية أميركية على قاعدة عسكرية للنظام وسط سوريا بـ 59 صاروخا من طراز توماهوك تستهدف مطار الشعيرات المرتبط ببرنامج الأسلحة الكيمائية وهي ضربة بربرية فجر يوم الجمعة 7/4/2017 وهي الضربة العسكرية الأميركية الأولى محددة الهدف ضد النظام السوري ردا على الأحداث الرهيبة التي حصلت صباح يوم الثلاثاء في خان شيخون في محافظة إدلب، حيث أتت تلك الضربة بعد فشل مجلس الأمن الدولي في الاتفاق على قرار يدين الهجوم الذي أودى بحياة 86 شخصا على الأقل بينهم 30 طفلا.

دعا ترامب كل الدول المتحضرة إلى الانضمام لأمريكا من أجل إنهاء المجزرة وسفك الدماء في سوريا والقضاء على الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله، وهناك تقارير تفيد بأن الضربة البربرية على خان شيخون أتت مباشرة من قاسم سليماني ردا على بشار الأسد الذي أراد أن يدير ظهره لإيران  من أجل خلط الأوراق، ولم يتوقع قاسم سليماني أن للدور الأمريكي الجديد أنياب، وهو ما أكده وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون بأن الضربة الصاروخية التي نفذتها واشنطن دليل على استعداد الرئيس الأمريكي للتحرك عندما تقوم دول بتجاوز الخط معتبرا أن موسكو فشلت في تحمل مسؤوليتها في سوريا، بل إن أميركا أعلنت موسكو مسبقا بالضربة، وكذلك فرنسا التي أعلنت عن ارتياحها لتلك الضربة.

اعتبر بوتين بأن الضربة الأميركية اعتداء على دولة ذات سيادة، معتبرا أنها ستضر بالعلاقات مع واشنطن والدول الداعمة للمعارضة السورية تؤيدها، وعلقت موسكو اتفاقها مع واشنطن لتنسيق الطيران فوق سوريا، رغم أنها ستبقي قنوات الاتصال العسكرية والفنية مفتوحة مع واشنطن لكنها لن تتبادل معلومات معها، واعتبرت إيران كذلك أن الضربة الأميركية تساعد المجموعات الإرهابية التي هي في طور الانحسار وستزيد من تعقيد الوضع في سوريا والمنطقة.

أعلنت السعودية تأييدها الكامل للعمليات العسكرية الأميركية على قاعدة عسكرية في سوريا ردا على الهجوم الكيمائي منوهة بالقرار الشجاع للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وبدأت روسيا تصاب بتخبط وبدأت تصريحاتها تدل على الارتباك خصوصا وأن روسيا بدأت تشكك في فاعلية الضربات الأميركية ولافروف يقول أن القصف الصاروخي يعيد للأذهان احتلال العراق وأن روسيا ستعيد تعزيز قوات الدفاع الجوي السوري.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق