هل نجحت الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة الصين في شرق آسيا، وترك روسيا في الشرق الأوسط للناتو؟

الصين كما الولايات المتحدة حذرتان من التورط كثيرا في الشرق الأوسط، ومنذ أن تسلم أوباما الرئاسة وهو حريص على مواجهة الصين كأولوية، جعله ينسحب جزئيا من الشرق الأوسط، ما جعل الشرق الأوسط يعيش حالة من الفوضى نتيجة ملئ الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة من دول لديها طموحات تاريخية مثل إيران وروسيا.

 فيما ترفض أوربا مواجهة مشكلات الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت كانت ترفض وتشكك في مشكلة الإرهاب التي شكلت الولايات المتحدة تحالفا دوليا لمحاربة الإرهاب، لكن دول أوربا تريد من الولايات المتحدة مواجهة الإرهاب بمفردها وهو ما ترفضه الولايات المتحدة أن تتحمل بمفردها الدفاع عن العالم وتحمل التكاليف كما في حرب العراق وحرب الإرهاب التي قادها بوش وتسببت في انهيار اقتصادي للولايات المتحدة، حتى أصبح عدد المنضمين في داعش من أصول أوربية نحو 18 ألف مقاتل، وبدأت الهجرة إلى أوربا هاجس تسببت في أزمات حادة داخل الاتحاد الأوربي.

وبعدما كان الناتو يرفض مواجهة روسيا في سوريا خصوصا بعدما أنشأت روسيا قاعدة عسكرية في حميميم بشمال غرب سوريا، أصبح الناتو حاضرا في سوريا حتى أصبحت هناك قاعدة عسكرية فرنسية في عين العرب إلى جانب القاعدة الأمريكية المشيدة في رميلان السورية وتضم مقاتلين وخبراء وتستخدم مهبطا لطائرات مروحية، و45 خبيرا ألمانيا، أي أن هناك قوات أجنبية ترسم توازنات المعارك خلف خطوط المواجهة مع داعش. انتقلت الحرب الدولية على تنظيم داعش عمليا من الضربات الجوية إلى الميدان، وذلك بالإعلان عن انخراط قوات أميركية وفرنسية ضد التنظيم في منبج في شمال سوريا في الوقت الذي سمح النظام لدخول قوات إيرانية وروسية ينتقد هذه القوات وتعتبره عدوانا صريحا وغير مبرر على سيادتها واستقلالها.

الحرب السورية في مختلف ميادينها تخطت عناصرها المحلية، إذ أوحت أكثر من أي وقت مضى بأن الساحات تجاوزت الإطار السوري مثل جبهة حلب، لذلك نجد اختلافات الشركاء تتوسع، ودمشق مستاءة من الدور الروسي في حلب، والنظام السوري يتمرد في داريا على القرار الروسي، وموسكو تدعو لاستئناف الحوار، ومنذ معركة القصير يتكبد حزب الله هزائم بمقتل 25 من تنظيمه في بلدة الحاضر التي يتركز فيها حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وهي بلدة استراتيجية في الريف الجنوبي قرب الخط السريع إلى حلب بعد السيطرة على بلدة العيس الاستراتيجية، كما تكبدت روسيا المزيد من الخسائر البشرية في سوريا.

هناك تباين روسي أميركي في سوريا كان آخرها اتهام موسكو بضرب معتدلين موالين لواشنطن قرب الحدود مع العراق كان يعد لشن هجمات ضد داعش في شرق سوريا، ما جعل كيري يصرح للصبر حدود، يعني أن صبر الولايات المتحدة محدود جدا، ما يعني تحذير أميركا لموسكو على وقع توسع الناتو في سوريا، خصوصا بعدما اتجهت روسيا لتقديم إسناد جور للنظام للتقدم نحو مدينة الطبقة ومطارها العسكري الذي يسيطر عليه التنظيم في الرقة، وهي مدينة تبعد 50 كيلو مترا عن مدينة الرقة ويسيطر عليها التنظيم منذ عام 2014، وتشكل نقطة عبور رئيسية على ضفاف الفرات، وستسمح لقوات النظام استعادتها من أجل قطع طريق إمداد الجهاديين من جعة الغرب، حيث يسيطر الجهاديون على القسم الأكبر من محافظة الرقة باستثناء مدينتي تل أبيض وعين عيسى اللتين طردوا منهما في هجوم لقوات سوريا الديمقراطية التي تضم غالبية من المقاتلين الأكراد.

 حيث أصبح مطلب وقف إطلاق النار مصلحة عسكرية أميركية وأوربية وسط قلق دمشق وطهران وموسكو، ما يعني وقف المعركة الحاسمة التي تنوي قوات النظام ومليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني المدعوم من روسيا بعد الاجتماع الثلاثي بين وزراء دفاع سوريا وإيران وموسكو التي وافقت فيه موسكو على تأمين الغطاء الجوي، وبعد اتهام واشنطن موسكو باستهداف فصائل سورية معارضة تدعمها الولايات المتحدة وافقت روسيا مؤخرا على التنسيق مع الولايات المتحدة في عملياتها العسكرية في سوريا خلال اجتماع عقد عبر دوائر تلفزيونية، رغم ذلك لم يرد تعليق من واشنطن على مثل هذا التنسيق، حيث على مدى الشهور الماضية كانت تطالب موسكو برسم خريطة موحدة تضم معلومات عن مواقع القوات التي تنشط في سوريا، ومع ذلك لم يحدث تقدم ملموس في هذا الأمر، بسبب أن واشنطن حذرة من مثل هذا الاتفاق.

بدأت أميركا تعزز وقف إطلاق النار في سوريا بعد تعرض مدن أوربية لهجمات التنظيم كان آخرها الهجوم على ملهى في أورلاندو في أمريكا.

كما أن هناك تحركات ضخمة للناتو في بولندا وسط توتر حاد مع روسيا، إلا أن الحلف بقيادة واشنطن يصف تحركاته بأنها استراتيجية ردع وحوار، وهذه المناورات للحلف في شمال بولندا بالقرب من تورون الأكبر التي تشهدها أوربا الشرقية منذ سقوط الشيوعية، وتهدف إلى عرض قوة الجانب الشرقي للحلف في مواجهة روسيا سميت بمناورات اناكوندا ب31 ألف جندي من 24 بلدا من بينهم 14 ألف جندي من الولايات المتحدة و12 ألف من بولندا وألف جندي من بريطانيا إضافة إلى جنود من دول الشراكة من أجل السلام وهي الجمهوريات السوفيتية السابقة ومن بينها أوكرانيا.

 وتعترض موسكو بأن الحلف وافق في عام 1997 رسميا على عدم نشر قواعد دائمة في دول حلف وارسو السابقة، لكن منذ النزاع في أوكرانيا عام 2014 أنشأ الحلف قوة ردع فائقة السرعة لها قيادة متقدمة ومراكز لوجستية في الدول الشرقية ردا على المناورات الروسية في الجيب الروسي الواقع بين بولندا ولتوانيا في ظل صراع الإرادات خصوصا بعدما أبدت كل من أوكرانيا وجورجيا الانضمام للحلف.

في المقابل هناك اختبار مفاجئ للقوات الروسية بالتزامن مع تحركات الناتو ردا على تواجد الحلف الأطلسي في رومانيا وبولندا ودول البلطيق خصوصا بعدما هزت بولندا مكانة غاز بروم وسط أوربا بمرفئها الجديد للغاز الطبيعي للاستغناء عن الغاز الروسي غالي الثمن بعد وصول أول ناقلة إلى مرفئها الجديد للغاز المسال شحنة تبلغ 206 آلاف متر مكعب وهي ناقلة استأجرتها من قطر غاز.

بينما يحاول رئيس المفوضية الأوربية كلود يونكر بأن على روسيا والاتحاد الأوربي أن يسعيا لبناء جسور على الرغم من التوترات بشأن الأفعال التي تقوم بها موسكو في أوكرانيا، مؤكدا أن العلاقة لم تكسر لدرجة غير قابلة للإصلاح، خصوصا وأن الاتحاد الأوربي يتجه لتمديد العقوبات الاقتصادية على موسكو، حيث لا يمكن للاتحاد الأوربي أن يتجاهل ما يحدث في أوكرانيا، حتى يتم تطبيق اتفاق سلام شامل في شرق أوكرانيا، خصوصا وأن ضم القرم تم بطريقة غير شرعية، مما يعرض العلاقة بين روسيا والاتحاد الأوربي إلى اختبار.

تفرغت واشنطن في شرق آسيا عن احتمالات مواجهة مع الصين لعزلة دولية شبيهة بروسيا بسبب سياساتها التوسعية التي تراها واشنطن وإجراءاتها الأحادية الجانب في بحر الصين الشرقي والجنوبي، وخصوصا بعد بناء الجزر الصناعية في مناطق متنازع عليها، وإرسال سفنها العسكرية إلى المياه الإقليمية اليابانية وجوارها إلى جانب إطلاق تصريحات تؤكد سلامة سياساتها في عدد من الاجتماعات الإقليمية مستفيدة من عوامل عدة تجعل عزلتها أمرا مشكوك فيه إن لم يكون مستبعدا تماما.

انزعجت الصين من عقد اليابان قمة دول السبع في مايو 2016 حيث شككت في جدوى اجتماع زعماء الاقتصادات الأكبر في العالم دون مشاركة الاقتصاد الثاني حجما وهو الصين، بل حذرت الصين من مغبة التدخل في شؤون بحر الصين الجنوبي، الذي لا يحاذي أيا من دول المجموعة، حيث كانت البداية في العاصمة الماليزية التي استضافت المنتدى الاقتصادي لدول الآسيان في يونيو 2016 حيث تضمن البيان الختامي تهديد التحركات الصينية للسلام في بحر الصين الجنوبي ثم سحب البيان وتعديله بإلغاء الإشارة المباشرة للصين.

 تلى ذلك حوار شانغريلا الاستراتيجي في سنغافورة الذي جمع وزراء الدفاع وأبرز المسؤولين الأمنيين في دول آسيا والمحيط الهادئ حيث حذر كارتر وزير الدفاع الأمريكي من إنشاء جدار صين عظيم جديد قد يعزل الصين عن المجتمع الدولي، بل أعلن وزير الدفاع الياباني عن نية طوكيو رفع مستوى التعاون الأمني والعسكري مع دول الآسيان لمواجهة ما وصفه بالسياسات الأحادية والخطيرة في المنطقة.

 بعدها أتت الجلسة السنوية للحوار الاستراتيجي والاقتصادي الأميركي الصيني في بيجينغ حيث استمر الطرفان في إبداء خلافاتهما بلغة دبلوماسية تناسب الطبيعة الثنائية للاجتماع، لكن أثناء الاجتماع قامت ثلاث سفن حربية روسية بعبور المنطقة المحاذية لجزر سينكامو الخاضعة للسيطرة اليابانية التي تطالب بها الصين تحت اسم جزر دايو، وهي رسالة لواشنطن عن مدى التحالف الروسي الصيني، تبعتها فرقاطة صينية بعبور المنطقة ذاتها، وسبق أن تحركت سفينة صينية خلال مناورات مالابار البحرية التي كانت في السابق مناورات ثنائية أميركية هندية في بحر الفلبين قبل انضمام طوكيو إليها عام 2015.

حيث ترى الصين وروسيا أن مجموعة العشرين منبرا مناسبا للحوار بين أهم القوى السياسية والاقتصادية الفاعلة عالميا بما يشمل القوى التقليدية ودول البريكس وبعض دول العالم الثالث، حيث تولي الصين أهمية كبيرة لقمة العشرين التي ستستضيفها في مدينة هانغجو في سبتمبر 2016 لتكريس موقعها لاعبا أساسيا على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق