هل نجح أوباما في استخدام ورقة داعش من أجل انتزاع توافق إقليمي برعاية أممية؟

هل نجح أوباما في استخدام ورقة داعش من أجل انتزاع توافق إقليمي برعاية أممية؟

يريد أوباما أن يحافظ على الانتعاش البطيء للغاية وفقا لمعايير ما بعد الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة، لكنه سريع مقارنة بمعظم بقية العالم، حتى أن الاقتصاديين بدأوا يتهمون الاتحاد الأوربي بأنه معصوب العينين، ولم يتمكن من التعلم من أمريكا العوراء، بعد أن كان الاتحاد الأوربي تتجاوز رسملته السوقية نظيرتها الأمريكية بأكثر من تريليون دولار عام 2008، تفوقت أمريكا اليوم على نظيرتها الأوربية ب 10 تريليونات دولار.

انسحب أوباما من العراق وأفغانستان، وترك المنطقة لمصيرها المحتوم، ولا يريد أن تتحمل أمريكا تكاليف حمايتها المالية والبشرية، واعتقد أوباما أن التوصل ما بين الدول الإقليمية إلى توافق لن يتحقق إلا بتدعيش المنطقة، وخلق فوضى استراتيجية تهدد الجميع، رغم أن أوباما واجه انتقادات لاذعة من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لأنه يرى أن الدول الإقليمية يجب أن تتحمل مسؤوليتها، وتدير شؤونها بعيدا عن الولايات المتحدة، لأن أولويات أوباما استعادة حيوية الاقتصاد الأمريكي حتى يبقي مكانتها الدولية كدولة عظمى ويعتبره تراجعاً تكتيكياً وليس جوهرياً.

بعد أن كانت تعول أمريكا على جماعة الإخوان المسلمين لمحاربة الإرهاب، أفشلت السعودية هذا المخطط من أجل استعادة الأمن والاستقرار في مصر التي تمثل العمق الأمني للدول العربية والعمود الفقري، لكن في نفس الوقت خسرت السعودية  دولة مهمة في المنطقة داعمة لجماعة الإخوان المسلمين تركيا.

عندما بدأت إيران تتمدد عبر وكلائها في المنطقة خصوصا في اليمن بجوار حدودها، وسبق أن حركت السعودية درع الجزيرة نحو البحرين لحمايته من وصول اليد الطولى إليه من إيران عام 2011، ما جعلها تقود عملية عاصفة الحزم في اليمن بعد وصول اليد الطولى لإيران عبر تحالف عربي إسلامي، ووجدت أن نجاح عاصفة الحزم لن يكتمل، إذا لم تتحرك في سوريا لمحاصرة إيران حتى لا تضغط عليها في اليمن لإفشال عاصفة الحزم، مما فرض عليها إعادة مراجعتها في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين بتبني استراتيجية متوازنة يجعلها تتقرب من تركيا ولكن لا تخسر مصر في نفس الوقت.

لأول مرة ينفذ داعش عمليتين إرهابيتين داخل السعودية، تذكر السعودية بالعمليات الإرهابية التي كانت تقوم بها القاعدة من قبل عام 2006، واستيلاء داعش على سرت المدينة النفطية في ليبيا الذي يهدد الأمن المصري مثلما يهدد الحوثيين الأمن السعودي بالتزامن مع استيلائه على عاصمة الأنبار الرمادي، وسبق أن استولى على أسلحة ثقيلة وبكميات هائلة بعدما انهار جيش المالكي الذي كانت إيران ترفض بناء جيش عراقي على يد أمريكا بضغط سعودي تركي، ولكن اكتفت أمريكا بتدريب جيش المالكي في حين حرص المالكي على أن يكون جيشاً طائفياً وليس جيشا وطنيا.

فشل قتال الإرهاب من الجو، وحسب صحيفة واشنطن بوست أن 75 في المائة من الضربات الجوية فشلت في توجيه ضربات جوية لداعش، قد يكون هذا التمنع مقصودا من أجل تقوية داعش وتوسعة سيطرته على المناطق، خصوصا بعدما سيطر على شمال حلب قرب الحدود التركية ما يهدد المعارضة بعد النجاحات التي حققتها، من أجل تخويف الدول الإقليمية، حتى تضطر إلى التوافق الإقليمي ورعاية شؤونها، وقد يكون بسبب سحب أوباما قواته من العراق، ومثل تلك الضربات الجوية هي بحاجة إلى توجيه من الأرض، حتى لا تتسبب تلك الضربات في ضرب مدنيين مما يحرج موقف الولايا ت المتحدة أمام العالم .

المنطقة تعج بالفوضة، بسبب أن الجيوش لم تكن جيوشا وطنية مثل الجيش الذي أسسه السادات، ورفض الجيشان الوطنيان في مصر وتونس قتل الثوار، بينما عمد جيش الأسد والقذافي وعلي عبد الله صالح بعد المبادرة الخليجية بتحالفه مع الحوثيين وبرعاية إيرانية في قتل الشعب اليمني.

نتيجة التقارب السعودي التركي، ودعم المعارضة بعد تردد أمريكي، انسحب الجيش الطائفي التابع للأسد من شرق سوريا وشمالها الشرقي ووسطها وجنوبها لصالح داعش والمعارضة.

تلك التحركات فرضت تفاهمات إقليمية بين السعودية ومصر وفق تنازلات متبادلة، والتنسيق حول حكومة انتقالية في سوريا من دون الأسد، ولكن مع الحفاظ على بقاء مؤسسات الدولة، بعد امتناع المعارضة السورية عن حضور مؤتمر القاهرة ولكن بعد تلك التفاهمات لا تود مصر أن يفشل مؤتمرها، بعدما فرض الواقع الإقليمي على السعودية ومصر تفاهمات حول قبول الحل الوسط، وكانت السعودية ترفض أن يكون مؤتمر القاهرة على غرار مؤتمر موسكو مجرد مسرحية لتلميع النظام.

في ظل تلك الظروف، مصر حريصة على إنجاح مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية، ويجب أن ينسجم مع التوجه الدولي حتى يقنع روسيا بالقبول بالحل الوسط من دون الأسد، لكن من دون استبعاد الحكومة التي لم تتورط في القتل، خصوصا بعدما حقق التقارب السعودي التركي بعد دعم المعارضة السورية انهيار جيش نظام الأسد.

والخطر الكبير الذي بدأ يجتاح المنطقة  داعش الذي يهدد العراق والسعودية ومصر، وبدأ يتوسع ويحقق انتصارات خصوصا وأنه يستخدم وسائل غير تقليدية باستخدام المفخخات والتفجيرات والعمليات الانتحارية، وترفض أمريكا محاربة داعش نيابة عن الدول الإقليمية.

لكن قدمت الولايات المتحدة ألفي صاروخ مضاد للدروع للحكومة العراقية من أجل التصدي لداعش، وسمت السعودية السفير السعودي ثامر السبهان بعد تردد طويل، ما ينبئ بقدوم مرحلة جديدة من التوافق الإقليمي وفق تنازلات متبادلة بعدما كانت ترفض تلك الدول تقديمها.

كما وافقت الحكومة اليمنية تحت الرعاية السعودية، الذهاب إلى جنيف، بعدما كانت ترفض، ولكن التفاوض مع الحوثيين وعلي عبد الله صالح باعتبار أنهم انقلابيبون وألا يزيد عددهم عن سبعة، والالتزام بقرار الأمم المتحدة 2216 بالانسحاب من المدن ومن مؤسسات الدولة وتسليم الأسلحة الثقيلة، وفق المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني الذي صدر فيه قرار في مؤتمر الرياض على جميع المكونات الالتزام به.

ترك أوباما صعود الإرهاب الفوضوي بوصفة إقليمية، نتيجة تراجع الدولة، وضعف المؤسسات الأممية، حتى أصبح طرفاً فاعلاً في السياق الإقليمي، لكن مقولة أوباما بأن نظام الأسد وإيران أقل خطورة من داعش لم تثبت، بل إن السعودية أثبتت في الآونة الأخيرة بأن إيران ووكلائها في المنطقة ونظام الأسد سبب في ترك الساحة للحروب الأهلية والدينية والإرهابية بجميع أشكالها، حتى أصبح الإرهاب واقعاً أكثر انفتاحا وسيطرة.

نجح أوباما في أن يرسل رسالة للدول الإقليمية بضرورة فهم رسالة الإرهاب من خلال لغته الدينية، وإن اختلفت الأهداف الاستراتيجية بين تلك الجماعات، لكن يبقى التفاهم السعودي الإيراني سابق لأوانه مثلما يريد أوباما.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق