هل واشنطن تلعب بالنار لتطويق التدخل الروسي وعسكرة التسويات، أم ارتجال سياسي؟

لم تفاجأ الولايات المتحدة ولا السعودية بالتدخل الروسي العسكري في سوريا، بل قد يكون كمينا وفخا نصب لروسيا من قبل الولايات المتحدة لروسيا لتوريطها وإشغالها في أزمة الشرق الأوسط بعيدا عن أوروبا في أوكرانيا، لزيادة إضعاف الاقتصاد الروسي المنهك والذي يعاني نتيجة انخفاض العملة الروسية أكثر من 40 في المائة أمام عملة الدولار، ونتيجة انخفاض أسعار النفط الدخل الرئيسي للموازنة الروسية، ونتيجة العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

رغم أن موسكو تسعى لحل يخرجها من المستنقع السوري، إلا أنها تربط مصير الأسد بمستقبل سوريا، وهو ما كبل أيدي اللاعبين الدوليين في فيينا 1و فيينا2 عندها صرح بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة عندما قال لا ينبغي أن يكون مستقبل سوريا رهنا بمستقبل شخص واحد، بينما كانت خارطة الطريق الروسية في سوريا مرسومة أميركيا وسعوديا، لكن بوتين حاول إعادة رسم خريطة روسية جديدة تتلاءم مع طموحاته القيصرية.

كانت الولايات المتحدة حريصة طيلة الفترة الماضية على التوازن في الأزمة السورية دون حسم لأحد الأطراف، لكن متابعة أمريكا الشأن السوري بعد التدخل الروسي، وجدت أن الروس لم يكتفوا بإنقاذ الأسد، بل وتغيير الواقع الميداني على الأرض لصالح الأسد.

لذلك جاء إعلان الولايات المتحدة عن نيتها إرسال قوات برية إلى سوريا خارج كل السياقات والتسويات في فيينا 1 وفيينا 2، لكن حذر مسؤولون أميركيون من أن قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بإرسال قوات خاصة إلى سوريا قد لا يحقق الهدف منها، خاصة أنها ستكون معرضة للخطر، ما يعكس حالة من الإرباك واللعب بالنار في استراتيجية إدارة أوباما للحاق بالدور الروسي.

فيما دافع كيري وزير خارجية أمريكا عن قرار الرئيس أوباما، وقال قرار إرسالها لا يعني الدخول في الحرب الأهلية، وأوباما اتخذ القرار الصحيح، وفي نفس الوقت عكس هذا القرار على روسيا عندما اعتبرت أن هذا التصعيد الأميركي المفاجئ، ينتهك القانون الدولي، ودون موافقة من الحكومة السورية والأمم المتحدة، يتزامن هذا مع التصعيد الصادر من قبل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي يرفض بقاء الأسد في أي عملية سياسية، متزامنة أيضا مع تصريح خوجة بأن المعارضة السورية لن تقبل بأقل من جنيف1 وأن ما حصل في فيينا لا يبشر بحل سياسي.

وعندما يصرح عادل الجبير بقرب انتهاء الأزمة اليمنية، أي هزيمة الدور الإيراني في اليمن، خصوصا وأن الدور الأمريكي يرفض أن يقلب الدور الروسي التوازنات في سوريا التي ترعاها منذ عام 2011، والغريب أن الموقف الإيراني في فيينا الذي دعيت إليه من قبل أمريكا ولم تعترض عليه السعودية، شهد ليونة إيرانية تمثلت في موقف يعرب عن عدم التمسك ببقاء الأسد.

 لكن السعودية طالبت بانسحاب القوات الإيرانية ومليشيا حزب الله قبل أي حوار في سوريا، وتستند السعودية إلى الدخول المتوقع للصواريخ المضادة للطائرات التي ستكون تحت إشراف القوات الخاصة التي سيرسلها أوباما، واعترض عليه مسؤولون أميركيون وخصوصا الجمهوريون، ما يعني أن روسيا وإيران وحزب الله والمليشيات الشيعية في الواجهة في معركة قاسية، بعدما كانت ترفض الولايات المتحدة تسليم المعارضة المعتدلة صواريخ مضادة للطائرات، ورفض مطالب تركيا تحقيق مناطق آمنة على الحدود التركية السورية، يبدو أن القرار يسمح بتأمين مناطق آمنة.

قرار أوباما يعني أن الولايات المتحدة لن تسمح لروسيا الإمساك بمفاتيح المنطقة والخروج عن السياق الأمريكي، خصوصا بعدما أفشلت الولايات المتحدة التحالف الرباعي مع بغداد لمحاربة داعش، واستبعدت روسيا.

 والآن الولايات المتحدة الفاعل الرئيسي في تحرير الرمادي من داعش، ما يدل على أن الدور الأمريكي رغم تواضعه، إلا أنه يعتبر الدور الفاعل، ولن يسمح للدور الروسي أن يكون له تواجد في منطقة الشرق الأوسط خارج إرادة الولايات المتحدة، رغم أنها لم ترد على الدور البهلواني الاستعراضي الروسي في سوريا في بداياته.

أرادت الولايات المتحدة من السماح للتدخل الروسي تحقيق عدد من الأهداف، أولها تفكيك التحالف الروسي الإيراني هذا من جانب، وتفكيك العلاقة الروسية العربية، خصوصا  عندما يعتبر العرب أن روسيا عدوة للسنة، ما يربك العلاقة الروسية التركية السعودية وحتى المصرية ومع كافة المسلمين في أنحاء العالم وخصوصا داخل الأراضي الروسية.

يبدو أن استراتيجية الولايات المتحدة متحالفة مع السعودية وهناك تفاهمات مسبقة عندما لم يصل الحوار في فيينا 1وفيينا 2 إلى قبول رحيل الأسد، بأن الخيارات المتاحة هي دعم المعارضة المعتدلة، ومنحها المزيد من الأسلحة النوعية، خصوصا في حصولها على صواريخ ستينغر المضادة للطائرات التي يمكن أن تستهدف ليس فقط طائرات النظام السوري، بل وحتى الطائرات الروسية، يقود إلى القبول برحيل الأسد، وهذا ما يعنيه عادل الجبير عندما يردد في مؤتمراته الصحفية إما أن يرحل الأسد سلميا أو يرحل عسكريا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق